الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الانصراف عن يمينه وعن شماله

                                                                                                          301 حدثنا قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمنا فينصرف على جانبيه جميعا على يمينه وعلى شماله وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وأنس وعبد الله بن عمرو وأبي هريرة قال أبو عيسى حديث هلب حديث حسن وعليه العمل عند أهل العلم أنه ينصرف على أي جانبيه شاء إن شاء عن يمينه وإن شاء عن يساره وقد صح الأمران عن النبي صلى الله عليه وسلم ويروى عن علي بن أبي طالب أنه قال إن كانت حاجته عن يمينه أخذ عن يمينه وإن كانت حاجته عن يساره أخذ عن يساره

                                                                                                          التالي السابق




                                                                                                          قوله : ( فينصرف على جانبيه جميعا ) وفي رواية أبي داود : فكان ينصرف عن شقيه ( على يمينه وعلى شماله ) بيان لقوله على جانبيه : أي حينا على يمينه وحينا على شماله .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وأنس وعبد الله بن عمرو وأبي هريرة ) أما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه الجماعة إلا الترمذي قال : لا يجعلن أحدكم للشيطان شيئا من صلاته يرى أن حقا عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه ، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ينصرف عن يساره ، وفي لفظ : أكثر انصرافه عن يساره . وأما حديث أنس فأخرجه مسلم والنسائي قال : أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه ، وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه ابن ماجه قال : [ ص: 175 ] رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفتل عن يمينه وعن يساره في الصلاة . وأما حديث أبي هريرة فلم أقف على من أخرجه .

                                                                                                          قوله : ( حديث هلب حديث حسن ) وصححه ابن عبد البر في الاستيعاب ، وذكره عبد الباقي بن قانع في معجمه من طرق متعددة وفي إسناده قبيصة بن هلب وقد رماه بعضهم بالجهالة ، ولكنه وثقه العجلي وابن حبان ، ومن عرفه حجة على من لم يعرف ، كذا في النيل . والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه .

                                                                                                          قوله : ( وقد صح الأمران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ففي حديث عبد الله بن مسعود المذكور : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ينصرف عن يساره . وفي حديث أنس المذكور أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه .

                                                                                                          فإن قلت : قد استعمل كل واحد منهما صيغة أفعل التفضيل فظاهر قول أحدهما ينافي ظاهر قول الآخر ، فما وجه التوفيق ؟ قلت : قال النووي : يجمع بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل تارة هذا وتارة هذا ، فأخبر كل منهما بما اعتقد أنه الأكثر . وقال الحافظ : ويمكن الجمع بينهما بوجه آخر ، وهو أن يحمل حديث ابن مسعود على حالة الصلاة في المسجد ، لأن حجرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت من جهة يساره ، ويحمل حديث أنس على ما سوى ذلك كحال السفر ، ثم إذا تعارض اعتقاد ابن مسعود وأنس رجح ابن مسعود ، لأنه أعلم وأسن وأجل وأكثر ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأقرب إلى مواقفه في الصلاة من أنس ، وبأن في إسناد أنس من تكلم فيه وهو السدي ، وبأن حديث ابن مسعود متفق عليه ، وبأن رواية ابن مسعود توافق ظاهر الحال ، لأن حجرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت على جهة يساره ، انتهى كلام الحافظ . قلت : الظاهر عندي هو الجمع الأول والله تعالى أعلم .

                                                                                                          قوله : ( ويروى عن علي بن أبي طالب أنه قال : إن كانت حاجته عن يمينه أخذ عن يمينه [ ص: 176 ] إلخ ) أخرجه ابن أبي شيبة ولفظه : قال إذا قضيت الصلاة وأنت تريد حاجة فكانت حاجتك عن يمينك أو عن يسارك فخذ نحو حاجتك ، انتهى . قال في النيل : قال العلماء : يستحب الانصراف إلى جهة حاجته ، لكن قالوا : إذا استوت الجهتان في حقه فاليمين أفضل ، لعموم الأحاديث المصرحة بفضل التيامن ، انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية