الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وهذا باب واسع ، وهو متفق عليه بين المسلمين . فافترق الناس فيما جاء به الرسول ثلاث فرق :

فرقة امتنعوا من اتباعه ، كاليهود والنصارى والمشركين ونحوهم ، فهؤلاء كفار تجب معاملتهم بما أمر الله به ورسوله . [ ص: 212 ]

وقسم آمنوا بالله ورسوله باطنا وظاهرا ، واتبعوا ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - .

وقسم أظهروا الإيمان بألسنتهم ، ولم يدخل الإيمان في قلوبهم . فهؤلاء المنافقون الذين قال الله فيهم : إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون إلى آخر السورة . وقال تعالى : ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون إلى تمام ثلاث عشرة آية .

وأنزل الله في صفاتهم سورة براءة ، وذكرهم في غير موضع من القرآن ، وأمر رسوله بجهادهم كما أمره بجهاد الكفار . وقال تعالى : يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير .

وأما الكفار فيجاهدون حتى يؤمنوا أو يؤدوا الجزية إن كانوا من أهلها ، كما قال تعالى : قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون . [ ص: 213 ]

وأما المنافقون فجهادهم بإقامة الحدود عليهم ، هكذا ذكره السلف ، لأنهم يظهرون الإسلام بألسنتهم ، فإذا خرجوا عن موجب الدين أقيم الحد عليهم ، وهم قسمان :

قوم نافقوا في أصل الدين ، وأظهروا الإيمان بالله ورسوله ، وليس ذلك في قلوبهم ، بل هم غافلون عما جاء به الرسول ومعرضون عنه ، إلى الاشتغال بدين غيره ، والاشتغال بالدنيا عن نفس إيمان القلوب ، وأضمروا تكذيب الرسول أو بغضه أو معاداته أو معاداة ما جاء به . فمتى لم يكن الإيمان بالله ورسوله في قلوبهم كانوا منافقين في أصل الدين ، سواء كانوا معتقدين لضد ما جاء به الرسول أو خالين عن تصديقه وتكذيبه ، كما أن كل من لم يظهر الإسلام فهو ظاهر الكفر ، سواء تكلم بضده أو لم يتكلم . ولا ينجي العباد من عذاب الله تعالى إلا إيمان يكون في قلوبهم ، حتى إذا سئل أحدهم في القبر فقيل له : من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ قال : ربي الله ، والإسلام ديني ، ومحمد نبيي ، فيفتح له باب إلى الجنة ، وينام نومة العروس الذي قد دخل بامرأته ، لا يوقظه إلا أحب أهله إليه .

وأما المنافق فيقول : هاه هاه ، لا أدري ، سمعت الناس يقولون شيئا فقلت مثلهم ، فيضرب بمرزبة من حديد ، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان ، ولو سمعها الإنسان لصعق . قال الله تعالى : إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا [ ص: 214 ] إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما .

والقسم الثاني : المنافقون في بعض أمور الدين ، مثل الذي يكثر الكذب أو نقض العهد أو خلاف الوعد ، أو يفجر في الخصومة .

قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر" .

أخرجاه في الصحيحين .

التالي السابق


الخدمات العلمية