الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            وأما قوله تعالى : ( كل له قانتون ) ففيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : القنوت أصله الدوام ، ثم يستعمل على أربعة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                            الطاعة ، كقوله تعالى : ( يامريم اقنتي لربك ) [ آل عمران : 43 ] ، وطول القيام ، كقوله عليه السلام لما سئل : أي الصلاة أفضل ؟ قال : " طول القنوت " ، وبمعنى السكوت ، كما قال زيد بن أرقم : كنا نتكلم في الصلاة حتى نزل قوله تعالى : ( وقوموا لله قانتين ) [ البقرة : 238 ] فأمسكنا عن الكلام ، ويكون بمعنى الدوام ، إذا عرفت هذا فنقول : قال بعض المفسرين : ( كل له قانتون ) أي : كل ما في السماوات والأرض قانتون مطيعون ، والتنوين في " كل " عوض عن المضاف إليه ، وهو قول مجاهد وابن عباس ، فقيل لهؤلاء : الكفار ليسوا مطيعين ، فعند هذا قال آخرون : المعنى أنهم يطيعون يوم القيامة ، وهو قول السدي ، فقيل لهؤلاء : هذه صفة المكلفين ، وقوله : ( له ما في السماوات ) يتناول من لا يكون مكلفا ، فعند هذا فسروا القنوت بوجوه أخر :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : بكونها شاهدة على وجود الخالق سبحانه بما فيها من آثار الصنعة وأمارات الحدوث والدلالة على الربوبية .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : كون جميعها في ملكه وقهره يتصرف فيها كيف يشاء ، وهو قول أبي مسلم ، وعلى هذين الوجهين الآية عامة .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : أراد به الملائكة وعزيرا والمسيح ، أي : كل من هؤلاء الذين حكموا عليهم بالولد أنهم قانتون له ، يحكى عن علي بن أبي طالب أنه قال لبعض النصارى : لولا تمرد عيسى عن عبادة الله لصرت على دينه ، فقال النصراني : كيف يجوز أن ينسب ذلك إلى عيسى مع جده في طاعة الله ، فقال علي رضي الله عنه : فإن كان عيسى إلها ، فالإله كيف يعبد غيره ، إنما العبد هو الذي يليق به العبادة ، فانقطع النصراني .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : لما كان القنوت في أصل اللغة عبارة عن الدوام كان معنى الآية أن دوام الممكنات وبقاءها - به سبحانه ولأجله ، وهذا يقتضي أن العالم حال بقائه واستمراره محتاج إليه سبحانه وتعالى ، فثبت أن الممكن يقتضي أن لا تنقطع حاجته عن المؤثر لا حال حدوثه ولا حال بقائه .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : يقال كيف جاء بـ " ما " الذي لغير أولي العلم ، مع قوله : ( قانتون ) ، جوابه : كأنه جاء بـ " ما " دون " من " تحقيرا لشأنهم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية