الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : فإن أوصى بعتق عشرة أعبد من هؤلاء الخمسين ، فمات أربعون منهم وبقي عشرة ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : إن حملهم الثلث عتقوا . قال : وقال لي مالك : إنما تصير الوصية لمن بقي منهم على حال ما وصفت لك . ولو هلكوا كلهم إلا خمسة عشر عتق ثلثاهم ، ولو هلكوا كلهم إلا عشرين منهم عتق نصفهم في ثلث الميت .

                                                                                                                                                                                      قال مالك : وكذلك يوصي بعشرة من إبله في سبيل الله ، وله إبل كثيرة ، فذهب بعضها وبقي بعضها . فإنه بحال ما وصفت لك يقسم بالسهام على ما وصفت لك ، وكذلك الرقيق إذا أوصى بها الرجل ثم هلك بعضها ، كانت بحال ما وصفت لك عند مالك ، يقسم بالسهام ولو لم يبق منها إلا مقدار الوصية ، وكان الثلث يحملها كان ذلك للموصى له عند مالك . وأما مسألتك ، فإذا ماتوا كلهم فقد بطلت وصيته ، لأن مالكا قال : من أوصي له بعبد فمات العبد فلا حق له في مال الميت . وقال غيره : لأن المال إنما ينظر إليه يوم ينظر في الثلث ، فما مات أو تلف قبل ذلك ، [ ص: 322 ] فكأن الميت لم يتركه وكأنه لم يكن أوصى فيه بشيء ; لأنه لا يقوم لميت ولا يقوم على ميت ، قال ذلك ابن عباس . ذكره سحنون عن ابن نافع عن عمرو بن قيس عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                      ابن وهب عن عبد الجبار عن ربيعة أنه قال في الرجل يوصي للرجل بالشيء بعينه فيما يوصي من ثلثه فيهلك ذلك الشيء . قال : ليس للذي أوصي له به أن يحاص أهل الثلث بشيء ، وقد سقط حقه . ابن وهب عن رجال من أهل العلم ، منهم مالك بن أنس وأنس بن عياض وابن أبي ذئب وعمرو بن الحارث { أن رجلا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أعتق أعبدا له ستة عند موته ولم يكن له مال غيرهم ، فأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق ثلث تلك الرقيق } . ابن وهب عن جرير بن حازم والحارث بن أيوب بن أبي تميمة عن محمد بن سيرين وأبي قلابة الجرمي عن عمران بن الحصين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله . الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد قال : أدركت مولى لسعد بن بكر يدعى دهورا ، أعتق ثلث رقيق له هم قريب من العشرين ، فرفع أمرهم إلى أبان بن عثمان فقسمهم أثلاثا ، ثم أقرع بينهم فأخرج ثلثهم فأعتقهم .

                                                                                                                                                                                      ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد قال : كان لرجل غلامان فأعتق أحدهما عند موته فلم يدر أيهما هو ، فأسهم عثمان بن عفان بينهما فصار السهم لأحدهما وغشي على الآخر . رجال من أهل العلم منهم مالك ويونس بن يزيد عن ابن شهاب حدثهم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه أخبره عن أبيه { سعد أنه قال : جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع يعودني من وجع اشتد بي قال : يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي . أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال : لا . قلت : فالشطر يا رسول الله ؟ قال : لا . قلت : فالثلث ؟ قال : الثلث والثلث كثير ، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله ، إلا أجرت فيها ، حتى ما تجعل في في امرأتك . قال : قلت يا رسول الله ، أأخلف بعد أصحابي ؟ قال : إنك لن تخلف فتعمل عملا صالحا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة ، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون . اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم . لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة } .

                                                                                                                                                                                      قال يونس قال ابن شهاب : فكان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة في الثلث لكل موص بعده . موسى بن علي بن زياد عن أبيه عن علي بن رباح { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد سعدا في مرضه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوص . فقال : مالي كله لله . قال : ليس لك ولا لي . قال : فثلثاه . قال : لا . قال : فنصفه . قال : لا . قال : لا تخيبن وارثك . قال : فثلثه . [ ص: 323 ] قال : الثلث والثلث كثير . قال : ثم دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اللهم أذهب عنه الباس رب الناس إله الناس ملك الناس أنت الشافي لا شافي إلا أنت ، أرقيك من كل شيء يأتيك من حسد وعين ، اللهم أصح قلبه وجسمه واكشف سقمه وأجب دعوته } .

                                                                                                                                                                                      قال سعد : فسألني أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما من بعده عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوصية فحدثتهما بذلك ، فحملا الناس عليه في الوصية . ابن وهب قال : وسمعت طلحة بن عمرو المكي يقول : سمعت عطاء بن أبي رباح يقول : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن الله أعطاكم ثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في أعمالكم } . مسلمة بن علي عن زيد بن واقد عن مكحول قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن الله أعطاكم اثنتين لم تكونا لكم : صلاة المؤمنين بعد موتكم وثلث أموالكم زيادة في أعمالكم عند موتكم } . ابن وهب عن رجال من أهل العلم منهم عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو ويونس بن يزيد وغيرهم ، أن نافعا حدثهم عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب سئل عن الوصية ؟ فقال عمر : الثلث وسط من المال لا بخس ولا شطط .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية