الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم

                                                                                                                1763 حدثنا هناد بن السري حدثنا ابن المبارك عن عكرمة بن عمار حدثني سماك الحنفي قال سمعت ابن عباس يقول حدثني عمر بن الخطاب قال لما كان يوم بدر ح وحدثنا زهير بن حرب واللفظ له حدثنا عمر بن يونس الحنفي حدثنا عكرمة بن عمار حدثني أبو زميل هو سماك الحنفي حدثني عبد الله بن عباس قال حدثني عمر بن الخطاب قال لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاث مائة وتسعة عشر رجلا فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم آت ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله عز وجل إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين فأمده الله بالملائكة قال أبو زميل فحدثني ابن عباس قال بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول أقدم حيزوم فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط فاخضر ذلك أجمع فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين قال أبو زميل قال ابن عباس فلما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر ما ترون في هؤلاء الأسارى فقال أبو بكر يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار فعسى الله أن يهديهم للإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترى يا ابن الخطاب قلت لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكني من فلان نسيبا لعمر فأضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان قلت يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله عز وجل ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض إلى قوله فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا فأحل الله الغنيمة لهم

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( لما كان يوم بدر ) اعلم أن بدرا هو موضع الغزوة العظمى المشهورة ، وهو ماء معروف ، وقرية عامرة على نحو أربع مراحل من المدينة ، بينها وبين مكة ، قال ابن قتيبة : بدر بئر كانت لرجل يسمى بدرا ، فسميت باسمه ، قال أبو اليقظان : كانت لرجل من بني غفار ، وكانت غزوة بدر يوم الجمعة لسبع عشرة خلت من شهر رمضان ، في السنة الثانية من الهجرة ، وروى الحافظ أبو القاسم بإسناده في تاريخ دمشق فيه ضعفاء أنها كانت يوم الاثنين ، قال الحافظ : والمحفوظ أنها كانت يوم الجمعة ، وثبت في صحيح البخاري عن ابن مسعود أن يوم بدر كان يوما حارا .

                                                                                                                قوله : ( فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه : اللهم أنجز لي ما وعدتني ) أما ( يهتف ) فبفتح أوله وكسر التاء المثناة فوق بعد الهاء ، ومعناه : يصيح ويستغيث بالله بالدعاء ، وفيه استحباب استقبال القبلة في الدعاء ورفع اليدين فيه ، وأنه لا بأس برفع الصوت في الدعاء .

                                                                                                                [ ص: 434 ] قوله صلى الله عليه وسلم : اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض ضبطوه ( تهلك ) بفتح التاء وضمها ، فعلى الأول ترفع ( العصابة ) على أنها فاعل ، وعلى الثاني تنصب وتكون مفعولة . والعصابة : الجماعة .

                                                                                                                قوله : ( كذاك مناشدتك ربك ) المناشدة : السؤال مأخوذة من النشيد ، وهو رفع الصوت ، هكذا وقع لجماهير رواة مسلم ( كذاك ) بالذال ، ولبعضهم ( كفاك ) بالفاء ، وفي رواية البخاري ( حسبك مناشدتك ربك ) وكل بمعنى ، وضبطوا ( مناشدتك ) بالرفع والنصب وهو الأشهر ، قال القاضي : من رفعه جعله فاعلا بكفاك ، ومن نصبه فعلى المفعول بما في " حسبك وكفاك وكذاك " من معنى الفعل من الكف ، قال العلماء : هذه المناشدة إنما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ليراه أصحابه بتلك الحال ، فتقوى قلوبهم بدعائه وتضرعه ، مع أن الدعاء عبادة ، وقد كان وعده الله تعالى إحدى الطائفتين إما العير وإما الجيش ، وكانت العير قد ذهبت وفاتت ، فكان على ثقة من حصول الأخرى ، لكن سأل تعجيل ذلك وتنجيزه من غير أذى يلحق المسلمين ، قوله تعالى : أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين أي : معينكم ، والإمداد : الإعانة . ؟ ومردفين : متتابعين . وقيل غير ذلك .

                                                                                                                قوله : ( أقدم حيزوم ) هو بحاء مهملة مفتوحة ثم مثناة تحت ساكنة ثم زاي مضمومة ثم واو ثم ميم ، قال القاضي : وقع في رواية العذري ( حيزون ) بالنون والصواب الأول ، وهو المعروف لسائر الرواة والمحفوظ ، وهو اسم فرس الملك ، وهو منادى بحذف حرف النداء أي : يا حيزوم ، وأما ( أقدم ) فضبطوه بوجهين أصحهما وأشهرهما ، ولم يذكر ابن دريد وكثيرون أو الأكثرون غيره : أنه بهمزة قطع مفتوحة وبكسر الدال من الإقدام ، قالوا : وهي كلمة زجر للفرس معلومة في كلامهم ، والثاني : بضم الدال وبهمزة وصل مضمومة من التقدم .

                                                                                                                [ ص: 435 ] قوله : ( فإذا هو قد خطم أنفه ) الخطم : الأثر على الأنف ، وهو بالخاء المعجمة .

                                                                                                                قوله : ( هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها ) يعني أشرافها ، الواحد صنديد بكسر الصاد ، والضمير في ( صناديدها ) يعود على أئمة الكفر أو مكة .

                                                                                                                قوله : ( فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ) وهو بكسر الواو أي : أحب ذلك واستحسنه ، يقال : هوي الشيء - بكسر الواو - ويهوى - بفتحها - هوى ، والهوى المحبة .

                                                                                                                قوله : ( ولم يهو ما قلت ) هكذا هي بعض النسخ ( ولم يهو ) وفي كثير منها ( ولم يهوي ) بالياء وهي لغة قليلة بإثبات الياء مع الجازم ، ومنه قراءة من قرأ ( إنه من يتقي ويصبر ) بالياء ومنه قول الشاعر :


                                                                                                                ألم يأتيك والأنباء تنمي

                                                                                                                وقوله تعالى : حتى يثخن في الأرض أي : يكثر القتل والقهر في العدو .




                                                                                                                الخدمات العلمية