الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في ضبط صحيح الشروط في البيع وفاسدها

                                                                                                                                                                        قال الأصحاب : الشرط ضربان : ما يقتضيه مطلق العقد ، وما لا يقتضيه . فالأول : كالإقباض والانتفاع ، والرد بالعيب ونحوها ، فلا يضر التعرض لها ولا ينفع . والثاني : قسمان : ما يتعلق بمصلحة العقد ، وما لا يتعلق . فالأول : قد يتعلق بالثمن ، كشرط الرهن والكفيل ، وقد يتعلق بالمثمن ، كشرط أن يكون [ ص: 406 ] العبد خياطا ، أو كاتبا ، وقد يتعلق بهما ، كشرط الخيار . فهذه الشروط لا تفسد العقد ، وتصح في أنفسها . والقسم الثاني : نوعان . ما لا يتعلق به غرض يورث تنازعا ، وما يتعلق .

                                                                                                                                                                        فالأول : كشرط أن لا يأكل إلا الهريسة ، ولا يلبس إلا الخز ، ونحو ذلك ، فهذا لا يفسد العقد ، بل يلغو ، هكذا قطع به الإمام ، والغزالي . وقال صاحب " التتمة " : لو شرط التزام ما ليس بلازم ، بأن باع بشرط أن يصلي النوافل ، أو يصوم شهرا غير رمضان ، أو يصلي الفرائض في أول أوقاتها ، فالبيع باطل ؛ لأنه ألزم ما ليس بلازم . ومقتضى هذا فساد العقد في مسألة الهريسة . والثاني : كشرطه أن لا يقبض ما اشتراه ، أو لا يتصرف فيه بالبيع والوطء ونحوهما ، وكشرط بيع آخر ، أو قرض ، وكشرط أن لا خسارة عليه في ثمنه إن باعه فنقص ، فهذه الشروط وأشباهها فاسدة تفسد البيع ، إلا الإعتاق على ما سبق .

                                                                                                                                                                        فرع :

                                                                                                                                                                        لا يجوز بيع الحمل ، لا من مالك الأم ، ولا من غيره . ولو باع حاملا بيعا مطلقا ، دخل الحمل في البيع . ولو باعها واستثنى حملها ، لم يصح البيع على المذهب ، وبه قطع الجمهور ، وحكى الإمام فيه وجهين . ولو كانت الأم لإنسان ، والحمل لآخر ، فباع الأم لمالك الحمل أو لغيره ، أو باع جارية حاملا بحر ، فالمذهب : أن البيع باطل ، وبه قطع الأكثرون . وقيل : يصح ، واختاره الإمام ، والغزالي . ولو باع جارية ، أو دابة بشرط أنها حامل ، فقولان . وقيل : وجهان . أظهرهما : يصح البيع . والثاني : لا يصح . وقيل : يصح في الجارية قطعا ، وهما مبنيان على أن الحمل يعلم ، أم لا . إن قلنا : لا ، لم يصح ، وإلا ، [ ص: 407 ] صح . ولو قال : بعتك هذه الدابة وحملها ، أو هذه الشاة وما في ضرعها من اللبن ، لم يصح على الأصح . وبه قال ابن الحداد ، والشيخ أبو علي ؛ لأنه جعل المجهول مبيعا مع المعلوم ، بخلاف البيع بشرط أنها حامل ، فإنه وصف تابع . وقال أبو زيد : يصح ؛ لأنه يدخل عند الإطلاق ، فلا يضر ذكره كأساس الدار . ولو قال : بعتك الجبة بحشوها ، فقيل : هو على الخلاف . وقيل : يصح قطعا ؛ لأن الحشو داخل في مسمى الجبة ، فذكره تأكيد للفظ الجبة ، بخلاف الحمل ، فإذا قلنا بالبطلان في هذه الصور ، قال الشيخ أبو علي : في صورة الجبة في صحة البيع في الظهارة والبطانة قولا تفريق الصفقة ، وفي صورة الدابة يبطل البيع في الجميع ؛ لأن الحشو يمكن معرفة قيمته . قال الإمام : هذا حسن . ولو باع حاملا وشرط وضعها لرأس الشهر ونحوه ، لم يصح البيع قطعا ، وبيض الطير كحمل الدابة والجارية في جميع ذلك . ولو باع شاة بشرط أنها لبون ، فطريقان . أصحهما : أنه على الخلاف في البيع بشرط الحمل ، لكن الصحة هنا أقوى . والطريق الثاني : يصح قطعا ؛ لأن هذا شرط صفة فيها لا يقتضي وجود اللبن فيها حالة العقد ، فهو كشرط الكتابة في العبد . فلو شرط كون اللبن في الضرع ، كان كشرط الحمل قطعا . ولو شرط كونها تدر كل يوم كذا رطلا من اللبن ، بطل البيع قطعا ؛ لأن ذلك لا ينضبط ، فصار كما لو شرط في العبد أن يكتب كل يوم عشر ورقات . ولو باع لبونا ، واستثنى لبنها ، لم يصح العقد على الصحيح ، كاستثناء حمل الجارية ، والكسب في بيع السمسم ، والحب في بيع القطن .

                                                                                                                                                                        فرع :

                                                                                                                                                                        ومن الشروط الصحيحة باتفاق ، أو على خلاف ، مسائل نشير إلى بعضها مختصرة .

                                                                                                                                                                        [ ص: 408 ] منها البيع بشرط البراءة من العيوب .

                                                                                                                                                                        ومنها : بيع الثمار بشرط القطع وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        ومنها : لو باع مكيلا أو موزونا أو مذروعا ، بشرط أن يكال بمكيال معين ، أو بوزن [ معين ] ، أو بذرع معين ، أو شرط ذلك في الثمن ، ففيه خلاف نشرحه في باب السلم إن شاء الله تعالى . وفي معناه ، تعيين رجل يتولى الكيل أو الوزن .

                                                                                                                                                                        ومنها : لو باع دارا واستثنى لنفسه سكناها ، أو دابة استثنى ظهرها ، إن لم يبين المدة ، لم يصح البيع قطعا ، وإن بينها ، لم يصح أيضا على الأصح .

                                                                                                                                                                        ومنها : لو باع بشرط أن لا يسلم المبيع حتى يستوفي الثمن ، فإن كان مؤجلا ، بطل العقد . وإن كان حالا ، بني على أن البداءة بالتسليم بمن ؟ فإن جعلنا ذلك [ من ] مقتضى العقد ، لم يضر ذكره ، وإلا ، فيفسد العقد .

                                                                                                                                                                        ومنها : لو قال : بعتك [ هذه ] الصبرة كل صاع بدرهم على أن أزيدك صاعا ، فإن أراد هبة صاع أو بيعه من موضع آخر ، فالعقد باطل ؛ لأنه شرط عقد في عقد . وإن أراد أنها إن خرجت عشرة [ آصع ] أخذت تسعة دراهم ، فإن كانت الصيعان مجهولة ، لم يصح ؛ لأنه لا يعلم حصة كل صاع . وإن كانت معلومة ، صح . فإن كانت عشرة ، فقد باع كل صاع وتسعا بدرهم ، ولو قال : بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم ، على أن أنقصك صاعا ، فإن أراد رد صاع إليه ، فهو فاسد . وإن أراد أنها إن خرجت تسعة آصع ، أخذت عشرة دراهم ، فإن كانت الصيعان مجهولة ، لم يصح ، وإن كانت معلومة ، صح . فإن كانت تسعة آصع ، فقد باع كل صاع بدرهم وتسع . وفيه وجه : أنه لا يصح مع العلم أيضا ؛ لقصور العبارة عن المحمل المذكور . ولو قال : بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم ، على أن أزيدك صاعا ، أو أنقصك ، ولم يبين إحدى الجهتين ، فهو فاسد .

                                                                                                                                                                        [ ص: 409 ] ومنها : لو باع أرضا على أنها مائة ذراع ، فخرجت دون المائة ، فقولان . أظهرهما : صحة البيع . وقيل : يصح قطعا للإشارة ، وصار كالخلف في الصفة فعلى هذا ، للمشتري الخيار في الفسخ ، ولا يسقط بحط البائع من الثمن قدر النقص . وإذا أجاز ، يجيز بجميع الثمن على الأظهر ، وبقسطه على القول الآخر . ولو خرجت أكثر من مائة ، ففي صحة البيع القولان . فإن صححناه ، فالصحيح : أن للبائع الخيار . فإن أجاز ، كانت كلها للمشتري ، ولا يطالبه للزيادة بشيء . والوجه الآخر ، اختاره صاحب " التهذيب " : أنه لا خيار للبائع ، ويصح البيع في الجميع ، بجميع الثمن المسمى ، وينزل شرطه منزلة من شرط كون المبيع معيبا فخرج سليما ، لا خيار له . فإذا قلنا بالصحيح ، فقال المشتري : لا تفسخ ، فأنا أقنع بالقدر المشروط شائعا ولك الزيادة ، لم يسقط خيار البائع على الأظهر . ولو قال : لا تفسخ لأزيدك في الثمن لما زاد ، لم يكن له ذلك ، ولم يسقط به خيار البائع بلا خلاف . ويقاس بهذه المسألة ما إذا باع الثوب على أنه عشرة أذرع ، أو القطيع على أنه عشرون شاة ، أو الصبرة على أنها ثلاثون صاعا ، وحصل نقص أو زيادة . وفرق صاحب " الشامل " بين الصبرة وغيرها ، فقال : إن زادت الصبرة ، رد الزيادة . وإن نقصت وأجاز المشتري ، أجاز بالحصة ، وفيما سواها يجيز بجميع الثمن .

                                                                                                                                                                        ومنها : لو قال : بع عبدك من زيد بألف على أن علي خمسمائة ، فباعه على هذا الشرط ، لم يصح البيع على الأصح . والثاني : يصح ويجب على زيد ألف ، وعلى الآمر خمسمائة ، كما لو قال : ألق متاعك في البحر على أن علي كذا .

                                                                                                                                                                        [ ص: 410 ]

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية