الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      ( الشرح ) هذا الحديث أتى به المصنف مرسلا لأن محمد بن يحيى بن حبان لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهذه القصة لم يذكر في هذه الرواية أنه سمعها من غيره ، وهو تابعي ، فثبت أنه وقع هنا مرسلا وحبان بفتح الحاء بلا خلاف بين أهل العلم من المحدثين وغيرهم وقد تصحفه المتفقهون ونحوهم وهو بالباء الموحدة وهي الغبن والخديعة ، وهذا الحديث قد روي بألفاظ منها حديث ابن عمر قال : { ذكر رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من بايعت فقل : لا خلابة } رواه البخاري ومسلم وعن يونس بن بكير قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني نافع عن ابن عمر قال : { سمعت رجلا من الأنصار يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يزال يغبن في البيع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا بايعت فقل : لا خلابة ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال ، فإن رضيت فأمسك ، وإن سخطت فاردد قال ابن عمر : فكأني الآن أسمعه إذا ابتاع يقول : لا خلابة } ، قال ابن إسحاق : فحدثت بهذا الحديث { محمد بن يحيى بن حبان قال : كان جدي منقذ بن عمرو ، وكان رجلا قد أصيب في رأسه وكسرت لسانه ونقصت عقله وكان يغبن في البيع ، وكان لا يدع التجارة فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إذا ابتعت فقل : لا خلابة ثم أنت في كل [ ص: 225 ] بيع تبتاعه بالخيار ثلاث ليال ، إن رضيت فأمسك ، وإن سخطت فاردد فبقي حتى أدرك زمن عثمان وهو ابن مائة وثلاثين سنة ، فكبر في زمان عثمان فكان إذا اشترى شيئا فرجع به فقالوا له : لم تشتري أنت ؟ فيقول : قد جعلني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ابتعت بالخيار ثلاثا ، فيقولون : أردده فإنك قد غبنت ، أو قال : غششت فيرجع إلى بيعه فيقول : خذ سلعتك وأردد دراهمي ، فيقول : لا أفعل قد رضيت فذهبت حتى يمر به الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعلني بالخيار فيما تبتاع ثلاثا ، فيرد عليه دراهمه ويأخذ سلعته } هذا الحديث حسن رواه البيهقي بهذا اللفظ بإسناد حسن ، وكذلك رواه ابن ماجه بإسناد حسن . وكذا رواه البخاري في تاريخه في ترجمة منقذ بن عمرو بإسناد صحيح إلى محمد بن إسحاق ومحمد بن إسحاق المذكور في إسناده هو صاحب المغازي والأكثرون وثقوه وإنما عابوا عليه التدليس وقد قال في روايته : حدثني نافع ، والمدلس إذا قال : حدثني أو أخبرني أو سمعت ونحوها من الألفاظ المصرحة بالسماع احتج به عند الجماهير ، وهو مذهب البخاري ومسلم وسائر المحدثين ، وجمهور من يعتد به وإنما يتركون من حديث المدلس ما قال فيه : عن ، وقد سبقت هذه المسألة مقررة مرات ، ولكن القطعة التي ذكرها محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان مرسلة ، لأن محمد بن يحيى لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر من سمعها منه ، ولكن مثل هذا المرسل يحتج به الشافعي لأنه يقول : إن المرسل إذا اعتضد بمرسل آخر ، أو بمسند ، أو بقول بعض الصحابة ، أو بفتيا عوام أهل العلم احتج به وهذا المرسل قد وجد فيه ذلك ، لأن الأمة مجمعة على جواز شرط الخيار ثلاثة أيام ، والله أعلم .

                                      ( وأما ) ما وقع في الوسيط وبعض كتب الفقه في هذا الحديث [ ص: 226 ] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " واشترط الخيار ثلاثة أيام " فمنكر لا يعرف بهذا اللفظ في كتب الحديث . واعلم أن أقوى ما يحتج به في ثبوت خيار الشرط الإجماع ، وقد نقلوا فيه الإجماع وهو كاف ، والحديث المذكور يحتج به لكن في دلالته باللفظ الذي ذكرناه نظر والله أعلم .

                                      أما الأحكام ففيها مسائل : ( إحداها ) يصح شرط الخيار في البيع بالإجماع إذا كانت مدته معلومة .

                                      ( الثانية ) لا يجوز عندنا أكثر من ثلاثة أيام للحديث المذكور ، ولأن الحاجة لا تدعو إلى أكثر من ذلك غالبا ، وكان مقتضى الدليل منع شرط الخيار ، لما فيه من العذر ، وإنما جوز للحاجة فيقتصر فيه على ما تدعو إليه الحاجة غالبا ، وهو ثلاثة أيام ، هذا هو المشهور في المذهب وتظاهرت عليه نصوص الشافعي - رحمه الله - ، وقطع به الأصحاب في جميع الطرق ، وفيه وجه أنه يجوز أكثر من ثلاثة أيام إذا كانت مدة معلومة ، وهو قول ابن المنذر ، قاله في الإشراف ، واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم : { المؤمنون على شروطهم } والله أعلم . قال أصحابنا : فإن زاد على ثلاثة أيام ولو لحظة بطل البيع .

                                      ( الثالثة ) يجوز شرط الخيار ثلاثة أيام ويجوز دونها إذا كان معلوما كما ذكره المصنف ، ويجوز لأحدهما ثلاثة وللآخر يومان [ ص: 227 ] أو يوم ، ونحو ذلك ، بحيث يكون معلوما ، وهذا كله لا خلاف فيه ، لكن لو كان المبيع مما يتسارع إليه الفساد فباعه بشرط الخيار ثلاثة أيام فوجهان ، حكاهما صاحب البيان ( أصحهما ) يبطل البيع ( والثاني ) يصح ويباع عند الإشراف على الفساد ، ويقام ثمنه مقامه ، وهذا غلط ظاهر ، قال أصحابنا : ويشترط أن تكون المدة متصلة بالعقد ، فلو شرطا خيار ثلاثة أيام أو دونها من آخر الشهر أو من الغد أو متى شاء أو شرطا خيار الغد دون اليوم بطل العقد لمنافاته لمقتضاه .

                                      ( قال أصحابنا ) : ويشترط كون المدة معلومة ، فإن شرطا الخيار مطلقا ولم يقدراه بشيء أو قدراه بمدة مجهولة كقوله : بعض يوم ، أو إلى أن يجيء زيد أو غير ذلك ، بطل البيع بلا خلاف عندنا ، ولو شرطاه إلى وقت طلوع الشمس من الغد جاز بلا خلاف ، ولو شرطاه إلى طلوعها فقد قال القاضي أبو الطيب في كتابيه التعليق والمجرد : قال أبو عبد الله الزبيري في كتاب الفصول : لا يصح البيع لأن طلوع الشمس قد لا يحصل لحصول غيم في السماء ، قال : فلو قال : إلى غروب الشمس أو إلى وقت الغروب صح لأن الغروب لا يستعمل إلا في سقوط قرص الشمس هذا كلام الزبيري وسكت عليه القاضي أبو الطيب ، وحكاه أيضا عنه المتولي وسكت عليه .

                                      ( فأما ) شرطهما إلى وقت الطلوع وإلى الغروب أو وقت الغروب فيصح باتفاق الأصحاب كما قاله الزبيري ، وأما إذا شرطاه إلى الطلوع فقد خالفه غيره وقال بالصحة لأن الغيم إنما يمنع من إشراق الشمس واتصال الشعاع لا من نفس الطلوع ، وهذا هو الصحيح والله أعلم .

                                      ( أما ) إذا تبايعا نهارا بشرط الخيار إلى الليل أو ليلا بشرط الخيار إلى النهار ، فيصح البيع بلا خلاف ولا يدخل الزمن الآخر في الشرط بلا خلاف عندنا ، وحكى القاضي أبو الطيب في تعليقه عن أبي حنيفة أنه [ ص: 228 ] قال : يدخل ، لأن لفظة ( إلى ) قد تستعمل بمعنى ( مع ) كقوله تعالى : { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } دليلنا أن أصل ( إلى ) الغاية فهذا حقيقتها ، فلا تحمل على غيره عند الإطلاق ، وأما استعمالها بمعنى ( مع ) في بعض المواطن ففيه جوابان ( أحدهما ) أنها مؤولة ، ففي الآية المذكورة تقديره " مضافة إلى أموالكم " ( والثاني ) أنها استعملت بمعنى ( مع ) مجازا فلا يصير إلى المجاز في غيرها بغير قرينة ، ولأنهم وافقونا على أنه لو باع بثمن مؤجل إلى رمضان لا يدخل رمضان في الأجل والله أعلم .

                                      ( الرابعة ) إذا شرطا الخيار ثلاثة أيام أو غيرها ثم أسقطاه قبل انقضاء المدة سقط ، لما ذكره المصنف ، وكذا لو أسقط أحدهما خياره سقط وبقي خيار الآخر . ولو أسقطا اليوم الأول سقط الجميع ، ولو أسقطا الثالث لم يسقط ما قبله ، قال القاضي حسين والبغوي والمتولي : فلو قال : أسقطت الخيار في اليوم الثاني بشرط أنه يبقى في الثالث سقط خياره في اليومين جميعا ، لأنه كما لا يجوز أن يشترط خيارا متراخيا عن العقد ، لا يجوز أن يستبقي خيارا متراخيا ، وإنما يجوز أن يستبقي اليومين تغليبا للإسقاط ، لأن الأصل لزوم العقد وإنما جوزنا الشرط لأنه رخصة ، فإذا عرض له ذلك حكم بلزوم العقد ، والله أعلم .

                                      ( الخامسة ) فيما يثبت فيه خيار الشرط من العقود ، قال أصحابنا : جملة القول فيه أنه مع خيار المجلس متلازمان غالبا ، لكن خيار المجلس أسرع وأولى ثبوتا من خيار الشرط ، فقد ينفكان لهذا ، فإذا أردت التفصيل فراجع ما سبق في خيار المجلس ، وهما متفقان في صور الوفاق والخلاف إلا في أشياء : ( أحدها ) أن البيوع التي يشترط فيها التقابض في المجلس كالصرف [ ص: 229 ] وبيع الطعام بالطعام أو القبض في أحد العوضين كالسلم لا يجوز شرط الخيار فيها بلا خلاف ، مع أن خيار المجلس يثبت فيها ، ودليل المسألة مذكور في الكتاب ، وقد أهمل المصنف ذكر السلم هنا ، ولكنه ذكره في كتاب السلم .

                                      ( الثاني ) أن خيار الشرط لا يثبت في الشفعة بلا خلاف وكذا لا يثبت في الحوالة ، وفي خيار المجلس فيهما خلاف سبق .

                                      ( الثالث ) أنه إذا كان رجع في سلعة باعها ثم حجر على المشتري بالفلس لا يثبت فيها خيار الشرط بلا خلاف ، وفي خيار المجلس خلاف ضعيف سبق .

                                      ( الرابع ) في الهبة بشرط ، وفي الإجارة طريق قاطع بأنه لا يثبت خيار الشرط مع جريان الخلاف في ثبوته في خيار المجلس .

                                      ( وأما ) شرط الخيار في الصداق فسيأتي في كتاب الصداق إن شاء الله تعالى إيضاحه وتفصيله ، ومختصره أن الأصح صحة النكاح ، وفساد المسمى ، ووجوب مهر المثل ، وأنه لا يثبت الخيار ، والله تعالى أعلم .

                                      [ ص: 233 ]

                                      التالي السابق


                                      ( فرع ) قال جماعة من أصحابنا : قد اشتهر في الشرع أن قوله : لا خلابة عبارة عن اشتراط الخيار ثلاثة أيام ، فإذا أطلق المتعاقدان هذه اللفظة وهما عالمان بمعناها كان كالتصريح بالاشتراط ، وإن كانا جاهلين لم يثبت الخيار قطعا ، فإن علمه البائع دون المشتري فوجهان مشهوران حكاهما المتولي وابن القطان وآخرون ( أصحهما ) لا يثبت ( والوجه الثاني ) يثبت ، وهذا شاذ ضعيف ، بل غلط ، لأن معظم الناس لا يعرفون ذلك والمشتري غير عارف به .



                                      [ ص: 230 ] فرع ) لو اشترى شيئا بشرط أنه إن لم ينقده الثمن في ثلاثة أيام ، فلا بيع بينهما ، أو باع بشرط أنه إن رد الثمن في ثلاثة أيام فلا بيع بينهما ، فوجهان حكاهما المتولي وغيره ( أحدهما ) يصح العقد ، ويكون تقرير الصورة الأولى أن المشتري شرط الخيار لنفسه فقط ، وفي الثانية أن البائع شرطه لنفسه فقط ، وهذا قول أبي إسحاق قال : لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أجاز ذلك ( والثاني ) وهو الصحيح باتفاقهم ، وبه قطع الروياني وغيره ، أن البيع باطل في الصورتين ، لأن هذا ليس بشرط خيار ، بل هو شرط فاسد مفسد للبيع ، لأنه شرط في العقد شرطا مطلقا ، فأشبه ما لو باع بشرط أنه إن قدم زيد القوم فلا بيع بينهما .



                                      ( فرع ) قال أصحابنا : لو باع عبدين بشرط الخيار في أحدهما لا بعينه بطل البيع بلا خلاف ، كما لو باع أحدهما لا بعينه ولو باع بشرط الخيار في أحدهما بعينه ففيه القولان المشهوران في الجمع بين مختلفي الحكم ، وكذا لو شرط الخيار في أحدهما يوما وفي الآخر يومين ( والأصح ) صحة البيع ، فإن صححنا البيع ثبت الخيار فيما شرط على ما شرط ، ولو شرطا الخيار فيهما ثم أرادا الفسخ في أحدهما فعلى قولي تفريق الصفقة في الرد بالعيب ( الأصح ) لا يجوز ولو اشترى اثنان شيئا من واحد صفقة واحدة بشرط الخيار فلأحدهما الفسخ في نصيبه ، كما في الرد بالعيب ، ولو شرطا الخيار لأحدهما دون الآخر ففي صحة البيع قولان ( الأصح ) الصحة ، والله أعلم .



                                      ( فرع ) قال المتولي وغيره : إذا قال : بعتك بشرط خيار يوم ، اقتضى إطلاقه اليوم الذي وقع فيه العقد ، كما لو حلف لا يكلمه شهرا ، فإن كان العقد نصف النهار مثلا ثبت له الخيار إلى أن ينتصف النهار في اليوم الثاني ، ويدخل الليل في حكم الخيار للضرورة ، وإن كان العقد في أول وقت العصر ، ثبت إلى مثله من اليوم الثاني ، وإن كان العقد في الليل ثبت الخيار إلى غروب الشمس من اليوم المتصل بذلك الليل .



                                      [ ص: 231 ] فرع ) إذا شرطا في البيع خيارا أكثر من ثلاثة أيام ، فقد ذكرنا أن البيع باطل فلو أسقطا الزيادة بعد مفارقة المجلس ، وقبل انقضاء الثلاثة ، لا ينقلب العقد صحيحا عندنا بلا خلاف وكذا لو باع بثمن إلى أجل مجهول ثم قدر الأجل قبل أن يتوهم دخول وقت المطالبة ، لا ينقلب العقد صحيحا ، ولا خلاف في الصورتين عندنا ، وقال أبو حنيفة : يصح العقد في الصورتين قال المتولي : واختلف أصحاب أبي حنيفة في أصل العقد فمنهم من يقول : وقع العقد فاسدا ، وبإسقاط الزيادة والجهالة يعود صحيحا ، ومنهم من قال : وقع صحيحا ، وإذا لم تسقط الزيادة فسد ، ومنهم من قال : هو موقوف ، دليلنا أن ما وقع على وجه - لا يثبت دائما - لم يعد صحيحا ، كما لو نكح امرأة وعنده أربع ، ثم طلق إحداهن ، لا يحكم بصحة نكاح الخامسة .

                                      ( أما ) إذا أسقطا الزيادة على ثلاثة أيام في مجلس العقد ، فوجهان حكاهما المتولي وآخرون هنا ، وهما مشهوران جاريان في كل شرط فاسد قارن العقد ثم حذف في المجلس ( أحدهما ) وبه قال صاحب التقريب : يصح العقد لأن حكم المجلس حكم حالة العقد ، ولأن الشافعي - رحمه الله - قال لو لم يذكرا في السلم أجلا ثم ذكراه قبل التفرق جاز ( والثاني ) وهو الصحيح باتفاق الأصحاب أن العقد باطل ، ولا يعود صحيحا بذلك لأن المجلس إنما ثبت لعقد صحيح لا لفاسد ( وأما ) السلم ففرعه الشافعي على الصحيح من القولين وهو صحة السلم مطلقا ، ويكون حالا ، والله أعلم .



                                      ( فرع ) لو تبايعا بغير إثبات خيار الشرط ، ثم شرطا في المجلس خيارا أو أجلا ففيه الخلاف المشهور ( الأصح ) ثبوته ، ويكون كالشرط في العقد ، وسنوضح المسألة مبسوطة في باب ما يفسد البيع من الشروط إن شاء الله تعالى .



                                      [ ص: 232 ] فرع ) اتفق أصحابنا على أن الوكيل بالبيع لا يجوز أن يشترط الخيار للمشتري . وأن الوكيل في الشراء لا يجوز أن يشترط الخيار للبائع من غير إذن الموكل ، كما لو باع بثمن مؤجل من غير إذن ، وقد ذكر المصنف المسألة في كتاب الوكالة ، قال المصنف والأصحاب : وهل يجوز أن يشترط الخيار لنفسه أو لموكله ؟ فيه وجهان مشهوران ( أحدهما ) لا يجوز ، لأن إطلاق البيع يقتضي البيع بلا شرط ، فلا يجوز الشرط من غير إذن ، فعلى هذا لو شرطه كان العقد باطلا ( وأصحهما ) يصح ، وبه قطع جماعة منهم القاضي حسين والفوراني هنا ، والمتولي في كتاب الوكالة ، لأنه لا ضرر على الموكل في هذا ، ولأنه مأمور بالمصلحة ، وهذا منها ، قال أصحابنا : وإذا شرط الخيار لنفسه وجوزناه على الأصح أو أذن فيه الموكل ، ثبت له الخيار ، ولا يفعل إلا ما فيه المصلحة من الفسخ والإجازة ، لأنه مؤتمن . بخلاف ما سنذكره إن شاء الله تعالى قريبا - إذا شرط الخيار لأجنبي وصححناه - فإنه لا يلزمه رعاية الحظ ، لأنه ليس بمؤتمن ، هكذا ذكره الأصحاب . قال الرافعي : ولقائل أن يقول : جعل الخيار له استئمانا قال : وهذا المعنى أظهر - إذا جعلناه نائبا عن العاقد - ثم هل يثبت للموكل الخيار مع الوكيل في هذه الصورة ؟ فيه الخلاف الذي سنذكره إن شاء الله تعالى فيما إذا شرط الخيار لأجنبي ، وقلنا : يثبت له ، هل يثبت للشارط ؟ فيه وجهان أو قولان ( أصحهما ) لا يثبت . وهو ظاهر النص ، لأن ثبوته بالشرط فكان لمن شرطه خاصة ، أما إذا أذن له الموكل في شرط الخيار وأطلق ، فشرط الوكيل الخيار مطلقا ، ولم يقل : لي ولا لموكلي ، فقد ذكر إمام الحرمين والغزالي فيه ثلاثة أوجه ( أحدها ) يثبت الخيار للوكيل ، لأنه العاقد ( والثاني ) للموكل ، لأنه المالك ( والثالث ) لهما ، والأصح للوكيل لأن معظم أحكام العقد متعلقة به وحده ، والله أعلم .



                                      [ ص: 233 ] فرع ) إذا مضت مدة الخيار من غير فسخ ولا إجازة تم البيع ولزم بلا خلاف عندنا . وقال مالك : لا يلزم بمضي المدة ، كما لا يلزم المولى حكم الإيلاء بمجرد مضي المدة ، دليلنا أن الخيار يمنع لزوم العقد ، فإذا انقضت مدته لزم بخلاف الإيلاء .




                                      الخدمات العلمية