الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 482 ] ( ومن انتهى إلى الإمام في ركوعه فكبر ووقف حتى رفع الإمام رأسه لا يصير مدركا لتلك الركعة خلافا لزفر ) هو يقول : أدرك الإمام فيما له حكم القيام فصار كما لو أدركه في حقيقة القيام . ولنا أن الشرط هو المشاركة [ ص: 483 ] في أفعال الصلاة ولم يوجد لا في القيام ولا في الركوع ( ولو ركع المقتدي قبل إمامه فأدركه الإمام فيه جاز ) وقال زفر : لا يجزئه لأن ما أتى به قبل الإمام غير معتد به هكذا ما يبنيه عليه . [ ص: 484 ] ولنا أن الشرط هو المشاركة في جزء واحد كما في الطرف الأول .

التالي السابق


( قوله فكبر ووقف حتى رفع الإمام رأسه ) وكان يمكنه الركوع أو لم يقف بل انحط فرفع الإمام قبل ركوعه لا يصير مدركا لهذه مع الإمام .

وعند زفر : يصير مدركا حتى كان لاحقا عنده في هذه الركعة فيأتي بها قبل فراغ الإمام ، إذ الواجب قضاء ما فاته قبله . ولكنه لو صلاه بعد فراغه جاز ، وعندنا هو مسبوق بها فلا يأتي بها إلا بعد فراغ الإمام هو يقول أدرك فيما له حكم القيام وهو الركوع فإن له حكمه ، حتى لو شاركه فيه صار مدركا الركعة ويأتي بتكبيرات العيد فيه ، فصار كما لو أدركه في محض القيام ولم يركع مع الإمام حتى رفع فإنه يكون مدركا لها اتفاقا حتى كان له أن يركع بعد الإمام ويلحقه .

ولنا أن الاقتداء متابعة وشركة ، قال صلى الله عليه وسلم { إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ، فإذا كبر فكبروا } وفيه { وإذا ركع فاركعوا } الحديث وقال صلى الله عليه وسلم { أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار } إلخ ، فعلم أن [ ص: 483 ] الاقتداء متابعة على وجه المشاركة ، ولم يتحقق من هذه مشاركة لا في حقيقة القيام ولا في الركوع ، فلم يدرك معه الركعة إذ لم يتحقق منه مسمى الاقتداء بعد ، بخلاف من شارك في القيام ثم تخلف عن الركوع لتحقق مسمى الاقتداء منه بتحقق جزء مفهومه فلا ينتقض بعد ذلك بالتخلف لتحقق مسمى اللاحق في الشرع اتفاقا وهو بذلك وإلا انتفى هذا ، ومدرك الإمام في الركوع لا يحتاج إلى تكبيرتين خلافا لبعضهم ، ولو نوى بتلك التكبيرة الواحدة الركوع لا الافتتاح جاز ولغت نيته ( قوله وقال زفر : لا يجوز ) فيجب أن يعيد هذا الركوع ، فإن لم يعده لم تجزه كما لو رفع رأسه من هذا لركوع قبل ركوع الإمام .

ولنا أن الشرط هو المشاركة في جزء من الركن لأنه ينطلق عليه اسم الركوع وقد وجد فيقع موقعه ويعتبر من حين المشاركة الركوع المقتدى فيه كأنه لم يوجد قبله شيء ، وهذا ممتنع لقوله إنه بناء على فاسد بل هو ابتداء وما قبله لغو كأنه لم يوجد .

وقوله كما في الطرف الأول : يعني ما لو ركع معه ورفع قبله حيث يجوز ويكره ، كذا هذا يجوز ويكره ، وهذا لأن الركوع له طرفان : طرف الابتداء وهو الأول ، وطرف الانتهاء ، فكما صحت مع مخالفته في الأول كذا الثاني ، ويكره فيهما للنص الذي سمعت ، ولو سجد قبل إمامه وأدركه فهو على هذا الخلاف .

وعن أبي حنيفة أنه لو سجد قبل رفع الإمام من الركوع ثم أدركه الإمام فيها لا يجزئه لأنه قبل أوانه في حق الإمام فكذا في حقه لأنه تبع له ، ولو أطال الإمام في السجود فرفع المقتدي فظن أنه سجد ثانية فسجد معه إن نوى بها الأولى أو لم تكن له نية تكون عن الأولى ، وكذا إن نوى الثانية والمتابعة ترجيحا للمتابعة ، وتلغو نية غيره للمخالفة ، وإن نوى الثانية لا غير كانت عن الثانية ، فإن أدركه الإمام فيها فهو على الخلاف مع زفر .

وعلى قياس ما روي عن أبي حنيفة فيمن سجد قبل رفع الإمام من الركوع يجب أن لا يجوز لأنه سجد قبل أوانه في حق الإمام ، فكذا في حقه لأنه تبع له . وفي الخلاصة : المقتدي إذا أتى بالركوع والسجود قبل الإمام هذه على خمسة أوجه : إما أتى بهما قبله أو بعده أو بالركوع معه وسجد قبله ، أو بالركوع قبله وسجد معه ، أو أتى بهما قبله ويدرك الإمام في آخر الركعات ، فإن أتى بالركوع والسجود قبل الإمام في كلها يجب عليه قضاء ركعة بلا قراءة ويتم صلاته ، وإذا ركع معه وسجد قبله يجب عليه قضاء ركعتين ، وإذا ركع قبله وسجد معه يقضي أربعا بلا قراءة ، وإن ركع بعد الإمام وسجد بعده جازت صلاته انتهى .

وأنت إذا علمت أن مدرك أول صلاة الإمام لاحق وهو يقضي قبل فراغ الإمام ففي الصورة الأولى فاتته الركعة الأولى فركوعه وسجوده في الثانية قضاء عن الأولى وفي الثالثة عن الثانية وفي الرابعة عن الثالثة ، ويقضي بعد الإمام ركعة بلا قراءة لأنه لاحق . وفي الثانية تلتحق سجدتاه في الثانية بركوعه في الأولى لأنه كان معتبرا ، ويلغو ركوعه [ ص: 484 ] في الثانية لوقوعه عقيب ركوعه الأول بلا سجود . بقي عليه ركعة ثم ركوعه في الثالثة مع الإمام معتبر ويلتحق به سجوده في رابعة الإمام فيصير عليه الثانية والرابعة فيقضي ركعتين ، وقضاء الأربع في الثالثة ظاهر .



[ تتمة فيما يتابع الإمام فيه وما لا ] إذا رفع المقتدي رأسه من الركوع قبل الإمام ينبغي أن يعود ولا يصير ركوعين ، وكذا في السجود ، ولو رفع الإمام من الركوع قبل أن يقول المقتدي سبحان ربي العظيم ثلاثا الصحيح أنه يتابعه ، ولو أدركه في الركوع يسبح ويترك الثناء ، وفي صلاة العيد يأتي بالتكبيرات في الركوع ، ولو قام إلى الثالثة قبل أن يتم المأموم التشهد يتمه ، وإن لم يتم وقام جاز ، وفي القعدة الثانية إذا سلم أو تكلم الإمام وهو في التشهد يتمه ، ولو سلم قبل أن يفرغ من الصلاة أو الدعاء يسلم معه ، ولو أحدث قبل أن يفرغ من التشهد لا يتم لأنه لا يبقى بعد حدث الإمام عمدا في الصلاة بل يفسد ذلك الجزء ويبقى بعد سلامه وكلامه ، ولو سلم قبل الإمام وتأخر الإمام حتى طلعت الشمس فسدت صلاته وحده ويتابعه في القنوت .

وقدمنا ما لو ترك الإمام القنوت في باب الوتر أنه إن أمكنه أن يقنت ويدرك الركوع قنت وإلا تابع . وفي نظم الزندويستي : خمسة إذا لم يفعلها الإمام لا يفعلها القوم : القنوت ، وتكبيرات العيد ، والقعدة الأولى ، وسجدة التلاوة إذا تلا في الصلاة ولم يسجد ، أو سها ولم يسجد . وأربعة إذا فعلها الإمام لا يفعلها المقتدي : إذا زاد سجدة مثلا ، أو زاد في تكبيرات العيد ما يخرج به عن أقوال الصحابة وسمع التكبيرات من الإمام لا المؤذن على ما نذكره في صلاة العيد ، وخامسة في تكبير الجنازة أو قام إلى الخامسة ساهيا ، وسنذكر ماذا يصنع المقتدي في هذه في باب السهو إن شاء الله تعالى .

وتسعة إذا لم يفعلها الإمام يفعلها القوم : إذا لم يرفع يديه في الافتتاح ، وإذا لم يثن ما دام في الفاتحة ، وإن كان في السورة فكذا عند أبي يوسف خلافا لمحمد ، وقد عرف أنه إذا أدركه في جهر القراءة لا يثني ، وإذا لم يكبر للانتقال ، أو لم يسبح في الركوع والسجود ، وإذا لم يسمع أو لم يقرأ التشهد ، وإذا لم يسلم الإمام يسلم القوم . وتقدم أنه إذا أحدث لا يسلمون ، بخلاف ما إذا تكلم لما قدمنا من أنه بالحدث تفسد من صلاتهم محله فينتفي محل السلام ، وإذا نسي تكبير التشريق .



[ فرع ]

صلى الكافر بجماعة حكم بإسلامه ، ومنفردا لا لأن الجماعة من خصوصيات صلاة ديننا ، ووجود اللازم المساوي يستلزم الملزوم المعين ، ولا يحكم بإسلامه بحج ولا صوم رمضان ، وفي كون الصلاة بجماعة من الخصوصيات نظر .




الخدمات العلمية