الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( وهي مستحبة ) يعني الوصية مستحبة أقول : الحكم بالاستحباب على الوصية مطلقا لا يناسب ما سيأتي من التفصيل في الكتاب من أن الوصية بالثلث للأجنبي جائزة بدون الثلث مستحبة إن كانت الورثة أغنياء أو يستغنون بنصيبهم .

                                                                                        وإن كانوا فقراء لا يستغنون بما يرثون فترك الوصية أولى ، وأنها لا تجوز للوارث والقاتل فكان الظاهر أن يقال الوصية غير واجبة بل هي مستحبة أو جائزة اللهم إلا أن يوجبه قوله وهي مستحبة بأن المراد به أن غاية أمرها الاستحباب دون الوجوب لا أنها مستحبة على الإطلاق فكأنه قال إنها لا تصل إلى مرتبة الوجوب بل قصارى أمرها الاستحباب لكن يرد عليه النقض بالوصية لحقوق الله تعالى كالصلاة والزكاة والصوم والحج التي فرط فيها ، والظاهر أنها واجبة كما صرح به الإمام الزيلعي في التبيين قال في العناية أخذا من النهاية فقوله غير واجبة رد لقول من يقول أن الوصية للوالدين والأقربين إذا كانوا ممن لا يرثون فرض ، ولقول من يقول الوصية واجبة على كل أحد ممن له مروءة ويسار لقوله تعالى { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين } والمكتوب علينا فرض ، ولما لم يفهم الاستحباب من نفي الوجوب لجواز الإباحة قال الشارح هذا إذا لم يكن عليه حق مستحق لله ، وإن كان عليه حق مستحق لله كالزكاة ، والصوم أو الحج أو الصلاة التي فرط فيها فهي واجبة ، والقياس يأبى جوازها لأنها تمليك مضاف إلى حال زوال الملك ، ولو أضافه إلى حال قيامه بأن قال ملكتك غدا كان باطلا فهذا أولى إلا أن الشارع أجازه لحاجة الناس إليها لأن الإنسان مغرور بأمله مقصر في عمله فإذا عرض له عارض ، وخاف الهلاك يحتاج إلى تلافي ما فاته من التقصير بماله على وجه لو تحقق ما كان مخالفة يحصل مقصوده .

                                                                                        وقد يبقى الملك بعد الموت باعتبار الحاجة كما يبقى في قدر التجهيز والدين ، وقد نطق بها الكتاب ، وهو قوله تعالى { من بعد وصية يوصى بها أو دين } والسنة ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام { إن الله قد تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم ليجعلها لكم زيادة في أعمالكم } ، وعليه إجماع الأمة ثم تصح الوصية للأجنبي بالثلث من غير إجازة الوارث ولا تجوز بما زاد على الثلث لما روي { عن سعد بن أبي وقاص أنه قال جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني من [ ص: 461 ] وجع اشتد بي فقلت : يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى ، وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي أفأتصدق بثلثي مالي قال لا قال قلت : فالشطر يا رسول الله قال لا قال قلت : فالثلث قال فالثلث ، والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير لك من أن تذرهم عالة يتكففون الناس } ، ولأن حق الورثة تعلق بماله لانعقاد سبب الزوال إليهم ، وهو استغناؤهم عن المال إلا أن الشرع لم يظهر في حق الأجانب بقدر الثلث ليتدارك تقصيره ، وأظهره في حق الورثة لأن الظاهر أنه لا يتصدق به عليهم تحرزا عما يتفق لهم من التأذي بالإيثار ، وقد جاء في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال { الحيف في الوصية من أكبر الكبائر } ، وفسروه بالزيادة على الثلث ، وبالوصية للوارث ، وقوله مستحبة إلخ الأفضل لمن كان قليل المال أن لا يوصي بشيء ، والأفضل لمن كان له مال كثير أن يوصي بما لا معصية فيه .

                                                                                        وقدر الأغنياء عند الإمام إذا ترك لكل واحد من الورثة أربعة آلاف دون الوصية ، وعن الإمام الفضل عشرة آلاف ، وفي الموصي الذي أراد أن يوصي ينبغي أن يبدأ بالواجبات فإن لم يكن عليه شيء من الواجبات بدأ بالقرابة فإن كانوا أغنياء فالجيران ، وفي الفتاوى عامل السلطان أوصى بأن يعطى للفقراء كذا كذا من ماله قال أبو القاسم إن علم بأنه مال غيره لا يحل أخذه ، وإن علم أنه مختلط بمال غيره جاز أخذه ، وإن لم يعلم لا يجوز حتى يتبين أنه ماله قال الفقيه أبو الليث الجواز قول أبي حنيفة لأنه ملكه بالخلط ، وعلى قولهما لا يجوز ، وفي الخانية إذا أوصى أن ينفق على فرس فلان جاز ، وهي وصية لصاحب الفرس .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية