الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب ما على الأولياء ، وإنكاح الأب البكر بغير إذنها ووجه النكاح والرجل يتزوج أمته ويجعل عتقها صداقها من جامع كتاب النكاح وأحكام القرآن وكتاب النكاح إملاء على مسائل مالك ، واختلاف الحديث والرسالة .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فدل كتاب الله عز وجل وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام على أن حقا على الأولياء أن يزوجوا الحرائر البوالغ إذا أردن النكاح ودعون إلى رضا قال الله تعالى { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف } .

( قال ) وهذه أبين آية في كتاب الله تعالى دلالة على أن ليس للمرأة أن تتزوج بغير ولي .

( قال ) وقال بعض أهل العلم : نزلت في معقل بن يسار رضي الله عنه وذلك أنه زوج أخته رجلا فطلقها فانقضت عدتها ثم طلب نكاحها وطلبته فقال : زوجتك أختي دون غيرك ثم طلقتها لا أنكحكها أبدا فنزلت هذه الآية .

وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاثا فإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا أو قال اختلفوا فالسلطان ولي من لا ولي له } .

( قال ) وفي ذلك دلالات .

منها أن للولي شركا في بضعها لا يتم النكاح إلا به ما لم يعضلها ولا نجد لشركه في بضعها معنى إلا فضل نظره لحياطة الموضع أن ينالها من لا يكافئها نسبه وفي ذلك عار عليه وأن العقد بغير ولي باطل لا يجوز بإجازته وأن الإصابة إذا كانت بشبهة ففيها المهر ودرئ الحد .

( قال ) ولا ولاية لوصي ; لأن عارها لا يلحقه وجمعت الطريق رفقة فيهم امرأة ثيب فولت أمرها رجلا منهم فتزوجها فجلد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناكح والمنكح ورد نكاحهما وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم { الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها } دلالة على الفرق بين الثيب والبكر في أمرين : أحدهما أن إذن البكر الصمت والتي تخالفها الكلام . والآخر : أن أمرهما في ولاية أنفسهما مختلف ، فولاية الثيب أنها أحق من الولي والولي ها هنا الأب - والله أعلم - دون الأولياء . ومثل هذا حديث { خنساء زوجها أبوها وهي ثيب فكرهت ذلك فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاحه وفي تركه أن يقول لخنساء إلا أن تشائي أن تجيزي ما فعل أبوك } دلالة على أنها لو أجازته ما جاز والبكر مخالفة لها لاختلافهما في لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ولو كانا سواء كان لفظ النبي صلى الله عليه وسلم أنهما أحق بأنفسهما ، { وقالت عائشة رضي الله عنها : تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة سبع سنين ودخل بي وأنا ابنة تسع } وهي لا أمر لها وكذلك إذا بلغت ، ولو كانت أحق بنفسها أشبه أن لا يجوز ذلك عليها قبل بلوغها كما قلنا في المولود يقتل أبوه يحبس قاتله حتى يبلغ فيقتل أو يعفو .

( قال ) والاستئمار للبكر على استطابة النفس قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم { وشاورهم في الأمر } لا على أن لأحد رد ما رأى [ ص: 265 ] صلى الله عليه وسلم ولكن لاستطابة أنفسهم وليقتدى بسنته فيهم ، وقد أمر نعيما أن يؤامر أم بنته .

( قال المزني ) رحمه الله وروى الشافعي عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل } ورواه غير الشافعي عن الحسن عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم ( واحتج الشافعي ) بابن عباس أنه قال لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل وأن عمر " رد نكاحا لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة ، فقال هذا نكاح السر ولا أجيزه ، ولو تقدمت فيه لرجمت " وقال عمر رضي الله عنه " لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان " .

( قال الشافعي ) والنساء محرمات الفروج فلا يحللن إلا بما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم فبين { وليا وشهودا ، وإقرار المنكوحة الثيب وصمت البكر } .

( قال ) والشهود على العدل حتى يعلم الجرح يوم وقع النكاح .

( قال ) : ولو كانت صغيرة ثيب أصيبت بنكاح أو غيره فلا تزوج إلا بإذنها ولا يزوج البكر بغير إذنها ولا يزوج الصغيرة إلا أبوها أو جدها بعد موت أبيها .

( قال ) : ولو كان المولى عليه يحتاج إلى النكاح زوجه وليه فإن أذن له فجاوز مهر مثلها رد الفضل ، ولو أذن لعبده فتزوج كان لها الفضل متى عتق وفي إذنه لعبده إذن باكتساب المهر والنفقة إذا وجبت عليه ، وإن كان مأذونا له في التجارة أعطى مما في يديه ، ولو ضمن لها السيد مهرها وهو ألف عن العبد لزمه فإن باعها زوجها قبل الدخول بتلك الألف بعينها فالبيع باطل من قبل أن عقدة البيع والفسخ وقعا معا ، ولو باعها إياه بألف لا بعينها كان البيع جائزا وعليها الثمن والنكاح مفسوخ من قبلها وقبل السيد وله أن يسافر بعبده ويمنعه من الخروج من بيته إلى امرأته وفي مصره إلا في الحين الذي لا خدمة له فيه ، ولو قالت له أمته : أعتقني على أن أنكحك وصداقي عتقي فأعتقها على ذلك فلها الخيار في أن تنكح أو تدع ويرجع عليها بقيمتها فإن نكحته ورضي بالقيمة التي عليها فلا بأس .

( قال المزني ) ينبغي في قياس قوله أن لا يجيز هذا المهر حتى يعرف قيمة الأمة حين أعتقها فيكون المهر معلوما ; لأنه لا يجيز المهر غير معلوم .

( قال المزني ) سألت الشافعي رحمه الله عن حديث { صفية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتقها وجعل عتقها صداقها فقال النبي صلى الله عليه وسلم في النكاح أشياء ليست لغيره } .

التالي السابق


الخدمات العلمية