الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
واختلف في فتح خيبر : هل كان عنوة أو كان بعضها صلحا وبعضها عنوة ؟

فروى أبو داود من حديث أنس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر فأصبناها عنوة ، فجمع السبي )

وقال ابن إسحاق : سألت ابن شهاب فأخبرني ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال )

وذكر أبو داود عن ابن شهاب : ( بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر [ ص: 312 ] عنوة بعد القتال ، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال )

قال ابن عبد البر : هذا هو الصحيح في أرض خيبر ، أنها كانت عنوة كلها مغلوبا عليها ، بخلاف فدك ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم جميع أرضها على الغانمين لها الموجفين عليها بالخيل والركاب ، وهم أهل الحديبية ، ولم يختلف العلماء أن أرض خيبر مقسومة ، وإنما اختلفوا : هل تقسم الأرض إذا غنمت البلاد أو توقف ؟

فقال الكوفيون : الإمام مخير بين قسمتها كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرض خيبر ، وبين إيقافها كما فعل عمر بسواد العراق .

وقال الشافعي : تقسم الأرض كلها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ؛ لأن الأرض غنيمة كسائر أموال الكفار .

وذهب مالك إلى إيقافها اتباعا لعمر ؛ لأن الأرض مخصوصة من سائر الغنيمة بما فعل عمر في جماعة من الصحابة من إيقافها لمن يأتي بعده من المسلمين ، وروى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : سمعت عمر يقول : ( لولا أن يترك آخر الناس لا شيء لهم ما افتتح المسلمون قرية إلا قسمتها سهمانا كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر سهمانا )

وهذا يدل على أن أرض خيبر قسمت كلها سهمانا كما قال ابن إسحاق .

وأما من قال : إن خيبر كان بعضها صلحا وبعضها عنوة ، فقد وهم وغلط ، وإنما دخلت عليهم الشبهة بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما في حقن دمائهم ، فلما لم يكن أهل ذينك الحصنين من الرجال والنساء والذرية [ ص: 313 ] مغنومين ، ظن أن ذلك لصلح ، ولعمري إن ذلك في الرجال والنساء والذرية كضرب من الصلح ، ولكنهم لم يتركوا أرضهم إلا بالحصار والقتال ، فكان حكم أرضهما حكم سائر أرض خيبر كلها عنوة غنيمة مقسومة بين أهلها .

وربما شبه على من قال : إن نصف خيبر صلح ، ونصفها عنوة ، بحديث يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قسم خيبر نصفين : نصفا له ونصفا للمسلمين )

قال أبو عمر : ولو صح هذا لكان معناه أن النصف له مع سائر من وقع في ذلك النصف معه ؛ لأنها قسمت على ستة وثلاثين سهما ، فوقع السهم للنبي صلى الله عليه وسلم وطائفة معه في ثمانية عشر سهما ، ووقع سائر الناس في باقيها ، وكلهم ممن شهد الحديبية ثم خيبر ، وليست الحصون التي أسلمها أهلها بعد الحصار والقتال صلحا ، ولو كانت صلحا لملكها أهلها كما يملك أهل الصلح أرضهم وسائر أموالهم ، فالحق في هذا ما قاله ابن إسحاق دون ما قاله موسى بن عقبة وغيره عن ابن شهاب . هذا آخر كلام أبي عمر .

قلت : ذكر مالك عن ابن شهاب أن خيبر كان بعضها عنوة وبعضها صلحا ، والكتيبة أكثرها عنوة ، وفيها صلح . قال مالك : والكتيبة أرض خيبر وهو أربعون ألف عذق .

وقال مالك عن الزهري ، عن ابن المسيب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( افتتح بعض خيبر عنوة )

التالي السابق


الخدمات العلمية