الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        إذا اشترى شيئا شراء فاسدا ، إما لشرط فاسد ، وإما لسبب آخر ، ثم قبضه ، لم يملكه بالقبض ، ولا ينفذ تصرفه فيه ، ويلزمه رده ، وعليه مؤنة رده كالمغصوب . ولا يجوز حبسه ، لاسترداد الثمن . ولا يقدم به على الغرماء على المذهب . وحكي قول ووجه للإصطخري : أن له حبسه ويقدم به ، وهو شاذ ضعيف . وتلزمه أجرة المثل للمدة التي كان في يده ، سواء استوفى المنفعة ، أم [ ص: 411 ] تلفت تحت يده . وإن تعيب في يده ، فعليه أرش النقص ، وإن تلف ، فعليه قيمته أكثر ما كانت من يوم القبض إلى يوم التلف ، كالمغصوب ؛ لأنه مخاطب كل لحظة من جهة الشرع برده . وفي وجه : تعتبر قيمته يوم التلف . وفي وجه : يوم القبض . وقد يعبر عن هذا الخلاف بالأقوال . وكيف كان ، فالمذهب : اعتبار الأكثر . وما حدث من الزوائد المنفصلة ، كالولد ، والثمرة ، والمتصلة ، كالسمن ، وتعلم صنعة ، مضمون عليه كزوائد المغصوب . وفي وجه شاذ : لا يضمن الزيادة عند التلف . ولو أنفق على العبد مدة ، لم يرجع بها على البائع إن كان المشتري عالما بفساد البيع ، وإلا ، فوجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : أصحهما لا يرجع . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وإن كانت جارية ، فوطئها المشتري ، فإن كان الواطئ والموطوءة جاهلين ، فلا حد ، ويجب المهر . وإن كانا عالمين ، وجب الحد إن اشتراها بميتة ، أو دم . وإن اشتراها بخمر ، أو بشرط فاسد ، فلا حد ، لاختلاف العلماء في حصول الملك ، فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - يملكه في هذه الحالة ، فصار كالوطء في النكاح بلا ولي ونحوه . قال الإمام : ويجوز أن يقال : يجب الحد ، فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - لا يبيح الوطء ، وإن كان يثبت الملك ، بخلاف الوطء في النكاح بلا ولي . وإذا لم يجب الحد ، وجب المهر . فإن كانت بكرا ، وجب مع مهر البكر أرش البكارة . أما مهر البكر ، فللاستمتاع ببكر . وأما الأرش ، فلإتلاف البكارة . وإن استولدها ، فالولد حر للشبهة . فإن خرج حيا ، فعليه قيمته يوم الولادة ، وتستقر عليه قيمته . بخلاف ما لو اشترى جارية واستولدها فخرجت مستحقة ، فإنه يغرم قيمة الولد ، ويرجع بها على البائع ؛ لأنه غره ، ولا تصير الجارية في الحال أم ولد . فإن كان ملكها في وقت ، فقولان . وإن نقصت بالحمل أو الوضع ، لزمه الأرش . وإن خرج الولد ميتا ، فلا قيمة . لكن إن سقط بجناية ، وجبت الغرة على عاقلة الجاني ، وعلى المشتري أقل الأمرين من قيمة الولد يوم الولادة والغرة ، ويطالب [ ص: 412 ] به المالك من شاء من الجاني والمشتري . ولو ماتت في الطلق ، لزمه قيمتها ، وكذا لو وطئ أمة الغير بشبهة فأحبلها فماتت في الطلق . وهذه الصورة وأخواتها ، مذكورة في كتاب " الرهن " واضحة .

                                                                                                                                                                        فرع :

                                                                                                                                                                        لو اشترى شيئا شراء فاسدا ، فباعه لآخر ، فهو كالغاصب يبيع المغصوب . فإن حصل في يد الثاني ، لزمه رده إلى المالك . فإن تلف في يده ، نظر ، إن كانت قيمته في يدهما سواء ، أو كانت في يد الثاني أكثر ، رجع المالك بالجميع على من شاء منهما ، والقرار على الثاني ؛ لحصول التلف في يده . وإن كانت القيمة في يد الأول أكثر ، فضمان النقص على الأول ، والباقي يرجع به على من شاء منهما ، والقرار على الثاني . وكل نقص حدث في يد الثاني ، يطالب به الأول ، ويرجع به على الثاني ، وكذا حكم أجرة المثل .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية