الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
البحث الثاني في أقسامه

وهي كثيرة :

الأول

الالتفات من التكلم إلى الخطاب

ووجهه حث السامع وبعثه على الاستماع ، حيث أقبل المتكلم عليه ، وأنه أعطاه فضل عناية وتخصيص بالمواجهة ؛ كقوله تعالى : وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ( يس : 22 ) الأصل : " وإليه أرجع " ، فالتفت من التكلم إلى الخطاب ، وفائدته أنه أخرج الكلام في معرض مناصحته لنفسه وهو يريد نصح قومه ، تلطفا وإعلاما أنه يريد لهم ما يريده لنفسه ، ثم التفت إليهم لكونه في مقام تخويفهم ودعوتهم إلى الله .

وأيضا فإن قومه لما أنكروا عليه عبادته لله ، أخرج الكلام معهم بحسب حالهم ، فاحتج عليهم بأنه يقبح منه أنه لا يعبد فاطره ومبدعه ؛ ثم حذرهم بقوله : وإليه ترجعون ( يس : 22 ) .

لذا جعلوه من الالتفات ، وفيه نظر ؛ لأنه إنما يكون منه إذا كان القصد الإخبار عن نفسه في كلتا الجملتين ، وهاهنا ليس كذلك ؛ لجواز أن يكون أراد بقوله : وإليه ترجعون ( يس : 22 ) [ ص: 382 ] المخاطبين ؛ ولم يرد نفسه ، ويؤيده ضمير الجمع ، ولو أراد نفسه لقال : " ترجع " .

وأيضا فشرط الالتفات أن يكون في جملتين ، و " فطرني " و " إليه ترجعون " كلام واحد .

وأجيب بأنه لو كان المراد بقوله : ترجعون ( يس : 22 ) ظاهره لما صح الاستفهام الإنكاري ؛ لأن رجوع العبد إلى مولاه ليس بمعنى أن يعيده غير ذلك الراجع ، فالمعنى : كيف أعبد من إليه رجوعي ؛ وإنما ترك " وإليه أرجع " إلى وإليه ترجعون ( يس : 22 ) لأنه داخل فيهم ، ومع ذلك أفاد فائدة حسنة ، وهي أنه نبههم أنهم مثله في وجوب عبادة من إليه الرجوع ؛ فعلى هذا ، الواو للحال وعلى الأول واو العطف .

ومنه قوله : رحمة من ربك ( الكهف : 82 ) عدل عن قوله : " رحمة منا " إلى قوله : رحمة من ربك ( الكهف : 82 ) لما فيه من الإشعار بأن ربوبيته تقتضي رحمته ، وأنه رحيم بعبده ، كقوله : كلوا من رزق ربكم ( سبأ : 15 ) .

وقوله : ادعوا ربكم ( الأعراف : 55 ) واعبدوا ربكم ( الحج : 77 ) وهو كثير .

وقوله : إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ( الفتح : 1 - 2 ) ولم يقل : " لنغفر لك " تعليقا لهذه المغفرة التامة باسمه المتضمن لسائر أسمائه الحسنى ، ولهذا علق به النصر فقال : وينصرك الله نصرا عزيزا ( الفتح : 3 ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية