الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإن أريد بالجملة مجموع الأمرين: الآحاد والاجتماع، كان الاجتماع جزءا من أجزاء المجموع، فيكون هناك أجزاء متعاقبة، وجزء هو الاجتماع، وهذا الجزء يمتنع أن يكون واجبا بنفسه لأنه مفتقر إلى الممكنات، ولأنه عرض قائم بغيره، وأحسن أحواله أن يكون كالتأليف مع المؤلف، فإذا كان المؤلف ممكنا بنفسه فتأليفه أولى، بل قد يقال: ليس للجملة هنا أمر وجودي مغاير للأفراد المتعاقبة، وإنما لها أمر نسبي اعتباري، كالنسبة التي بين أفراد العشرة، وهذا وغيره مما يبين امتناع وجوبها بنفسها، فيبقى هذا الجزء ممكنا بنفسه فقيرا إلى غيره كسائر الأجزاء، فيكون حينئذ هناك ممكنات كل منها محتاج إلى الموجد، فيحتاج كل منها إلى الموجد، والجملة هنا داخل في قولنا: كل منها، فإنه جزء من هذا الكل. [ ص: 208 ]

فتبين أنه كيفما أدير الأمر ليس في الممكنات المتعاقبة لا واجب بنفسه ولا بغيره، إلا أن يكون هناك واجب بنفسه خارج عن الممكنات إذا كان كل فرد فرد ممكنا، والاجتماع أيضا ممكن بطريق الأولى، والأمران ممكنان بطريق الأولى والأحرى، وكل من الأفراد مستغن عن الهيئة الاجتماعية فإنه موجود بدونها، وما احتاج إلى الممكن المستغنى عنه كان أحق بالإمكان.

وإيضاح ذلك أنه إذا قدر كل موجود معلول مفعول مفتقر، وليس في الوجود إلا ما هو كذلك، كما إذا قدر أن الممكنات ليس لها مقتض واجب بنفسه، فإنه يكون الأمر كذلك، وإن لم يجعل بعضها معلولا لبعض، فهذا التقدير يقتضي أن لا يوجد شيء منها، لأنها لا توجد بأنفسها، إذ التقدير كذلك، وما لم يكن موجودا بنفسه فهو أولى أن لا يوجد غيره، فلا يكون شيء منها موجودا بنفسه ولا موجودا بغيره. ومعلوم أن الموجود إما موجود بنفسه، وإما موجود بغيره، فإذا قدر أنها موجودة، وقدر مع ذلك أنها لا موجودة بأنفسها، ولا بموجد أوجدها لزم الجمع بين النقيضين، ولو قدر تسلسلها، فتسلسلها لا يوجب أن يكون شيء منها موجودا بنفسه، فلا يقتضي أن يكون موجدا لغيره، والمعدوم لا يوجد غيره، فإذا لم يكن فيها ما هو موجود بنفسه لم يكن فيها ما هو [ ص: 209 ] موجد لغيره، وهذا أعظم امتناعا من تقدير أفعال لا فاعل لها، وحوادث لا محدث لها، فإن تلك يكون التقدير فيها أنها وجدت بأنفسها، والتقدير هنا أنها لم توجد بأنفسها، ولا هناك ما هو موجود بنفسه يوجدها، ولا هناك غير موجود يوجدها، وإنما التقدير معلولات مفتقرات، والمعلول من حيث هو معلول، والمفتقر من حيث هو مفتقر ليس فيه ما يقتضي وجوده، وإذا لم يكن لها وجود، ولا لمقتضيها وجود، لزم انتفاء الوجود عنها كلها، وهذا مع كونها موجودة جمع بين النقيضين.

وهذا كلام محقق وتنبيه للإنسان بأن يعلم أن مجرد تقدير معلولات ممكنة لا هي موجودة بنفسها ولا فيها علة موجودة بنفسها لا يقتضي وجود ذلك في الخارج، فليس كل ما قدرته الأذهان أمكن وجوده في الأعيان، لا سيما مع سلب الوجود عنها من نفسها ومن موجد يوجدها، وإذا قدر أن المعلول الممكن له علة ممكنة فهي أيضا معدومة من تلقاء نفسها، كما هي معدوم من تلقاء نفسه، فليس فيما قدر قط شيء موجود، فمن أين يحصل لها الوجود؟

التالي السابق


الخدمات العلمية