الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة [ صعوبة الحد ] ادعى ابن سينا أن الحدود في غاية الصعوبة . وذلك ; لأنه يفتقر إلى [ ص: 131 ] معرفة الماهيات المختلفة تفصيلا حتى يعلم القدر المشترك بين الأشياء المشتركة في شيء واحد من الماهية ، والقدر الذي به ينفصل كل واحدة منها عن الأخرى ، ولا شك في صعوبة معرفتها على هذا الوجه ، وبه يضعف تركيب الحدود الحقيقية للأمور الموجودة في الخارج المطابقة لها . وناقضه أبو البركات البغدادي في كتابه " المعتبر " فقال : الحدود في غاية السهولة ; لأن الحدود هي حدود الأسماء ، والأسماء أسماء الأمور المعقولة ، وكل أمر معقول فلا بد وأن يعقل أن كمال المشترك أيش هو ؟ وكمال جزء الماهية أيش هو ؟ فكان الحد سهلا من هذا الوجه ، وبهذا الطريق يلج الإمام فخر الدين في المضايق ، ويمنع كون الحد هو الدال على حقيقة الشيء ، بل هو تفصيل ما دل اللفظ عليه إجمالا ، وقال في " الملخص " : الإنصاف أنه إن كان الغرض المقصود منه تفصيل مدلول الاسم كان سهلا ، وإن كان الغرض معرفة الماهيات الموجودة كان ذلك في غاية الصعوبة . فحصل من هذا أن الحدود الكاشفة للماهيات الموجودة ليست عبارة عن تفصيل ما دل اللفظ عليه إجمالا ، بل الحد : هو القول الدال على ماهية الشيء . وصنف ابن دقيق العيد رسالة بين فيها صعوبة الحد . [ ص: 132 ] وقال العبدري في " شرح المستصفى " : العلة في عسر حد بعض المدركات هو أن أصل العلوم العقلية كلها الحواس ، فإذا قوي الحس على إدراك أمر مما اتضحت فصوله الذاتية عند العقل فأدرك حقيقة ماهيته ساغ له حده ، وإذا ضعف الحس عن إدراك شيء مما خفيت فصوله الذاتية عن العقل ، فلم يدرك حقيقته وماهيته لم يقدر على حده ، ومن ذلك الروائح والطعوم لما ضعف الحس عن إدراكها عسر حدها ، وقال ابن تيمية : عسر الحد مبني على اعتقادهم أن المراد بالحد تصوره ، وليس كذلك ، وأصل غلطهم أنه اشتبه عليهم ما في الأذهان بما في الأعيان ، فإن هذه الأمور قائمة بصورة الإنسان سواء طابق أم لا ، وليس هو تابعا للحقائق في نفسها .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية