الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما إذا أدى غيره زكاته الواجبة من ماله أو نذره الواجب في الذمة أو كفارته من ماله بغير إذنه حيث لا ولاية له عليه فإنه يضمن في المشهور ; لأنه لا يسقط به فرض المالك لفوات النية المعتبرة منه وممن يقوم مقامه ، وخرج الأصحاب نفوذه بالإجازة من نفوذ تصرف الفضولي [ بها ] . وهذا الذي ذكرناه في العبادات كالزكاة والأضحية والنذر إنما هو إذا نواه المخرج عن المالك فأما إن نوى عن نفسه وكان عالما بالحال فهو غاصب محض فلا يصح تصرفه لنفسه بأداء الزكاة ولا بذبح الأضحية والهدي ولا غيرهما ; لأنه وقع من أصله تعديا وذلك ينافي التقرب .

وخرج بعض الأصحاب وجها ذكره بعضهم رواية في الزكاة وخرجه ابن أبي موسى وجها في العتق لكن إذا التزم ضمانه في ماله وهذا شبيه بتصرف الفضولي ، وهل يجزئ عن المالك في هذه الحال أم لا ، حكى [ ص: 223 ] القاضي في الأضحية روايتين والصواب أن الروايتين تتنزل على اختلاف حالتين لا على اختلاف قولين فإن نوى الذابح بالذبح عن نفسه مع علمه بأنها أضحية الغير لم يجزئ لغصبه واستيلائه على مال الغير وإتلافه له عدوانا ، وإن كان يظن الذابح أنها أضحية لاشتباهها عليه أجزأت عن المالك .

وقد نص أحمد على الصورتين في رواية ابن القاسم وسندي مفرقا بينهما مصرحا بالتعليل المذكور وكذلك الخلال فرق بينهما وعقد لهما بابين منفردين فلا يصح التسوية بعد ذلك ، ومتى قيل بعدم الإجزاء فعلى الذابح الضمان لكن هل يضمن أرش الذبح أو كمال القيمة ؟ أما على رواية تحريم ذبيحة الغاصب فضمان القيمة متعين ، وعلى القول بالحل وهو المشهور فقد يقال إن كانت معينة عن واجب في الذمة فحكم هذا الذبح حكم عطبها وإذا عطبت فهل ترجع إلى ملكه على روايتين فإن قيل برجوعها إلى ملكه فعلى الذابح أرش نقص الذبح خاصة وإن قيل لا يرجع إلى ملكه فالذبح حينئذ بمنزلة إتلافها بالكلية فيضمن الجميع ويشتري المالك بالقيمة ما يذبحه عن الواجب عليه ويصرف الكل مصرف الأضحية وإن كانت معينة ابتداء أو تطوعا فقد فوت على المالك التقرب بها . وكونها أضحية أو هديا لكن على وجه لا يلزمه بدلها فيحتمل أن يتصدق بلحمها كالعاطب دون محله ، ويأخذ أرش الذبح من الذابح ويتصدق به ، ويحتمل أن يضمنه قيمتها وهو أظهر ; لأنه فوت عليها التقرب بها على وجه لا يعود إليه منها شيء فهو كإتلافها وأما إذا فرق الأجنبي اللحم فقال الأصحاب لا يجزئ ; لأن أحمد قال في رواية ابن منصور فيما إذا ذبح كل واحد أضحية الآخر يعتقد أنهما يترادان اللحم قالوا وإن تلف فعليه ضمان قيمته وأبدى ابن عقيل في فنونه احتمالا بالإجزاء ; لأن التفرقة ليست واجبة على المالك بدليل ما لو ذبحها فسرقت ، ويشهد له قول أحمد في رواية المروذي وغيره في رجل اشترى لقوم نسكا فاشترى لكل واحد شاة ثم لم يعرف هذه من هذه ، قال : يتراضيان ويتحالان ولا بأس أن يأخذ كل واحد شاة بعد التحليل فدل على أن التفريق إذا وقع من غير قصد ولا تعمد أنه يجزئ ولولا ذلك لم تجز التضحية بهذه الأضحية المشتبهة ، وقد يكون عن واجب في الذمة ويحمل قوله يترادان اللحم مع بقائه .

التالي السابق


الخدمات العلمية