الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              3181 3360 - حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش قال: حدثني إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: لما نزلت: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم [الأنعام: 82] قلنا: يا رسول الله، أينا لا يظلم نفسه؟ قال: "ليس كما تقولون: ولم يلبسوا إيمانهم بظلم [الأنعام: 82] بشرك، أولم تسمعوا إلى قول لقمان لابنه: يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ؟ " [لقمان: 13]. [انظر: 32 - مسلم: 124 - فتح: 6 \ 389]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              (وقال أبو ميسرة: الرحيم بلسان الحبشة) وهذا رواه ابن المنذر من حديث إبراهيم بن سعد عنه، يعني: الأواه، وقيل: الأواه: الدعاء، وقيل: هو الكثير التأوه، أي: التوجع شفقا وفرقا. وقيل: هو البكاء. وقيل: هو الموقن قاله ابن عباس. وقال (ابن) مجاهد: هو الفقيه.

                                                                                                                                                                                                                              وقال كعب: كان إذا ذكر البأس تأوه. وحكى ابن فارس عن [ ص: 363 ] قوم: أنه المؤمن بلغة الحبشة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( كان أمة ) قال ابن مسعود: هو الذي يعلم الناس الخير. وقال مجاهد: كان مؤمنا وحده والناس كلهم كفار.

                                                                                                                                                                                                                              ويقوي هذا حديث: "كان زيد بن عمرو بن نفيل أمة وحده".

                                                                                                                                                                                                                              والقانت: المطيع، قاله ابن مسعود، والحنيف: المسلم وقيل: المختون والناسك، وسمي إبراهيم حنيفا; لأنه حنف عما كان يعبد أبوه وقومه، أي: مال عنه إلى الإسلام. وأصل الحنف ميل من إبهام القدمين كل واحدة على صاحبتها.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن فارس: ويقال هو الذي يمشي على ظهور قدميه.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الداودي، هو المعوج الساقين.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 364 ] فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              أبو ميسرة عمرو بن شرحبيل الهمداني الوادعي الكوفي، سمع ابن مسعود، وعنه أبو وائل شقيق بن سلمة، مات قبل أبي جحيفة في ولاية عبيد الله بن زياد، وقد أسلفنا الكلام على إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - في أول كتاب الصلاة.

                                                                                                                                                                                                                              قال محمد بن أسعد الجواني: روي عن ابن عباس وعن علماء الإسلام وأهل الكتاب أن النسب فيما بين آدم وإسماعيل صحيح -على ما سنورده -وهو: إبراهيم بن تارح -وهو آزر- بن ناحور بن ساروغ بن راغو بن فالغ بن عيبر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن برد بن مهليل بن قتين بن يانش بن شيث بن آدم. قال: لا خلاف في هذا بينهم، ولا خلاف إلا في أسماء الآباء; لأجل ثقل الألسنة، وإنما الخلاف فيما بين إسماعيل وعدنان.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: فيما ذكره نظر، قال ابن حبان في "سيره": اختلفوا فيما فوق إبراهيم، فمنهم من قال: آزر بن الناحر بن سارع بن الراح بن القاسم -الذي قسم الأرض- بن بعبر بن السائخ بن الرافد بن البالخ -وهو سام- ومنهم من قال: آزر بن صاروخ بن أرغو بن فالخ بن أرفخشذ، ومنهم من ذكر شيخا بين عيبر وأرفخشد، ثم اختلفوا فيما تقدم نوح: فمنهم من قال: نوح بن ملكان بن متوشلخ بن إدريس بن الرافد بن مهليل بن قينان بن الطاهر بن شيث، ومنهم من قال: نوح بن لامك بن متوشلح بن خنوخ.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 365 ] فائدة: قال ابن الجواليقي: هو إبراهيم إبراهم إبراهم وإبراهام. وقال الزجاج في "تفسيره": أب راحم لرحمته الأطفال، وكذلك جعل هو وسارة كافلين لأطفال المؤمنين الذين يموتون إلى يوم القيامة.

                                                                                                                                                                                                                              وسيأتي في الحديث الثاني من الباب عن ابن دريد ما يتعلق بذلك.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر البخاري في الباب اثني عشر حديثا:

                                                                                                                                                                                                                              أولها:

                                                                                                                                                                                                                              حديث عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنكم محشورون حفاة عراة غرلا.. " الحديث. وفيه: "وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم".

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث ذكره البخاري في مواضع أخر في أحاديث الأنبياء في باب: واذكر في الكتاب مريم [مريم: 16] وفي التفسير في آخر المائدة، وفي آخر الأنبياء، وفي الرقاق. وفي بعض المواضع وقال "مشاة" وفيه قال سفيان: هذا مما نعد أن ابن عباس سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زاد البيهقي في "بعثه" وصححه الترمذي، فقالت زوجة ابن عباس: أينظر بعضنا إلى عورة بعض؟ فقال: يا فلانة لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه [عبس: 37].



                                                                                                                                                                                                                              وللبخاري أيضا عن عائشة: "تحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلا" فقلت: يا رسول الله، الرجال مع النساء؟ فقال: "يا عائشة الأمر يومئذ أشد من ذلك".

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 366 ] وللبيهقي عن سودة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يبعث الناس حفاة عراة غرلا قد ألجمهم العرق وبلغ شحوم الآذان". قلت: يا رسول الله: واسوأتاه، ينظر بعضنا إلى بعض قال: "شغل الناس عن ذلك".

                                                                                                                                                                                                                              وللترمذي من حديث معاوية بن حيدة: "تحشرون ركبانا وتحشرون على وجوهكم يوم القيامة على أفواهكم الفدام".

                                                                                                                                                                                                                              ولأبي داود من حديث أبي سعيد وصححه ابن حبان أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها، ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها".

                                                                                                                                                                                                                              وجمع البيهقي بينهما بأنهم يكونون -أو بعضهم- عراة إلى موقف الحساب أو قبله، ثم يكسى إبراهيم ثم الأنبياء ثم الأولياء، فيكسون كسوة، كل إنسان من جنس ما يموت فيه حتى إذا دخلوا الجنة ألبسوا من ثيابها، ويبعثون من قبورهم في ثيابهم التي يموتون فيها ثم عند الحشر تتناثر عنهم ثيابهم فيحشرون -أو بعضهم- إلى موقف الحساب عراة، ثم يكسون من ثياب الجنة.

                                                                                                                                                                                                                              وحمله بعض أهل العلم على العمل أي: في أعماله التي يموت فيها من خير أو شر قال تعالى: ولباس التقوى ذلك خير [الأعراف: 26] وقال: وثيابك فطهر [المدثر: 4] يقول: عملك أخلصه.

                                                                                                                                                                                                                              قال: وفي مسلم عن جابر مرفوعا: "يبعث كل عبد على ما مات [ ص: 367 ] عليه" قال: وروينا عن فضالة بن عبيد، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من مات على مرتبة من هذه المراتب بعث عليها يوم القيامة" قال: وهذان الخبران يؤكدان قول من حمل الخبر الأول على العمل. وقال ابن عبد البر: يحشر العبد غرا وله من الأعضاء ما كان له يوم ولد، فمن قطع منه عضو يرد في القيامة، حتى الختان. وقد احتج بحديث أبي سعيد من قال: إن الموتى يبعثون على هيئاتهم وحمله الأكثر من العلماء على الشهيد الذي أمر أن يزمل في ثيابه ويدفن بها ولا يغير شيء من حاله بدليل حديث ابن عباس وعائشة - رضي الله عنهما - قالوا: ويحتمل أن يكون أبو سعيد سمع الحديث في الشهيد فتأوله على العموم.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: ومما يدل على قول الأكثرين مما يوافق حديث عائشة وابن عباس قوله تعالى: ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة [الأنعام: 94] وقوله: كما بدأكم تعودون والملابس يومئذ لا غناء فيها إلا ما كان من لباس الجنة.

                                                                                                                                                                                                                              وأما الغزالي فذهب إلى حديث أبي سعيد وقوله - عليه السلام -: "بالغوا في أكفان موتاكم; فإن أمتي تحشر في أكفانها، وسائر الأمم عراة" رواه أبو سفيان مسندا، وإن صح فيكون معناه، فيحمل على أمتي الشهداء. وحديث أبي الزبير عن جابر مرفوعا: "أحسنوا أكفان موتاكم; فإنهم يتباهون بها، ويتزاورون في قبورهم" أخرجه [ ص: 368 ] أبو نصر الوايلي في "الإبانة" فمحمول على أن ذلك يكون في البرزخ كما في نفس الحديث، فإذا قاموا خرجوا كما في حديث ابن عباس إلا الشهداء.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: ("حفاة") أي: لا نعل في أرجلهم، ولا خف يقال منه: حفي يحفى حفية وحفاية، فأما من حفي من كثرة المشي فهو حف بين الحفأ مقصور.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              ("عراة") سلف ما فيه. و("غرلا") بضم الغين المعجمة جمع أغرل وهو الأقلف، والأغرل والأغلف والأقلف والأعرم -بالمهملة- كل واحد، والغرلة: ما يقطع الخاتن من ذكر الصبي، وهو القلفة وبطولها تعرف نجابة الصبي، وقال أبو هلال العسكري: لا تلتقي الراء مع اللام في العربية إلا في أربع كلمات: أرل اسم جبل، وورل دابة، وجرل - وهو ضرب من الحجارة - والغرلة.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: أهمل أربع كلمات أخر: برل الديك، وهو الذي يستدير بعنقه، عيش أغرل واسع، قاله أبو نصر، ورجل غرل: مسترخي الخلق، والهرل: ولد الزوجة، قاله القالي.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              لذة جماع الأقلف تزيد على لذة جماع المختون، كما نبه عليه ابن الجوزي.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 369 ] قال ابن عقيل: بشرة حشفة الأقلف موقاة بالقلفة، فتكون بشرتها أرق، وموضع الحس كلما رق كان الحس أصدق كراحة الكف إذا كانت مرفهة من الأعمال صلحت للحس، وإذا كانت يد قصار أو نجار خفي فيها الحس، فلما أبانوا في الدنيا تلك البضعة لأجله، أعادها الله ليذيقها من لذة حلاوة فضله، قال: والسر في الختان مع أن القلفة معفو عما تحتها من النجس أنه سنة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - حيث بلي بالترويع بذبح ولده، فأحب أن يجعل لكل واحد ترويعا بقطع عضو وإراقة دم، وتبتلى أولادهم بالصبر على إيلام الآباء لهم، فتكون هذه الحالة مظهرة للصبر والتسليم من الآباء والأولاد تأسيا بإبراهيم - صلى الله عليه وسلم -.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم") فيه منقبة ظاهرة له وفضيلة وخصوصية كما خص موسى بأنه يجده متعلقا بساق العرش، مع أن سيد الأمة أول من تنشق عنه الأرض، ولا يلزم من هذا أن يكونا أفضل منه، بل هو أفضل من وافى القيامة. وروى ابن المبارك في رقائقه من حديث عبد الله بن الحارث، عن علي: أول من يكسى خليل الله قبطيتين ثم يكسى (محمد) - صلى الله عليه وسلم - حلة حبرة عن يمين العرش. وفي "منهاج الحليمي" من حديث عباد بن كثير، عن الزبير، عن جابر - رضي الله عنه -: أول من يكسى من حلل الجنة إبراهيم ثم محمد ثم النبيون، ثم قال: إذا أتي محمد أي: بحلة لا يقوم لها البشر لتحير الناظر بنفاسة الكسوة، فيكون كأنه كسي مع إبراهيم.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 370 ] وعند أبي نعيم، عن ابن مسعود قال: جاء ابنا مليكة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر حديثا: "فيكون أول من يكسى إبراهيم يقول ربنا -جل وعز-: اكسوا خليلي فيؤتى بريطتين بيضاوين فيلبسهما ثم يقعد مستقبل العرش ثم أوتى بكسوتي فألبسها فأقوم عن يمينه مقاما يغبطني فيه الأولون والآخرون" وفي "الأسماء والصفات" للبيهقي من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - مرفوعا: "أول من يكسى إبراهيم حلة من الجنة ويؤتى بكرسي فيطرح على يمين العرش ويؤتى بي فأكسى حلة لا يقوم لها البشر". والحكمة في ذلك ما ذكره العلماء أنه لم يكن في الأولين والآخرين عبد أخوف لله منه فتعجل له كسوته أمانا ليطمئن قلبه. ويحتمل أن يكون ذلك كما جاء في بعض الأحاديث أنه أول من أمر بلبس السراويل إذا صلى; مبالغة في الستر وحفظا للفرج من مس المصلى. فلما فعل ما أمر به جوزي أن يكون أول من يستر يوم القيامة. ويحتمل أن يكون الذين ألقوه في النار جردوه من ثيابه كما يفعل بمن يراد قتله، وكان ذلك في ذات الله، فلما صبر وتوكل على الله دفع عنه شر النار وجزاه بذلك التجريد أنه أول من يدفع عنه العري يوم القيامة على رءوس الأشهاد.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 371 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: ("وإن ناسا من أمتي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول أصحابي أصحابي فيقال: إنهم لن يزالوا مرتدين على أعقابهم") ظاهره الخروج عن الملة، وذهب الخطابي إلى أن الارتداد هنا التأخير عن الحقوق اللازمة والتقصير فيها. وهو مردود; فإن ظاهر الارتداد يقتضي الكفر; لقوله تعالى: أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم [آل عمران: 144] أي: رجعتم إلى الكفر، والشارع قال: "بعدا لهم وسحقا" وهذا لا يقال للمسلمين، فإن شفاعته للمذنبين، فإن قلت: كيف خفي عليه حالهم مع إخباره بعرض أمته عليه؟ قلت: ليسوا من أمته كما قلناه وإنما يعرض عليه أعمال الموحدين لا المرتدين والمنافقين، وقال ابن التين: يحتمل أن يكونوا منافقين أو مرتكبي الكبائر من أمته قال: ولم يرتد بحمد الله أحد من أمته ولذلك قال: على أعقابكم لأن الذي يعقل من قوله "مرتدين" الكفر إذا أطلق من غير تقييد. وقيل: هم قوم من جفاة العرب دخلوا في الإسلام أيام حياته رغبة ورهبة كعيينة بن حصن جاء به أبو بكر أسيرا والأشعث بن قيس فلم يقتلهما ولم يسترقهما فعاودا الإسلام.

                                                                                                                                                                                                                              وقال النووي: المراد به المنافقون والمرتدون فيناديهم للسيما التي عليهم من غرة وتحجيل يقال: ليس هؤلاء ممن وعدت بهم، إن هؤلاء بدلوا بعدك أي: أنهم لم يموتوا على ما ظهر من إسلامهم. قلت: لكن [ ص: 372 ] السيما إنما تكون للمؤمنين، والمنافق وإن كان مؤمنا في الظاهر فليس في الحقيقة مؤمنا والمرتد لا سيما له; إذ عمله محبط، وقيل: المراد من كان في زمنه مسلما ثم ارتد بعده فيناديه لما كان يعرفه في حال حياته من إسلامهم فيقال: ارتدوا بعدك، ويشكل عليه عرض الأعمال، ويجاب بما سلف، ودعوى أنهم أهل الكبائر الذين ماتوا على التوحيد أو أصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام، فيه نظر; لأنه لا يدعي عليهم. قال صاحب هذه المقالة: وعلى هذا لا يقطع لهؤلاء المذادين بالنار بل يجوز أن يذادوا عقوبة لهم ثم يرحموا ويدخلون الجنة.

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عمر ابن عبد البر: كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض كالخوارج (والروافض) وسائر أصحاب الأهواء وكذلك الظلمة المسرفون في الجور وطمس الحق والمعلنون بالكبائر.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: ("أصحابي أصحابي") صيغة دالة على قلة عددهم.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثاني:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك. فيقول إبراهيم: يا رب، [ ص: 373 ] إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله -عز وجل-: إني حرمت الجنة على الكافرين. ثم يقال لإبراهيم: ما تحت رجليك؟ فينظر فإذا هو بذيخ ملتطخ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار".. هذا الحديث يأتي في سورة الشعراء.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى (القترة): الظلمة، وفسرها ابن التين بالغبرة، على هذا قوله: "قترة (و) غبرة" مترادف، ثم قال: وقيل القترة: ما يغشى الوجه من كرب، وقيل: القترة: الغبرة معها سواد كالدخان. قاله الزجاج، وعن مقاتل: سواد وكآبة. والذيخ: بذال معجمة مكسورة وخاء معجمة قبلها مثناة تحت، وهو ذكر الضباع، قال ابن سيده: والجمع: أذياخ وذيوخ وذيخة، والأنثى: ذيخة، والجمع: ذيخات، ولا يكسر.

                                                                                                                                                                                                                              وأراد بالمتلطخ (أي: متطلخ) بالرجيع أو بالطين، وحملت بإبراهيم الرأفة على أن يشفع فيه فرئي له على خلاف منظره; ليتبرأ منه، وفي رواية أخرى أنه يأخذ بحجزة إبراهيم فينزع منه إبراهيم.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن دريد في "وشاحه": أمه بوثا بنت كربنا بن بركوثا بن أرفخشذ بن سام. والنهر الذي يعرف بنهر كوثا حفره أبو أم إبراهيم قبل ولادة إبراهيم، وكان أهل إبراهيم بمنازلهم جيرانا فأصابهم السنة فجاءوا إلى كوثا فولد إبراهيم بقرية بها يقال لها: هرمز جرد قريبا من حصا وبها أحرق وسمي إبراهيم; لأن أمه وضعته على نهر كوثا [ ص: 374 ] فسمي إبرا يعني: النهر، وهم يعني: الماء، فلما نجا من النار عبر الفرات.

                                                                                                                                                                                                                              وكلامه السريانية، فبعث نمروذ فقالوا: ردوا كل من تكلم بها فأدركوه وقد أقلب الله لسانه إلى العبرانية، وإنما سمي عبرانيا; لأنه عبر الفرات، فذهب إلى عمه تيويل بن ناحور فزوجه سارة، وسيأتي تمامها.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              ذكر ابن عساكر في "تاريخه": إن سيدنا إبراهيم ولد بغوطة دمشق، بقرية يقال لها برزة في قاسيون، والصحيح ولادته بكوثا من إقليم بابل بالعراق.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثالث:

                                                                                                                                                                                                                              حديث كريب عن ابن عباس - رضي الله عنهما - دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - البيت، فوجد فيه صورة إبراهيم وصورة مريم فقال: "أما لهم فقد سمعوا أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة، هذا إبراهيم مصور فما له يستقسم".

                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكره من حديث عكرمة عنه وهو الرابع.

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف من هذا الوجه في الحج في باب: من كبر في نواحي الكعبة، ويأتي في المغازي.

                                                                                                                                                                                                                              وإنكاره استقسام إبراهيم وإسماعيل; لأن الأزلام إنما كانت في أيام الجاهلية بعد عيسى فأنى حين ذاك هما؟!

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 375 ] الحديث الخامس:

                                                                                                                                                                                                                              حديث يحيى بن سعيد، ثنا عبيد الله، حدثني سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قيل: يا رسول الله، من أكرم الناس؟ قال: "أتقاهم" فقالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: "فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله" قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: "فعن معادن (العرب) تسألوني؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام إذا فقهوا" قال أبو أسامة ومعتمر: عن عبيد الله، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                              وهذا التعليق أسنده في موضع آخر: عن عبيد بن إسماعيل، عن أبي أسامة حماد بن أسامة. وقال في موضع آخر: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن عبيد الله فذكره، وتابعهما أيضا عبيد بن إسماعيل وعبد الله بن نمير ومحمد بن بشر والحسن بن عياش قال الدارقطني: والقول قول يحيى بن سعيد.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 376 ] إذا تقرر ذلك فالكرم معناه هنا: الشرف; وذلك أن من اتقى ربه جل وعز شرف; لأن التقى يحمله على أسباب العز; لأنها تبعده عن الطمع في كثير من المباح فضلا عن غيره من المآثم، وما ذاك إلا من أسره هواه.

                                                                                                                                                                                                                              وادعى القرطبي أنه يخرج من هذا الحديث أن إخوة يوسف ليسوا أنبياء؛ إذ لو كانوا كذلك لشاركوه في هذه المنقبة. وفيه نظر فإنه ذكر; لكونه أفضلهم، لا سيما على من ادعى رسالته.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث السادس:

                                                                                                                                                                                                                              حديث سمرة: "أتاني الليلة آتيان، فأتينا على رجل طويل، لا أكاد أرى رأسه طولا، وهو إبراهيم".

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث سلف مطولا في أواخر الجنائز.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث السابع:

                                                                                                                                                                                                                              حديث مجاهد أنه سمع ابن عباس - رضي الله عنهما - وذكر له الدجال بين عينيه كافر -أو ك ف ر- قال: لم أسمعه ولكنه قال: "أما إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم، وأما موسى فجعد آدم على جمل أحمر مخطوم بخلبة، كأني أنظر إليه انحدر في الوادي".

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث سلف في الحج في باب التلبية إذا انحدر في الوادي. والخلبة: الليف، قاله ابن فارس، وقدم عليه ابن التين أنها الخصلة من الليف، وجمعها: خلب.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 377 ] الحديث الثامن:

                                                                                                                                                                                                                              حديث مغيرة بن عبد الرحمن القرشي، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اختتن إبراهيم - عليه السلام - وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم".

                                                                                                                                                                                                                              حدثنا أبو اليمان، أنا شعيب، عن أبي الزناد "بالقدوم" مخففة. تابعه عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي الزناد، وتابعه عجلان، عن أبي هريرة، ورواه محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، وفي غير نسخة من رواية أبي الوقت وغيره: تابعه عبد الرحمن إلى آخره تقدم على قوله: (حدثنا أبو اليمان) إلى قوله: (مخففة) ويأتي في الاستئذان، وأخرجه مسلم.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن التين: روي "بالقدوم" بضم القاف وتشديد الدال. وروي بفتح القاف مع التشديد، ومعناه ختن بمكان اسمه القدوم، ومن رواه بتخفيف الدال أراد الآلة القدوم الذي ينجر به الخشب، واسم المكان قدوم بغير ألف، وقيل: القدوم مقيل لإبراهيم. وقيل: هي قرية بالشام، وعكس ذلك الداودي فقال: من رواه بالتخفيف أراد الموضع، ومن رواه بالتشديد يريد الفأس الصغير.

                                                                                                                                                                                                                              وقال النووي: رواة مسلم متفقون على التخفيف. قال القاضي عياض: هو بالتخفيف وفتح القاف وهي قرية بالشام، وقيل: هي آلة النجار المعروفة وهي مخففة لا غير. وحكى الباجي التشديد، وقال: هو موضع. وقال ابن دريد: ثنية بالسراة. وضبطه القابسي، [ ص: 378 ] والأصيلي في حديث قتيبة عن مغيرة بالتشديد. قال الأصيلي: وكذا قرأه علينا أبو زيد المروزي، وأنكر يعقوب بن شيبة التشديد، وحكى البخاري عن شعيب -كما مضى- التخفيف.

                                                                                                                                                                                                                              وقال القرطبي: الذي عليه أكثر الرواة التخفيف -يعني به: الآلة- وهو قول أكثر أهل اللغة في الآلة. وقال أبو جعفر: المكان مشدد لا يدخله الألف واللام. قال يعقوب: والآلة لا تشدد. قال القرطبي: وهو اسم لموضع مخفف.

                                                                                                                                                                                                                              قال: ويحصل من أقوالهم أنه (إن) أريد به الآلة فهو مخفف، وإذا أريد به الموضع ففيه التشديد والتخفيف، ويحتمل أن يريد بالذي في الحديث الآلة والموضع.

                                                                                                                                                                                                                              قال الحازمي: المخفف قرية كانت عند حلب. وقيل: هو اسم مجلس إبراهيم بحلب. وفسر في الحديث بأنه الموضع، والقدوم: جبل بالحجاز. والمشدد الدال قال ثعلب: هو اسم موضع.

                                                                                                                                                                                                                              قال الحازمي: إن أراد ثعلب أحد هذين الموضعين فلا يتابع عليه; لاتفاق أئمة النقل على خلاف ذلك، وإن أراد موضعا ثالثا صح ما قاله.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الجوهري: القدوم الذي ينحت به مخفف، ولا تقول: قدوم بالتشديد. قاله ابن السكيت، والجمع قدم.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 379 ] فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              فأما قوله: (فذكاه بقدوم) فهي الآلة ولا خلاف في تخفيفها، وكذلك في قوله: حتى كان بطرف القدوم، روي بفتح القاف وضمها وتخفيف الدال وتشديدها، وبالفتح مع التشديد أكثر.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (تدلى علينا من قدوم ضأن..) الحديث السالف، بالتخفيف مع الفتح، وضم القاف بعضهم والفتح أكثر وهو موضع، وتأوله بعضهم قدوم ضأن، أي: المتقدم منه وهي رءوسها. وهو وهم بين، ثم أعاد عياض ذكرها في أسماء المواضع فقال في حديث إبراهيم: لم يختلف في فتح قافه، واختلف في شد داله. وأكثر الرواة على تشديدها، حكاه الباجي. وأنكر يعقوب أن تشد. وقال البكري: هو قول أكثر أهل اللغة. وهو رواية شعيب في البخاري، وأما طرف القدوم بفتح القاف، وتشديد الدال في قول الأكثر، ومنهم من خفف الدال، ورواه أحمد الصدفي، ورواه "الموطأ" بالضم والتشديد، قال ابن وضاح: هو جبل بالمدينة. وقال ابن دريد: قدوم بالفتح والتخفيف ثنية بالسراة، وكذا قال البكري، وقال: المحدثون يشددونه. وأما الذي في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: (قدوم ضأن) فبالفتح والتخفيف، وهي ثنية بجبل دوس. وضأن: اسم جبل، قاله الحربي وهو غير مهموز، وضبطه الأصيلي بالضم لا غير، وبالفتح [ ص: 380 ] حكاه الحربي، وهي رواية الكافة، وحكى البكري عن محمد بن جعفر اللغوي أن المكان مشدد لا يدخله الألف واللام. ومن رواه في حديث إبراهيم بالتخفيف فإنما عنى الآلة، واختلف على أبي الزناد في ضبطه في البخاري فروى قتيبة عنه التشديد، ورواه غيره بالتخفيف.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: "وهو ابن ثمانين" قال القاضي عياض: جاء هذا الحديث من رواية مالك والأوزاعي: وهو ابن مائة وعشرين سنة، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة، إلا أن مالكا ومن تبعه وقفوه على أبي هريرة.

                                                                                                                                                                                                                              قال النووي: وهو متأول أو مردود. قلت: قد أخرجه ابن حبان في "صحيحه" مرفوعا، وكذا الحاكم في "مستدركه" وحكى الماوردي أنه اختتن وهو ابن سبعين سنة، وقال ابن عقبة: عاش مائة وسبعين سنة.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              كان إبراهيم أول من اختتن فصار سنة معمولا بها في ذريته، وهو حكم التوراة على بني إسرائيل كلهم، ولم يزالوا يختتنون إلى زمن [ ص: 381 ] عيسى، غيرت طائفة من النصارى ما جاء في التوراة من ذلك وقالوا: المقصود: قلفة القلب لا قلفة الذكر، فتركوا المشروع من الختان بضرب من الهذيان.

                                                                                                                                                                                                                              وهو عند الشافعي واجب وعند أكثر العلماء سنة، وإنما يجب بعد البلوغ، ويستحب في السابع ومحل بسطه الفروع، وقد سلف قريبا السر في مشروعيته فراجعه.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث التاسع:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - "لم يكذب إبراهيم إلا ثلاثا".

                                                                                                                                                                                                                              وحديثه بعده وهو: العاشر:

                                                                                                                                                                                                                              "لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات: ثنتين منهن في ذات الله" إلى آخره. وقد سلف تأويله قريبا، وأنها معاريض أو إن كانوا ينطقون فكبيرهم فعله على التقديم والتأخير، وقصة سارة مع الكافر سلفت أيضا، وذكره أيضا في النكاح في موضعين والهبة.

                                                                                                                                                                                                                              قول أبي هريرة: (تلك أمكم يا بني ماء السماء) يريد: هاجر، والخطاب للعرب، قال الخطابي: سموا بذلك; لانتجاعهم المطر وماء السماء للرعي. ويقال: إنه أراد زمزم أنبطها الله لهاجر فعاشوا به فكأنهم أولادها. وقال غيره: سموا بذلك لخلوص نسبهم وصفائه كماء السماء. قال عياض: والأظهر عندي أنه أراد بذلك الأنصار، نسبهم إلى جدهم عامر، وكان يعرف بماء السماء، والأنصار كلهم [ ص: 382 ] من ولده، وهو ابن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قطحان. وما ذكره إنما يأتي على الشاذ; لأن العرب جميعها من ولد إسماعيل إلا قبائل استثنيت. أما الأنصار فليسوا من ولد إسماعيل ابن هاجر، ولا يعلم لها ولد غيره.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الحادي عشر:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أم شريك في الأوزاغ، سلف قريبا، وفي الحج أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثاني عشر:

                                                                                                                                                                                                                              حديث علقمة، عن عبد الله -عز وجل- قال: لما نزلت: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم .. الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              سلف في الإيمان في باب: ظلم دون ظلم، فراجعه وسياقته هنا أطول، واعترض الإسماعيلي فقال: لا أعلم في هذا الحديث شيئا من قصة إبراهيم؛ إذ هو مذكور في الباب المترجم بإبراهيم.

                                                                                                                                                                                                                              ولك أن تقول: له وجه بين، وذلك أن هذه الآية المذكورة في سورة الأنعام كلها فيه، وكذا ما بعدها لما حاجه قومه فقال: أتحاجوني في الله إلى أن قال: وهم مهتدون وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه [الأنعام: 80 - 83] ولهذا إن عليا روى عنه الحاكم أنه قرأ هذه الآية: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم قال: هذه في إبراهيم وأصحابه، ليس في هذه الأمة. ثم قال: صحيح الإسناد.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 383 ] وقال الثعلبي في قوله تعالى: وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه قال: هم الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم.

                                                                                                                                                                                                                              قال الخطابي: إنما شق على الصحابة; لأن ظاهر الظلم ظلم النفس من ارتكاب المعاصي، وأخذ أموال الناس، ظن الصحابة أنه يراد بها ظاهرها. وأصل الظلم: وضع الشيء في غير موضعه.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية