الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1279 101 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال : حدثنا الليث قال : حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ، ثم انصرف إلى المنبر فقال : " إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم ، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن ، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض ، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها " .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إنها تحتمل مشروعية الصلاة على الشهيد من جهة عمومها .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله )

                                                                                                                                                                                  وهم خمسة تقدموا ، وأبو الخير اسمه مرثد بن عبد الله اليزني ، وعقبة بضم العين وسكون القاف ابن عامر الجهني

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده )

                                                                                                                                                                                  فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه أن رواته كلهم مصريون وهو معدود من أصح الأسانيد ، وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي ، وفيه أحدهم مذكور بالكنية .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره )

                                                                                                                                                                                  أخرجه البخاري أيضا في علامات النبوة عن سعيد بن شرحبيل ، وفي المغازي عن محمد بن عبد الرحيم ، وعن قتيبة ، وفي ذكر الحوض عن عمرو بن خالد ، وأخرجه مسلم في فضائل النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - عن قتيبة به وعن أبي موسى ، وأخرجه أبو داود في الجنائز عن قتيبة به مختصرا ، وعن الحسن بن علي ، وأخرجه النسائي فيه أيضا عن قتيبة به .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه )

                                                                                                                                                                                  قوله : ( فصلى على أهل أحد ) وهم الذين استشهدوا فيه ، وكانت أحد في شوال سنة ثلاث .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( صلاته على الميت ) أي مثل صلاته على الميت ، وهذا يرد قول من قال : إن الصلاة في الأحاديث التي وردت محمولة على الدعاء ، وممن قال به ابن حبان والبيهقي والنووي ، حتى قال النووي : المراد من الصلاة هنا الدعاء ، وأما كونه مثل الذي على الميت فمعناه أنه دعا لهم بمثل الدعاء الذي كانت عادته أن يدعو به للموتى .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : هذا عدول عن المعنى الذي يتضمنه هذا اللفظ لأجل تمشية مذهبه في ذلك ، وهذا ليس بإنصاف ، وقال الطحاوي : معنى صلاته صلى الله عليه وسلم لا يخلو من ثلاثة معان : إما أن يكون ناسخا لما تقدم من ترك الصلاة عليهم ، أو يكون من سننهم أن لا يصلى عليهم إلا بعد هذه المدة ، أو تكون الصلاة عليهم جائزة بخلاف غيرهم فإنها واجبة ، وأيها كان فقد ثبت بصلاته عليهم الصلاة على الشهداء .

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم : غالب ما ذكره بصدد المنع لأن صلاته عليهم تحتمل أمورا : منها أن تكون من خصائصه ، ومنها أن يكون المعنى الدعاء ، ثم هي واقعة عين لا عموم فيها ، فكيف ينتهض الاحتجاج بها لدفع حكم قد تقرر ؟ ولم يقل أحد من العلماء بالاحتمال الثاني الذي ذكره ، انتهى .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : كل ما ذكر هذا القائل ممنوع لأن قوله منها أن تكون من خصائصه ، وإثبات الخصوصية بالاحتمال [ ص: 157 ] لا يصح ; لأن الاحتمال الناشئ من غير دليل لا يعتبر ولا يعمل به ، وقوله : ومنها أن يكون المعنى الدعاء يرده لفظ الحديث ويبطله ، وقوله : وهي واقعة عين لا عموم فيها كلام غير موجه ; لأن هذا الكلام لا دخل له في هذا المقام ، وقوله : لدفع حكم تقرر لا ينتهض دليلا له لدفع خصمه لأنه لا يعلم ما هذا الحكم المقرر ، وقوله : ولم يقل أحد من العلماء بالاحتمال الثاني كلام واه لأنه ما ادعى أن أحدا من العلماء قال به حتى ينكر عليه ، وإنما ذكره بطريق الاستنباط من لفظ الحديث .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( ثم انصرف إلى المنبر ) ولفظ مسلم : " ثم صعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات فقال : إني فرطكم على الحوض ، وإن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة " وفي آخره : " قال عقبة : فكانت آخر ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر " .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( إني فرط لكم ) بفتح الفاء والراء ، وهو الذي يتقدم الواردة ليصلح لهم الحياض والدلاء ونحوهما ، ومعنى ( فرطكم ) سابقكم إليه كالمهيئ له .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( وأنا شهيد عليكم ) أي أشهد لكم .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( مفاتيح الأرض ) جمع مفتاح ، ويروى ( مفاتح الأرض ) بدون الياء ، فهو جمع مفتح على وزن مفعل بكسر الميم .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( لأنظر إلى حوضي ) هو على ظاهره ، وكأنه كشف له عنه في تلك الحالة .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ) معناه على مجموعكم ; لأن ذلك قد وقع من البعض والعياذ بالله تعالى .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( أن تنافسوا ) من المنافسة وهي الرغبة في الشيء والانفراد به ، وهو من الشيء النفيس الجيد في نوعه ، ونافست الشيء منافسة ونفاسا إذا رغبت فيه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه )

                                                                                                                                                                                  قال الخطابي : فيه أنه صلى الله عليه وسلم قد صلى على أهل أحد بعد مدة ، فدل على أن الشهيد يصلى عليه كما يصلى على من مات حتف أنفه ، وإليه ذهب أبو حنيفة ، وأول الخبر في ترك الصلاة عليهم يوم أحد على معنى اشتغاله عنهم وقلة فراغه لذلك ، وكان يوما صعبا على المسلمين ، فعذروا بترك الصلاة عليهم ، وفيه أن الحوض مخلوق موجود اليوم وأنه حقيقي ، وفيه معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم حيث نظر إليه في الدنيا وأخبر عنه ، وفيه معجزة أخرى أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض وملكتها أمته بعده ، وفيه أن أمته لا يخاف عليهم من الشرك ، وإنما يخاف عليهم من التنافس ، ويقع منه التحاسد والتباخل ، وفيه جواز الحلف من غير استحلاف لتفخيم الشيء وتوكيده .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية