الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر ما وصفنا لم يخل حالهما في عقد الخلع من أحد قسمين : إما أن يتفقا في لفظ الخلع وإما أن يختلفا .

                                                                                                                                            فأما القسم الأول وهو أن يتفقا في لفظ الخلع فعلى ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن تسأله بصريح الطلاق فيجيبها بمثله مثل أن تقول له : طلقني ثلاثا بألف ، فيقول لها : قد فارقتك .

                                                                                                                                            أو تقول له : سرحني بألف ، فيقول لها : قد سرحتك فقد تم الخلع بطلبها وإيجابه ، ولا يسأل واحد منهما عن مراده .

                                                                                                                                            وهكذا لو قالت له : طلقني ، فقال لها : قد فارقتك ، أو قالت له سرحني : فقال لها : قد طلقتك ، لأن جميع هذه الألفاظ صريحة يقوم كل واحد منها مقام الآخر فكان مماثلا في حكمه وإن خالفه في لفظه .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن تسأله بكناية الطلاق فيجيبها بمثله مثل أن تقول له أبني بألف أو أبني أو ابرأ مني أو حرمني أو أبعدني فيقول لها : قد أبنتك أو بنتك أو بارأتك أو حرمتك أو أبعدتك . [ ص: 33 ] وبأي هذه الألفاظ أجابها عن أي لفظة منها سألت بها كان مجيبا بمثلها في الحكم ، وإن خالفها في اللفظ ، لأن جميع ألفاظ الكناية مماثلة في الحكم ، وإن كانت مختلفة في اللفظ ، وإذا كان كذلك فألفاظ الكناية لا يقع بها الطلاق إلا مع النية فإن تجردت عن النية لم يقع بها طلاق ولم يكن لها حكم ، فيسأل الزوجان عن نيتهما فإنه لا يخلو حالهما فيه من أربعة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن تريد الزوجة بسؤالها ويريد الزوج بإجابته الطلاق فيقع الطلاق ، ويتم الخلع ، وتقوم الكناية مع النية مقام الصريح في الطلب والإيجاب .

                                                                                                                                            والحال الثانية : ألا يريد واحد منهما الطلاق فلا طلاق ولا خلع لا حكم للفظ الجاري بينهما في فرقة ولا عوض .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن تريد الزوجة الطلاق ولا يريده الزوج فلا طلاق وقد سألته ما لم يجبها إليه ، ولا يلزمها ما بذلت من العوض ، لأنه لم يحصل لها ما سألت من الطلاق ، فإن أكذبته وادعت إرادة الطلاق أحلفته ، ولا طلاق عليه ولا شيء عليها .

                                                                                                                                            والحال الرابعة : أن يريد الزوج الطلاق ولا تريده الزوجة فيقال للزوج : هل علمت حين أردت الطلاق أن الزوجة لم ترد الطلاق ، فإن قال : نعم ، وقع طلاقه رجعيا ولا عوض له عليها ، وكأنه طلقها من غير طلبها ، وإن قال : ظننت أنها أرادت الطلاق ولم أعلم أنها لم ترده .

                                                                                                                                            قيل له : أفتصدقها على أنها لم ترد الطلاق فإن صدقها لم يقع طلاقه ، لأنه طلق على شرط عوض لم يحصل فإذا لم يؤخذ الشرط لم يقع الطلاق ، وإن أكذبها وقال : بل أردت الطلاق وقع طلاقه بائنا لاعترافه بوقوعه ، وله إحلافها أنها لم ترد الطلاق ، فإذا حلفت فلا شيء عليها ، فإن نكلت ردت اليمين عليه ، فإذا حلف كان له عليها الألف التي صرحت بذكرها ، وحلف الزوج عليها .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن تسأله بلفظ الخلع فيجيبها بمثله مثل أن تقول : اخلعني بألف ، فقال : قد خالعتك أو تقول له : فادني بألف فيقول لها : قد فاديتك أو تقول له : اخلعني فيقول : قد خلعتك فكل ذلك سواء ، لأن لفظ الخلع والمفاداة صريحان متساويان في الحكم ، أما المفاداة فلورود القرآن بها وأما الخلع فلمعهود اللغة فيه .

                                                                                                                                            وهذا القسم إنما يتميز عن القسمين الأولين إذا قيل إن لفظ الخلع والمفاداة فسخ ، ولو قيل : إنه طلاق أو كناية لدخل فيهما ولم يتميز عنهما ، وإذا كان كذلك فقد تم الخلع [ ص: 34 ] بينهما بلفظ الخلع ، ووقع به فسخ النكاح من غير أن ينقض به عدد الطلاق واستحق عليها الألف التي بذلها فلو كان حين سألته الخلع أجابها بالفسخ مثل أن تقول له : اخلعني بألف ، فقال لها : قد فسخت نكاحك ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لا يصح ، لأنه ليس له أن يفسخ نكاحها إلا بعيب .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يصح ذلك منهما ، ويكون فسخا يقوم مقام الخلع ، لأنه لما صح منه الخلع وكان فسخا أولى أن يصح منه بصريح الفسخ ، ويكون خلعا ، وهكذا لو قالت : افسخ نكاحي بألف ، فقال : قد فسخته ، كان على هذين الوجهين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية