الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 649 ) مسألة : قال : ( وينوي بها المكتوبة ، يعني بالتكبيرة . ولا نعلم خلافا بين الأمة في وجوب النية للصلاة ، [ ص: 278 ] وأن الصلاة لا تنعقد إلا بها ) والأصل فيه قول الله تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } . والإخلاص عمل القلب ، وهو النية ، وإرادة الله وحده دون غيره ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : { إنما الأعمال بالنيات ، ولكل امرئ ما نوى } . ومعنى النية القصد ، ومحلها القلب . وإن لفظ بما نواه ، كان تأكيدا . فإن كانت الصلاة مكتوبة ، لزمته نية الصلاة بعينها ; ظهرا ، أو عصرا ، أو غيرهما ، فيحتاج إلى نية شيئين ; الفعل ، والتعيين .

                                                                                                                                            واختلف أصحابنا في نية الفرضية ; فقال بعضهم : لا يحتاج إليها ، لأن التعيين يغني عنها ; لكون الظهر مثلا لا يكون إلا فرضا من المكلف . وقال ابن حامد : لا بد من نية الفرضية ; لأن المعينة قد تكون نفلا ، كظهر الصبي والمعادة ، فيفتقر إلى ثلاثة أشياء ; الفعل ، والتعيين ، والفرضية . ويحتمل هذا كلام الخرقي ; لقوله : " ينوي بها المكتوبة " أي الواجبة المعينة . والألف واللام هنا للمعهود ، أي أنها المكتوبة الحاضرة .

                                                                                                                                            وقال القاضي : ظاهر كلام الخرقي ، أنه لا يفتقر إلى التعيين ; لأنه إذا نوى المفروضة انصرفت النية إلى الحاضرة . والصحيح أنه لا بد من التعيين ، والألف واللام هنا للمعهود ، كما ذكرنا ، والحضور لا يكفي عن النية ; بدليل أنه لم يغن عن نية المكتوبة ، وقد يكون عليه صلوات ، فلا تتعين إحداهن بدون التعيين . فأما الفائتة ، فإن عينها بقلبه أنها ظهر اليوم ، لم يحتج إلى نية القضاء ، ولا الأداء ، بل لو نواها أداء ، فبان أن وقتها قد خرج وقعت قضاء من غير نية .

                                                                                                                                            ولو ظن أن الوقت قد خرج ، فنواها قضاء ، فبان أنها في وقتها ، وقعت أداء من غير نية ، كالأسير إذا تحرى وصام شهرا ، يريد به شهر رمضان ، فوافقه ، أو ما بعده ، أجزأه . وإن ظن أن عليه ظهرا فائتة ، فقضاها في وقت ظهر اليوم ، ثم تبين أنه لا قضاء عليه ، فهل يجزئه عن ظهر اليوم ؟ يحتمل وجهين : أحدهما ، يجزئه ; لأن الصلاة معينة ، وإنما أخطأ في نية الوقت ، فلم يؤثر ، كما إذا اعتقد أن الوقت قد خرج ، فبان أنه لم يخرج ، أو كما لو نوى ظهر أمس ، وعليه ظهر يوم قبله .

                                                                                                                                            والثاني : لا يجزئه ; لأنه لم ينو عين الصلاة ، فأشبه ما لو نوى قضاء عصر ، لم يجزئه عن الظهر . ولو نوى ظهر اليوم في وقتها ، وعليه فائتة ، لم يجزئه عنها ، ويتخرج فيها كالتي قبلها . فأما إن كانت عليه فوائت ، فنوى صلاة غير معينة ، لم يجزئه عن واحدة منها ; لعدم التعيين . ولو نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها ، لزمه خمس صلوات ; ليعلم أنه أدى الفائتة . ولو نسي صلاة لا يدري أظهر هي أم عصر ، لزمه صلاتان ، فإن صلى واحدة ينوي أنها الفائتة ، لم يجزئه ; لعدم التعيين .

                                                                                                                                            ( 650 ) فصل : فأما النافلة ، فتنقسم إلى معينة ، كصلاة الكسوف ، والاستسقاء ، والتراويح ، والوتر ، والسنن الرواتب ، فيفتقر إلى التعيين أيضا ، وإلى مطلقة ، كصلاة الليل ، فيجزئه نية الصلاة لا غير ; لعدم التعيين فيها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية