الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
وذكر القاضي أبو يعلى في المعتمد في إبطال القول بالعدوى والطيرة في الأمراض وأصحاب العاهات روايتين ذكر رواية إسحاق بن بهلول المذكورة وقال وهذا صريح في إبطال القول بالعدوى ويجب أن تكون الطيرة كذلك ; إذ لا فرق اختارها القاضي ، والثانية إثبات الطيرة .

قال أبو النضر إسماعيل بن ميمون العسكري كتبت إلى أبي عبد الله عن دار أردت شراءها فقال الناس إنها مشئومة فوقع في قلبي من قولهم فكتب إلي : اعلم أني نظرت في حديث الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { الشؤم في ثلاثة الفرس ، والمرأة ، والدار } هكذا قال سفيان وظاهر هذا أنه أخذ بظاهر الحديث في الطيرة ويجب أن تكون العدوى كذلك لأنها أبلغ من الطيرة ، ثم احتج للأول بحديث { لا عدوى ولا طيرة ومن أعدى الأول ؟ } وهو في المسند ، والصحيحين وغيرها من حديث أبي هريرة { ومن أرجعته الطيرة من حاجة فقد أشرك بالله } ولأن هذه الأشياء لا يتصور منها فعل فثبت أنه فعل الله إن شاء فعله مع ملابسة ذي الداء ، والعاهة وإن شاء فعله منفردا عنه واحتج للثانية بقوله { فر من المجذوم } وحديث الطاعون وبقوله { الشؤم في ثلاثة } .

وبما روى أنس { أن رجلا قال يا رسول الله إنا نزلنا دارا كثر فيها عددنا وكثرت فيها أموالنا ، ثم تحولنا عنها إلى أخرى فقلت فيها أموالنا وقل فيها عددنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذروها ذميمة } انتهى كلامه [ ص: 366 ] والخبر الأخير رواه أبو داود في باب الطيرة ثنا الحسن بن يحيى ثنا بشر بن عماد عن عكرمة عن عمار بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس إسناده جيد وفي الموطأ عن يحيى بن سعيد مرسلا معناه .

وقال في النهاية أي : اتركوها مذمومة فعيلة بمعنى مفعولة وإنما أمرهم بالتحول عنها إبطالا لما وقع في نفوسهم من أن المكروه إنما أصابهم بسبب سكنى الدار فإذا تحولوا عنها انقطعت مادة ذلك الوهم وزال ما خامرهم من الشبهة .

وفي معنى الحديث الأخير ما قال أحمد ثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن يحيى بن عبد الله بن بحير أخبرني من سمع فروة بن مسيك المرادي قال { قلت : يا رسول الله إن عندنا أرضا يقال لها أرض أبين هي أرض ريفنا وميرتنا وإنها وبيئة ، أو قال إن بها لوباء شديدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعها عنك فإن من القرف التلف } يحيى تفرد عنه معمر ووثقه ابن حبان ورواه عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن يحيى عن فروة وعبد الله هذا ثقة عندهم وكان عبد الرزاق يكذبه .

وقال أبو زرعة هو أوثق من عبد الرزاق وروى أبو داود في الطب حديث عبد الرزاق ومراده أن هذا من باب الطب فلا معارضة لكنه جعل باب الطيرة في كتاب الطب قال ابن الجوزي القرف مداناة المرض وكل شيء قاربته فقد قارفته وكذا في النهاية : القرف ملابسة الداء ومداناة المرض ، والتلف الهلاك

وليس هذا من باب العدوى وإنما هو من باب الطب فإن استصلاح الهواء من أعون الأشياء على صحة الأبدان ، وفساد الهواء من أسرع الأشياء إلى الأسقام .

وعن أبي هريرة مرفوعا { ما طلع النجم صباحا قط وبقوم عاهة إلا رفعت عنهم أو خفت } رواه أحمد قالوا : المراد بالنجم الثريا وروى أحمد ثنا محمد بن جعفر ثنا عوف عن حبان أبي العلاء ثنا قطن بن قبيصة عن أبيه . [ ص: 367 ]

أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { إن العيافة ، والطرق ، والطيرة من الجبت } قال عوف العيافة زجر الطير ، والطرق الخط يخط في الأرض ، والجبت قال الحسن رنة الشيطان إسناد جيد ولأبي داود ، والنسائي في المسند منه وقيل : الجبت ما عبد من دون الله وقيل : السحر وقيل : الكاهن .

التالي السابق


الخدمات العلمية