الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
رجل أقام البينة أنه اشترى من رجل كل حق هو له في هذه الدار ، فإن كان المشتري يعلم كم نصيب البائع من الدار جاز البيع علم البائع أو لم يعلم ، إلا في رواية عن أبي حنيفة قال : ما لم يعلما جميعا كم نصيب البائع لا يجوز البيع ; لأن البيع مشروع للاسترباح وجهل البائع بمقدار نصيبه ربما يفوت مقصوده من البيع كجهل المشتري وفي ظاهر الرواية قال المشتري يتملك بالشراء ، فلا بد من أن يعلم بمقدار ما يتملكه ; لأنه يحتاج إلى القبض ، فإذا لم يكن معلوما له لا يتمكن من القبض وأما البائع إنما تملك الثمن ويقبض بحكم العقد الثمن ومقداره معلوم له ، فلا يضر جهله بمقدار نصيبه ، ألا ترى أن عدم الرؤية من المشتري يثبت الخيار له ومن البائع لا يثبت الخيار له وإن لم يعلم المشتري كم نصيب البائع وعلم البائع ذلك أو لم يعلم فالبيع فاسد في قول أبي حنيفة جائز في قول أبي يوسف والمشتري بالخيار إذا علم وقول محمد مضطرب فيه ذكره في بعض النسخ مع أبي يوسف وفي البعض مع أبي حنيفة

وجه قوله قول أبي يوسف إن انعقاد البيع يكون المبيع مالا متقوما وهما يعلمان أن نصيب البائع من الدار مال متقوم قل ذلك أو كثر فيجوز البيع يوضحه أن قلة نصيبه وكثرته يؤثر في الشفعة من حيث الشفعة والجهل بأوصاف المبيع لا يمنع صحة البيع ، ولكن يثبت الخيار للمشتري إذا علم به ويجب للشفيع فيه الشفعة وجه قول أبي حنيفة أن هذه جهالة تفضي إلى تمكن المنازعة بينهما أما في الحال إن احتاج المشتري إلى قبض المبيع أو في ثاني الحال إن تقايلا البيع أو رده بالعيب أو أخذه الشفيع والجهالة في المعقود عليه إذا كانت تفضي إلى المنازعة تمنع صحة العقد كبيع شاة من القطيع وإذا أخذ الشفيع الدار بالشفعة فله أن يردها بخيار الرؤية وبخيار العيب على من أخذها منه وإن كان المشتري قد رآها ويبرأ من عيوبها عند الشراء ; لأن الأخذ بالشفعة بمنزلة الشراء والمشتري لم يكن نائبا عن الشفيع فرؤيته ورضاه بالعيب لا تعتبر في حق الشفيع وإذابنى الشفيع في الدار ثم استحقت من مدة رجع الشفيع بالثمن على من كانت عهدته عليه ولم يرجع بقيمة البناء بخلاف المشتري إذا بنى ثم استحقت الدار ونقض بناؤه فإنه يرجع بقيمة البناء على البائع ; لأن المشتري مغرور فالبائع أوجب له العقد باختياره وضمن له السلامة من عيب الاستحقاق ، فإذا ظهر الاستحقاق كان له أن يرجع على البائع بحكم الغرور ، فأما الشفيع لم يصر مغرورا من جهة أحد ; لأنه أجبر [ ص: 184 ] المأخوذ منه على تسليم الدار إليه ، فلا يصير مغرورا يوضح الفرق أن البائع بإيجاب البيع مسلط للمشتري على البناء والمأخوذ منه بالشفعة غير مسلط للشفيع على شيء بل هو مجبر على تسليمها إليه فلا يرجع بقيمة البناء عليه ، ولكنه يهدم بناءه وينقله إلى حيث أحب

ونظير هذا الفرق من اشترى جارية واستولدها ثم استحقت فالمشتري يرجع بالثمن وبقيمة الولد على البائع للغرور وبمثله الجارية المأسورة إذا وقعت في سهم رجل فأخذها مولاها بالقيمة واستولدها ثم أقام رجل البينة أنها جاريته دبرها قبل أن تؤسر ردت عليه ; لأن المدبرة لا تملك بالإحراز فيضمن الواطئ عقرها وقيمة الولد ; لأنه وطئها بشبهة ثم يرجع على الذي وقع في سهمه بالقيمة التي أعطاها إياها ، ولا يرجع بالعقر ، ولا بقيمة الولد لأنه لم يصر مغرورا من جهته فقد كان من وقعت في سهمه مجبرا على تسليمها إليه بالقيمة والغرور ينعدم بهذا ويعوض الذي كانت وقعت في سهمه قيمتها من بيت المال ; لأن نصيبه من القسمة استحق فيثبت له حق الرجوع على شركائه ويتعذر ذلك عليها لتصرفهم فيعوض له من بيت المال ; لأنه لو تعذر قسمة شيء بين الغانمين ، كالدرة النفيسة يجعل ذلك في بيت المال فكذلك إذا لحقه غرم يجعل ذلك على بيت المال ; لأن الغنم بمقابلة الغرم وإن لم يشهد شهود المدعي بالتدبير لم يكن له على الجارية سبيل ; لأن المشركين ملكوها بالإحراز وقد ملكها من وقعت في سهمه ثم تسليمها بالقيمة إلى المدعي بمنزلة البيع المبتدإ فكأنه اشتراها واستولدها ثم حضر المأسور منه وفي هذا لا سبيل له عليها بخلاف المدبرة فإنها لا تملك بالإحراز لثبوت حق العتق لها بالتدبير والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب .

التالي السابق


الخدمات العلمية