الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          537 - مسألة : فإن ضاق المسجد أو امتلأت الرحاب واتصلت الصفوف صليت الجمعة وغيرها في الدور ، والبيوت ، والدكاكين المتصلة بالصفوف ، وعلى ظهر المسجد ، بحيث يكون مسامتا لما خلف الإمام ، لا للإمام ولا لما أمام الإمام أصلا ومن حال بينه وبين الإمام والصفوف نهر عظيم أو صغير أو خندق أو حائط لم يضره شيء ، وصلى الجمعة بصلاة الإمام ؟ - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد هو ابن سلام - ثنا عبدة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة أم المؤمنين قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل في حجرته ، وجدار الحجرة قصير ، فرأى الناس شخص النبي صلى الله عليه وسلم فقام أناس يصلون بصلاته } وذكر باقي الحديث .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : حكم الإمامة سواء في الجمعة وغيرها ، والنافلة والفريضة ، لأنه لم يأت قرآن ولا سنة بالفرق بين أحوال الإمامة في ذلك ، ولا جاء نص بالمنع من الائتمام بالإمام إذا اتصلت الصفوف ، فلا يجوز المنع من ذلك بالرأي الفاسد ؟ وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم { جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فحيثما أدركتك الصلاة فصل }

                                                                                                                                                                                          فلا يحل أن يمنع أحد من الصلاة في موضع إلا موضعا جاء النص بالمنع من الصلاة فيه ، فيكون مستثنى من هذه الجملة .

                                                                                                                                                                                          روينا عن القاسم بن محمد عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها : أنها كانت تصلي في بيتها بصلاة الإمام وهو في المسجد ؟ [ ص: 287 ] وقد جاء ذلك مبينا في صلاة الكسوف ، إذ صلت في بيتها بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالناس ؟ ومن طريق حماد بن سلمة أخبرني جبلة بن أبي سليمان الشقري قال : رأيت أنس بن مالك يصلي في دار أبي عبد الله في الباب الصغير الذي يشرف على المسجد يرى ركوعهم وسجودهم ؟ وعن المعتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي مجلز قال : تصلي المرأة بصلاة الإمام وإن كان بينهما طريق أو جدار بعد أن تسمع التكبير .

                                                                                                                                                                                          وعن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه : أنه جاء يوم الجمعة إلى المسجد وقد امتلأ فدخل دار حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، والطريق بينه وبين المسجد ، فصلى معهم وهو يرى ركوعهم وسجودهم .

                                                                                                                                                                                          وعن النضر بن أنس أنه صلى في بيت الخياط يوم الجمعة في الرحبة التي تباع فيها القباب .

                                                                                                                                                                                          وعن حماد بن سلمة عن ثابت البناني قال : جئت أنا والحسن البصري يوم الجمعة والناس على الجدر والكنف ، فقلت له : أبا سعيد ، أترجو لهؤلاء ؟ قال : أرجو أن يكونوا في الأجر سواء ؟ وقال مالك : لا تصلى الجمعة خاصة في مكان محجور بصلاة الإمام في المسجد ، وأما سائر صلوات الفرض فلا بأس بذلك فيها .

                                                                                                                                                                                          وهذا لا نعلمه عن أحد من الصحابة ، ولا يعضد هذا القول قرآن ، ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ، ولا قياس ، ولا رأي سديد وقال أبو حنيفة : إن كان بين الإمام والمأموم نهر صغير أجزأته صلاته ، فإن كان كبيرا لم تجزه .

                                                                                                                                                                                          وهذا كلام ساقط ، لا يعضده قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ، ولا قول صاحب ، [ ص: 288 ] ولا رأي سديد ؟ وحد النهر الكبير بما يمكن أن تجري فيه السفن

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : ليت شعري أي السفن ؟ وفي السفن ما يحمل ألف وسق ، وفيها زويرق صغير يحمل ثلاثة أو أربعة فقط .

                                                                                                                                                                                          وروينا عن عمر بن الخطاب أنه قال : من صلى بصلاة الإمام وبينهما طريق أو جدر أو نهر فلا يأتم به - فلم يفرق بين نهر صغير وكبير

                                                                                                                                                                                          وروينا من طريق شعبة : ثنا قتادة قال : قال لي زرارة بن أوفى سمعت أبا هريرة يقول : لا جمعة لمن صلى في الرحبة - وبه يقول زرارة .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : لو كان تقليدا لكان هذا - لصحة إسناده - أولى من تقليد مالك ، وأبي حنيفة ، وعن عقبة بن صهبان عن أبي بكرة : أنه رأى قوما يصلون في رحبة المسجد يوم الجمعة ، فقال : لا جمعة لهم ، قلت : لم ؟ قال : لأنهم يقدرون على أن يدخلوا فلا يفعلون .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : هذا كما قال لمن قدر على أن يصل الصف فلم يفعل

                                                                                                                                                                                          وإن العجب كله ممن يجيز الصلاة حيث صح نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيه كالمقبرة ، ومعطن الإبل ، والحمام ، ثم يمنع منها حيث لا نص في المنع منها ، كالموضع المحجور ، أو بينها نهر كبير وكل هذا كما ترى وبالله تعالى التوفيق

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية