الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا

                                                                                                                                                                                                                                      إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها في تصدير الكلام بكلمة التحقيق وإظهار الاسم الجليل وإيراد الأمر على صورة الإخبار من الفخامة وتأكيد وجوب الامتثال به والدلالة على الاعتناء بشأنه ما لا مزيد عليه، وهو خطاب يعم حكمه المكلفين قاطبة كما أن الأمانات تعم جميع الحقوق المتعلقة بذممهم من حقوق الله تعالى وحقوق العباد سواء كانت فعلية أو قولية أو اعتقادية ، وإنه ورد في شأن عثمان بن طلحة بن عبد الدار سادن الكعبة المعظمة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة يوم الفتح أغلق عثمان رضي الله عنه باب الكعبة وصعد السطح وأبى أن يدفع المفتاح إليه وقال: لو علمت أنه رسول الله لم [ ص: 193 ] أمنعه فلوى علي بن أبي طالب يده وأخذه منه وفتح ودخل النبي صلى الله عليه وسلم وصلى ركعتين فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح ويجمع له السقاية والسدانة فنزلت فأمر عليا أن يرده إلى عثمان ويعتذر إليه فقال عثمان لعلي: أكرهت وآذيت ثم جئت ترفو فقال: لقد أنزل الله تعالى في شأنك قرآنا فقرأ عليه الآية فقال عثمان: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فهبط جبريل عليه الصلاة والسلام وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن السدانة في أولاد عثمان أبدا، وقرئ الأمانة على التوحيد والمراد الجنس لا المعهود. وقيل: هو أمر للولاة بأداء الحقوق المتعلقة بذممهم من المناصب وغيرها إلى مستحقها كما أن قوله تعالى: وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل أمر لهم بإيصال الحقوق المتعلقة بذممهم من المناصب وغيرها إلى مستحقها كما أن قوله تعالى: وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل أمر لهم بإيصال الحقوق المتعلقة بذمم الغير إلى أصحابها وحيث كان المأمور به ههنا مختصا بوقت المرافعة قيد به بخلاف المأمور به أولا فإنه لما لم يتعلق بوقت دون وقت أطلق إطلاقا فقوله تعالى: أن تحكموا عطف على "أن تؤدوا"، قد فصل بين العاطف والمعطوف بالظرف المعمول له عند الكوفيين والمقدر يدل هو عليه عند البصريين لأن ما بعد إن لا يعمل فيما قبلها عندهم، أي: وأن تحكموا إذا حكمتم إلخ، وقوله تعالى: بالعدل متعلق بـ"تحكموا" أو بمقدر وقع حالا من فاعله أي: ملتبسين بالعدل والإنصاف. إن الله نعما يعظكم به "ما" إما منصوبة موصوفة بـ"يعظكم به" أو مرفوعة موصولة به كأنه قيل: نعم شيئا يعظكم به أو نعم الشيء الذي يعظكم به والمخصوص بالمدح محذوف أي: نعما يعظكم به ذلك وهو المأمور به من أداء الأمانات والعدل في الحكومات، وقرئ "نعما" بفتح النون والجملة مستأنفة مقررة لما قبلها متضمنة لمزيد لطف بالمخاطبين وحسن استدعاء لهم إلى الامتثال بالأمر وإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة. إن الله كان سميعا لأقوالكم. بصيرا بأفعالكم، فهو وعد ووعيد وإظهار الجلالة لما ذكر آنفا فإن فيه تأكيدا لكل من الوعد والوعيد.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية