الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1278 99 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال : حدثنا الليث قال : حدثني ابن شهاب ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين الرجلين [ ص: 153 ] من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول : " أيهم أكثر أخذا للقرآن ؟ " فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد ، وقال : " أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة " ، وأمر بدفنهم في دمائهم ، ولم يغسلوا ، ولم يصل عليهم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن بعمومها يدل على نفي الصلاة على الشهيد .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم خمسة :

                                                                                                                                                                                  الأول : عبد الله بن يوسف التنيسي وقد تكرر ذكره ، الثاني : الليث بن سعد ، الثالث : محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، الرابع : عبد الرحمن بن كعب بن مالك أبو الخطاب الأنصاري السلمي ، الخامس : جابر بن عبد الله الأنصاري .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده )

                                                                                                                                                                                  فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه القول في موضعين ، وفيه أن شيخه دمشقي نزل تنيس ، والليث مصري ، وابن شهاب وشيخه مدنيان ، وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي ، وفيه عن عبد الرحمن بن كعب عن جابر ، كذا يقول الليث عن ابن شهاب ، وقال النسائي : ما أعلم أحدا تابع الليث من ثقات أصحاب الزهري على هذا الإسناد ، واختلف على الزهري فيه ، ثم ساقه من طريق عبد الله بن المبارك ، عن معمر ، عن ابن شهاب ، عن عبد الله بن ثعلبة ، فذكر الحديث مختصرا . وكذا أخرجه أحمد من طريق محمد بن إسحاق ، والطبراني من طريق عبد الرحمن بن إسحاق وعمرو بن الحارث ، وكلهم عن ابن شهاب عن عبد الله بن ثعلبة ، ورواه عبد الرزاق عن معمر فزاد فيه جابرا ، وهو مما يقوي اختيار البخاري ; فإن ابن شهاب صاحب حديث فيحمل على أن الحديث عنده عن شيخين خصوصا أن في رواية عبد الرحمن بن كعب ما ليس في رواية عبد الله بن ثعلبة . قال الذهبي : عبد الله بن ثعلبة له رؤية ورواية ، ورواه البيهقي من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد العزيز الأنصاري : حدثنا الزهري ، ( حدثنا عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال يوم أحد : " من رأى مقتل حمزة ؟ " فقال رجل : أنا ، فخرج حتى وقف على حمزة ، فرآه وقد شق بطنه ومثل به ، فكره رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - أن ينظر إليه ، ثم وقف بين ظهري القتلى فقال : " أنا شهيد على هؤلاء ، لفوهم في دمائهم فإنه ليس جريح يجرح إلا جاء يوم القيامة يدمى ، لونه لون الدم ، وريحه ريح المسك " وقال : " قدموا أكثر القوم قرآنا فاجعلوه في اللحد " .

                                                                                                                                                                                  قال البيهقي : في هذا زيادات ليست في رواية الليث ، وفي رواية الليث زيادة ليست في هذه الرواية ، فيحتمل أن تكون روايته عن جابر وعن أبيه صحيحتان وإن كانتا مختلفتين ، فالليث بن سعد إمام حافظ فروايته أولى .

                                                                                                                                                                                  ولما ذكر ابن أبي حاتم هذا الحديث في كتاب العلل قال : قال أبي يروي هذا عن الزهري ، عن ابن كعب ، عن الزهري مرفوعا ، وعبد الرحمن بن عبد العزيز هذا شيخ مدني مضطرب الحديث .

                                                                                                                                                                                  وروى الحاكم من حديث أسامة بن زيد أن ابن شهاب حدثه أن أنسا حدثه أن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ولم يصل عليهم ، وهو صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .

                                                                                                                                                                                  وفي العلل للترمذي قال محمد : حديث أسامة ، عن الزهري ، عن أنس غير محفوظ غلط فيه أسامة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره )

                                                                                                                                                                                  أخرجه البخاري أيضا في الجنائز عن سعيد بن سليمان وأبي الوليد ، وفي المغازي عن قتيبة ، وفي الجنائز أيضا عن عبدان ومحمد بن مقاتل ، وأخرجه أبو داود في الجنائز عن قتيبة ويزيد بن خالد وعن سليمان بن داود ، وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة به وقال : حسن صحيح ، وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة به ، وأخرجه ابن ماجه فيه عن محمد بن رمح عن الليث به .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه )

                                                                                                                                                                                  قوله : ( من قتلى أحد ) القتلى جمع قتيل كالجرحى جمع جريح ، قوله : ( في ثوب واحد ) ظاهره تكفين الاثنين في ثوب واحد ، وقال المظهري في ( شرح المصابيح ) : معنى ثوب واحد قبر واحد ; إذ لا يجوز تجريدهما بحيث تتلاقى بشرتاهما . قوله : ( أيهم ) أي : أي القتلى ؟ هذه رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره : أيهما أي : أي الرجلين ؟ قوله : ( أخذا ) على التمييز ، قوله : ( أنا شهيد على هؤلاء ) أي : أشهد لهم بأنهم بذلوا أرواحهم لله تعالى ، قوله : ( ولم يغسلوا ) على صيغة المجهول [ ص: 154 ] وفي رواية للبخاري ستأتي بلفظ ( ولم يصل عليهم ولم يغسلهم ) كلاهما بصيغة المعلوم أي : لم يفعل ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه ولا بأمره .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه )

                                                                                                                                                                                  وهو على وجوه :

                                                                                                                                                                                  الأول : قال ابن التين : فيه جواز جمع الرجلين في ثوب واحد . وقال أشهب : لا يفعل ذلك إلا لضرورة وكذا الدفن ، وعن العلامة ابن تيمية معنى الحديث : أنه كان يقسم الثوب الواحد بين الجماعة فيكفن كل واحد ببعضه للضرورة وإن لم يستر إلا بعض بدنه ، يدل عليه تمام الحديث : أنه كان يسأل عن أكثرهم قرآنا فيقدمه في اللحد ، فلو أنهم في ثوب واحد جملة لسأل عن أفضلهم قبل ذلك كيلا يؤدي إلى نقض التكفين وإعادته . وقال ابن العربي : فيه دليل على أن التكليف قد ارتفع بالموت وإلا فلا يجوز أن يلصق الرجل بالرجل إلا عند انقطاع التكليف أو للضرورة .

                                                                                                                                                                                  الثاني : فيه التفضيل بقراءة القرآن ، فإذا استووا في القراءة قدم أكبرهم لأن للسن فضيلة

                                                                                                                                                                                  الثالث : فيه جواز دفن الاثنين والثلاثة في قبر ، وبه أخذ غير واحد من أهل العلم ، وكرهه الحسن البصري ، ولا بأس أن يدفن الرجل والمرأة في القبر الواحد ، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق ، غير أن الشافعي وأحمد قالا ذلك في موضع الضرورات ، وحجتهم حديث جابر . وقال أشهب : إذا دفن اثنان في قبر لم يجعل بينهما حاجز من التراب ، وذلك لأنه لا معنى له إلا التضييق . وقال ابن أبي حاتم : ذكر أبي حديثا رواه ابن وهب ، عن ابن جريج ، عن قتادة ( عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع يوم أحد النفر في القبر الواحد ، فكان يقدم في القبر إلى القبلة أقرأهم ثم ذا السن يلي أقرأهم ) قال أبي : يحيى هذا هو ابن صبيح .

                                                                                                                                                                                  وفي سنن الكجي : حدثنا أيوب ، عن حميد بن هلال ، عن أبي الدهماء ، ( عن ابن عباس قال : شكوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - القرح يوم أحد فقال : " احفروا واجعلوا في القبر الاثنين والثلاثة وقدموا أكثرهم قرآنا " ) وقال القدوري في شرحه ، والسرخسي في المبسوط : إن وقعت الحاجة إلى الزيادة فلا بأس أن يدفن الاثنان والثلاثة في قبر واحد . وفي المرغيناني : أو خمسة وهو إجماع . وفي البدائع : ويقدم أفضلها ويجعل بين كل اثنين حاجز من التراب فيكون في حكم قبرين ، ويقدم الرجل في اللحد ، وفي صلاة الجنازة تقدم المرأة على الرجل إلى القبلة ، ويكون الرجل إلى الرجل أقرب والمرأة عنه أبعد .

                                                                                                                                                                                  الرابع : فيه دفن الشهيد بدمه ، وروى النسائي من حديث معمر ، عن الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " زملوهم بدمائهم " .

                                                                                                                                                                                  الخامس : فيه أن الشهيد لا يغسل ، وهذا لا خلاف فيه إلا ما روي عن سعيد بن المسيب والحسن بن أبي الحسن من أنه يغسل قالا : ما مات ميت إلا أجنب ، رواه ابن أبي شيبة عنهما بسند صحيح ، وعن الحسن بسند صحيح " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بحمزة رضي الله تعالى عنه فغسل "

                                                                                                                                                                                  وحكي عن الشعبي وغيره أن حنظلة بن الراهب غسلته الملائكة ، وأجيب بأنه كان جنبا . وقال السهيلي : في ترك غسل الشهداء تحقيق حياتهم وتصديق قوله تعالى : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا الآية ، ولأن الدم أثر عبادة فلا يزال كما قالوا في السواك للصائم

                                                                                                                                                                                  السادس : فيه أن الشهيد لا يصلى عليه ، وهذا باب فيه خلاف ، وقد ذكرناه في أول الباب . وقال أصحابنا : الشهيد يصلى عليه بلا غسل ، واحتجوا في ذلك بحديث عقبة الآتي عن قريب ، وبما رواه ابن ماجه من حديث أبي بكر بن عياش ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم ، " عن ابن عباس قال : أتي بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد فجعل يصلي على عشرة عشرة وحمزة ، وهو كما هو يرفعون وهو كما هو موضوع "

                                                                                                                                                                                  ورواه الطحاوي ، عن إبراهيم بن أبي داود ، عن محمد بن عبد الله بن نمير قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم " عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - كان يوضع بين يديه يوم أحد عشرة فيصلي عليهم وعلى حمزة ، ثم توضع العشرة وحمزة موضوع ، ثم توضع عشرة فيصلي عليهم وعلى حمزة معهم "

                                                                                                                                                                                  وأخرجه البزار في ( مسنده ) بأتم منه : حدثنا العباس رحمه الله تعالى ابن عبد الله البغدادي ، حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، حدثنا يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم " عن ابن عباس قال : لما قتل حمزة يوم أحد أقبلت صفية تسأل ما صنع ، فلقيت عليا والزبير رضي الله تعالى عنهما فقالت : يا علي ويا زبير ما فعل حمزة ؟ فأوهماها أنهما لا يدريان قال : فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : إني أخاف على عقلها فوضع يده على صدرها فاسترجعت وبكت ، ثم [ ص: 155 ] قام عليه ، وقال : لولا جزع النساء لتركته حتى يحشر من بطون السباع وحواصل الطيور ، ثم أتي بالقتلى فجعل يصلي عليهم ، فيوضع سبعة وحمزة فيكبر عليهم سبع تكبيرات ، ثم يرفعون ويترك حمزة مكانه فيكبر عليهم سبع تكبيرات حتى فرغ منهم "

                                                                                                                                                                                  وأخرجه الحاكم في ( مستدركه ) ، والطبراني في معجمه ، والبيهقي في سننه ولفظهم : " أمر رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - بحمزة يوم أحد فهيئ للقبلة ، ثم كبر عليه سبعا ، ثم جمع إليه الشهداء حتى صلى عليه سبعين صلاة " ، زاد الطبراني : " ثم وقف عليهم حتى واراهم " وسكت الحاكم عنه .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : قال الذهبي : يزيد بن أبي زياد لا يحتج به ، وقال البيهقي : هكذا رواه يزيد بن أبي زياد ، وحديث جابر أنه لم يصل عليهم أصح ، وقال ابن الجوزي في التحقيق : ويزيد بن زياد منكر الحديث ، وقال النسائي : متروك الحديث .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : قال صاحب التنقيح : الذي قالوه إنما هو في يزيد بن زياد ، وأما راوي هذا الحديث فهو الكوفي ، ولا يقال فيه ابن زياد وإنما هو ابن أبي زياد ، وهو ممن يكتب حديثه على لينه ، وقد روى له مسلم مقرونا بغيره ، وروى له أصحاب السنن ، وقال أبو داود : لا أعلم أحدا ترك حديثه ، وابن الجوزي جعلهما في كتابه الذي في الضعفاء واحدا وهو وهم وغلط ، ومما يؤيد حديث يزيد بن أبي زياد هذا ما رواه ابن هشام في السيرة عن ابن إسحاق ، حدثني من لا أتهم عن مقسم مولى ابن عباس ، " عن ابن عباس قال : أمر رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - بحمزة فسجي ببردة ، ثم صلى عليه وكبر سبع تكبيرات ، ثم أتي بالقتلى فوضعوا إلى حمزة فصلى عليهم وعليه معهم ، حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة " .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : قال السهيلي في الروض الأنف : قول ابن إسحاق في هذا الحديث : حدثني من لا أتهم ، إن كان هو الحسن بن عمارة كما قاله بعضهم فهو ضعيف بإجماع أهل الحديث ، وإن كان غيره فهو مجهول .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : نحن ما نجزم أنه الحسن بن عمارة ، ولئن سلمنا أنه هو فنحن ما نحتج به ، وإنما نستشهد به ، ويكفي في الاستشهاد قول ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم به ، ولو كان متهما عنده لما حدث عنه .

                                                                                                                                                                                  وروى الطحاوي من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر يوم أحد بحمزة فسجي ببردة ، ثم صلى عليه فكبر تسع تكبيرات ، ثم أتي بالقتلى يصفون ويصلي عليهم وعليه معهم " .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه ابن شاهين أيضا في كتابه من حديث ابن إسحاق عن يحيى بن عبادة ، " عن عبد الله بن الزبير قال : صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على حمزة فكبر سبعا " .

                                                                                                                                                                                  وقال البغوي : حفظي أنه قال عن عبد الله بن الزبير ، وروى الطحاوي أيضا من حديث أبي مالك الغفاري قال : كان قتلى أحد يؤتى بتسعة وعاشرهم حمزة ، فيصلي عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يحملون ، ثم يؤتى بتسعة فيصلي عليهم وحمزة مكانه ، حتى صلى عليهم رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - ، ورواه أيضا الدارقطني " عن أبي مالك قال : كان يجاء بقتلى أحد تسعة وحمزة عاشرهم ، فيصلى عليهم فيرفعون التسعة ويدعون حمزة رضي الله تعالى عنه " ، وأخرجه البيهقي أيضا ولفظه : قال : " صلى النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - على قتلى أحد عشرة عشرة ، في كل عشرة منهم حمزة ، حتى صلى عليه سبعين صلاة " ، وقال الذهبي في مختصر السنن : كذا قال ، ولعله سبع صلوات إذ شهداء أحد سبعون أو نحوها ، وأخرجه أبو داود أيضا في المراسيل ، وأبو مالك اسمه غزوان الكوفي وثقه ابن معين ، وذكره ابن حبان في التابعين الثقات .

                                                                                                                                                                                  ولنا معاشر الحنفية أن نرجح مذهبنا بأمور : الأول : أن حديث عقبة الآتي ذكره مثبت وكذا غيره من الصلاة على الشهيد ، وحديث جابر ناف والمثبت أولى .

                                                                                                                                                                                  الثاني : أن جابرا كان مشغولا بقتل أبيه وعمه على ما يجيء ، فذهب إلى المدينة ليدبر حملهم ، فلما سمع المنادي بأن القتلى تدفن في مصارعهم سارع لدفنهم ، فدل على أنه لم يكن حاضرا حين الصلاة ، على أن في ( الإكليل ) حديثا عن ابن عقيل ، " عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على حمزة ثم جيء بالشهداء فوضعوا إلى جنبه فصلى عليهم " ، فالشافعية يحتجون برواية ابن عقيل ويوجبون بها التسليم من الصلاة .

                                                                                                                                                                                  الثالث : ما روى أصحابنا أكثر مما رواه أصحاب الشافعي .

                                                                                                                                                                                  الرابع : الصلاة على الموتى أصل في الدين وفرض كفاية فلا تسقط من غير فعل أحد بالتعارض بخلاف غسله إذ النص في سقوطه لا معارض له .

                                                                                                                                                                                  الخامس : لو كانت الصلاة عليهم غير مشروعة لبينها النبي - صلى الله عليه وسلم - كما نبه على الغسل .

                                                                                                                                                                                  السادس : نتنزل ونقول كما قاله الطحاوي لم يصل صلى الله عليه وسلم وصلى غيره .

                                                                                                                                                                                  السابع : يجوز أنه لم يصل عليهم في ذلك اليوم لما حصل له من الجراحة وشبهها ، ولا سيما من ألمه على حمزة وغيره ، وصلى عليهم في يوم غيره لأنه لا تغير بهم كما جاء في صلاته عليهم بعد ثمان سنين .

                                                                                                                                                                                  الثامن : قد روي أنه قد صلى على غيرهم .

                                                                                                                                                                                  التاسع : ليس لهم أن يقولوا يحمل قول عقبة صلى عليهم بمعنى استغفر لقوله صلاته [ ص: 156 ] على الميت .

                                                                                                                                                                                  العاشر : أن ما ذهب إليه أصحابنا أحوط في الدين ، وفيه تحصيل الأجر ، وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم : " من صلى على ميت فله قيراط " ، فلم يفصل ميتا من ميت ، فإن قالوا : الصلاة لا تصح على الميت بلا غسل ، فلما لم يغسل الشهيد لم تصح الصلاة . قلنا : ينبغي أن لا يدفن أيضا بلا غسل ، فلما دفن الشهيد بلا غسل دل أنه في حكم المغسولين فيصلى عليه .

                                                                                                                                                                                  فإن قالوا : الشهداء أحياء والصلاة إنما شرعت على الموتى . قلنا : فعلى هذا ينبغي أن لا يقسم ميراثهم ولا تتزوج نساؤهم وشبه ذلك ، وإنما هم أحياء في حكم الآخرة لا في حكم الدنيا ، والصلاة عليهم من أحكام الدنيا ، كذا قاله في المبسوط .

                                                                                                                                                                                  فإن قالوا : ترك الصلاة عليهم لاستغنائهم مع التخفيف على من بقي من المسلمين . قلنا : لا يستغنى أحد عن الخير والصلاة خير موضوع ، ولو استغنى عنه أحد من هذه الأمة لاستغنى أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ، وكذلك الصغار ومن هو في مثل حالهم ، والتعليل بالتخفيف لا وجه له لأنهم يسعون في تجهيزهم وحفر قبورهم ونحو ذلك ، فالصلاة أخف من هذا كله .

                                                                                                                                                                                  فإن قالوا : إنكم لا ترون الصلاة على القبر بعد ثلاثة أيام . قلنا : ليس كذلك بل تجوز الصلاة على القبر ما لم يتفسخ ، والشهداء لا يتفسخون ولا يحصل لهم تغير ، فالصلاة عليهم لا تمتنع أي وقت كان .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية