الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                185 وحدثني نصر بن علي الجهضمي حدثنا بشر يعني ابن المفضل عن أبي مسلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم أو قال بخطاياهم فأماتهم إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل فقال رجل من القوم كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان بالبادية وحدثناه محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي مسلمة قال سمعت أبا نضرة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله إلى قوله في حميل السيل ولم يذكر ما بعده

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فيخرجون منها حمما قد امتحشوا فيلقون في نهر الحياة أو الحيا فينبتون فيه كما تنبت الحبة ) أما الحمم فتقدم بيانه في الباب السابق وهو بضم الحاء وفتح الميم المخففة وهو الفحم ، وقد تقدم فيه بيان الحبة والنهر وبيان امتحشوا وأنه بفتح التاء على المختار ، وقيل بضمها ومعناه : احترقوا . وقوله : ( الحياة أو الحيا ) هكذا وقع هنا وفي البخاري من رواية مالك وقد صرح البخاري في أول صحيحه بأن هذا الشك من مالك وروايات غيره ( الحياة ) بالتاء من غير شك ، ثم إن ( الحيا ) هنا مقصور وهو المطر ، سمي حيا لأنه تحيا به الأرض ، ولذلك هذا الماء يحيا به هؤلاء المحترقون وتحدث فيهم النضارة كما يحدث ذلك المطر في الأرض . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( كما تنبت الغثاء ) هو بضم الغين المعجمة وبالثاء المثلثة المخففة وبالمد وآخره هاء ، وهو : كل ما جاء به السيل ، وقيل المراد ما احتمله السيل من البذور ، وجاء في غير مسلم كما تنبت الحبة في غثاء السيل بحذف الهاء من آخره وهو ما احتمله السيل من الزبد والعيدان ونحوهما من الأقذاء . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( وفي حديث وهيب كما تنبت الحبة في حمئة أو حميلة السيل ) أما الأول : فهو ( حمئة ) بفتح الحاء وكسر الميم وبعدها همزة وهي الطين الأسود الذي يكون في أطراف النهر . وأما الثاني : فهو ( حميلة ) وهي واحدة الحميل المذكور في الروايات الأخرى بمعنى المحمول وهو الغثاء الذي يحتمله السيل . والله أعلم .

                                                                                                                [ ص: 408 ] قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ، ولا يحيون ، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم أو قال بخطاياهم فأماتهم إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ، ثم قيل : يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل ) هكذا وقع في معظم النسخ ( أهل النار ) ، وفي بعضها أما ( أهل النار ) بزيادة ( أما ) وهذا أوضح والأول صحيح ، وتكون الفاء في ( فإنهم ) زائدة وهو جائز . وقوله : ( فأماتهم ) أي : أماتهم إماتة ، وحذف للعلم به وفي بعض النسخ : ( فأماتتهم ) بتاءين أي : أماتتهم النار . وأما معنى الحديث فالظاهر والله أعلم ، من معنى هذا الحديث : أن الكفار الذين هم أهل النار والمستحقون للخلود لا يموتون فيها ولا يحيون حياة ينتفعون بها ويستريحون معها كما قال الله تعالى : لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها وكما قال تعالى : ثم لا يموت فيها ولا يحيى وهذا جار على مذهب أهل الحق أن نعيم أهل الجنة دائم ، وأن عذاب أهل الخلود في النار دائم . وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ولكن ناس أصابتهم النار ) إلى آخره . فمعناه : أن المذنبين من المؤمنين يميتهم الله تعالى إماتة بعد أن يعذبوا المدة التي أرادها الله تعالى ، وهذه الإماتة إماتة حقيقية يذهب معها الإحساس ويكون عذابهم على قدر ذنوبهم ، ثم يميتهم ، ثم يكونون محبوسين في النار من غير إحساس المدة التي قدرها الله تعالى ، ثم يخرجون من النار موتى قد صاروا فحما ، فيحملون ضبائر كما تحمل الأمتعة ويلقون على أنهار الجنة فيصب عليهم ماء الحياة وينبتون نبات الحبة في حميل السيل في سرعة نباتها وضعفها ، فتخرج لضعفها صفراء ملتوية ثم تشتد قوتهم بعد ذلك ويصيرون إلى منازلهم وتكمل أحوالهم ، فهذا هو الظاهر من لفظ الحديث ومعناه . وحكى القاضي عياض - رحمه الله - فيه وجهين : أحدهما : أنها إماتة حقيقية ، والثاني : ليس بموت حقيقي ، ولكن تغيب عنهم إحساسهم بالآلام ، قال : ويجوز أن تكون آلامهم أخف فهذا كلام القاضي والمختار ما قدمناه . والله أعلم .

                                                                                                                وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ضبائر ضبائر ) فكذا هو في الروايات والأصول ( ضبائر ضبائر ) مكرر مرتين وهو منصوب على الحال وهو بفتح الضاد المعجمة ، وهو جمع ( ضبارة ) بفتح الضاد وكسرها لغتان حكاهما القاضي عياض وصاحب المطالع وغيرهما ، أشهرهما الكسر ، ولم يذكر الهروي وغيره إلا الكسر ، ويقال فيها أيضا : إضبارة بكسر الهمزة قال أهل اللغة : الضبائر : جماعات في تفرقة . وروى ( ضبارات ضبارات ) . وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فبثوا ) فهو بالباء الموحدة المضمومة بعدها ثاء مثلثة ومعناه : فرقوا . والله أعلم .

                                                                                                                [ ص: 409 ] قوله ( عن أبي مسلمة قال : سمعت أبا نضرة عن أبي سعيد الخدري ) أما ( أبو سعيد ) فاسمه سعد بن مالك بن سنان ، وأما ( أبو نضرة ) فاسمه : المنذر بن مالك بن قطعة بكسر القاف .

                                                                                                                وأما ( أبو مسلمة ) فبفتح الميم وإسكان السين واسمه : سعيد بن يزيد الأزدي البصري . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية