الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وشاهد ومشهود أي: ومن يشهد بذلك اليوم ويحضره من الخلائق المبعوثين فيه وما يحضر فيه من الأهوال والعجائب فيكون الله عز وجل قد أقسم سبحانه بيوم القيامة وما فيه تعظيما لذلك اليوم وإرهابا لمنكريه، وتنكير الوصفين للتعظيم؛ أي: وشاهد ومشهود لا يكتنه وصفهما أو للتكثير كما قيل في: علمت نفس ما أحضرت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الترمذي وجماعة عن أبي هريرة مرفوعا: «الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة» وروي ذلك عن أبي مالك الأشعري وجبير بن مطعم رضي الله تعالى عنهما مرفوعا أيضا، وأخرجه جماعة عن علي كرم الله تعالى وجهه وغيره من الصحابة والتابعين.

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه عنه مرفوعا أيضا: «الشاهد يوم عرفة، ويوم الجمعة، والمشهود يوم القيامة».

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن علي كرم الله تعالى وجهه: «الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم النجم».

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما وكرم وجههما أن رجلا سأله عن ذلك فقال: هل سألت أحدا قبلي؟ قال: نعم. سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا: يوم الذبح ويوم الجمعة. قال: لا، ولكن الشاهد محمد. وفي رواية جدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثم قرأ: وجئنا بك على هؤلاء شهيدا والمشهود يوم القيامة. ثم قرأ: ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وروى النسائي وجماعة من طرق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه والشاهد الله عز وجل والمشهود يوم القيامة. وعن مجاهد وعكرمة وعطاء بن يسار: الشاهد آدم عليه السلام وذريته والمشهود يوم القيامة. وعن ابن المسيب: الشاهد يوم التروية، والمشهود يوم عرفة. وعن الترمذي: الشاهد الحفظة والمشهود -أي عليه-: الناس. وعن عبد العزيز بن يحيى: هما رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمته عليه الصلاة والسلام، وعنه أيضا: هما الأنبياء عليهم السلام وأممهم. وعن ابن جبير ومقاتل: هما الجوارح وأصحابها. وقيل: هما يوم الاثنين ويوم الجمعة، وقيل: هما الملائكة المتعاقبون عليهم السلام وقرآن الفجر، وقيل: هما النجم والليل والنهار، وقيل: الشاهد الله تعالى والملائكة وأولو العلم والمشهود به الوحدانية، وإن الدين عند الله تعالى الإسلام، وقيل: الشاهد مخلوقاته تعالى، والمشهود به الوحدانية. وقيل: هما الحجر الأسود والحجيج، وقيل: الليالي والأيام وبنو آدم، فعن الحسن: ما من يوم إلا ينادي: إني يوم جديد، وإني على ما يعمل في شهيد فاغتنمني؛ فلو غابت شمسي لم تدركني إلى يوم القيامة. وقيل: أمة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وسائر [ ص: 87 ] الأمم. وجوز أن يراد بهما المقربون والعليون؛ لقوله تعالى: كتاب مرقوم يشهده المقربون وأن يراد بالشاهد الطفل الذي قال: يا أماه اصبري؛ فإنك على الحق كما سيجيء إن شاء الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      والمشهود له أمه والمؤمنون؛ لأنه إذا كانت أمه على الحق فسائر المؤمنين كذلك. وقيل: وجميع الأقوال في ذلك على ما وقفت عليه نحو من ثلاثين قولا، والوصف على بعضها من الشهادة بمعنى الحضور ضد المغيب، وعلى بعضها الآخر من الشهادة على الخصوم أوله شهادة الجوارح؛ بأن ينطقها الله تعالى الذي أنطق كل شيء، وكذا الحجر الأسود ولا بعد في حضوره يوم القيامة للشهادة للحجيج، وأما شهادة اليوم فيمكن أن تكون بعد ظهوره في صورة كظهور القرآن على صورة الرجل الشاحب إذ يتلقى صاحبه عند قيامه من قبره وظهور الموت في صورة كبش يوم القيامة حتى يذبح بين الجنة والنار إلى غير ذلك. وقال الشهاب: الله تعالى قادر على أن يحضر اليوم ليشهد ولم يبين كيفية ذلك؛ فإن كانت كما ذكرنا فذاك، وإن كانت شيئا آخر بأن يحضر نفس اليوم في ذلك اليوم؛ فالظاهر أنه يلزم أن يكون للزمان زمان؛ وهو إن جوزه من جوزه من المتكلمين لكن في الشهادة بلسان القال عليه خفاء، ومثلها نداء اليوم الذي سمعته آنفا عن الحسن إن كان بلسان القال أيضا دون لسان الحال كما هو الأرجح عندي. واختار أبو حيان من الأقوال على تقدير أن يراد بالشهادة الشهادة بالمعنى الثاني القول بأن الشاهد من يشهد في ذلك اليوم أعني اليوم الموعود يوم القيامة، وأن المشهود من يشهد عليه فيه، وعلى تقدير أن يراد بها الشهادة بالمعنى الأول القول بأن الشاهد الخلائق الحاضرون للحساب، وأن المشهود اليوم، ولعل تكرير القسم به وإن اختلف العنوان لزيادة تعظيمه فتأمل.

                                                                                                                                                                                                                                      وجواب القسم قيل: هو قوله تعالى: إن الذين فتنوا وقال المبرد هو قوله تعالى: إن بطش ربك لشديد وصرح به ابن جريج، وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود ما يدل عليه وقال غير واحد: هو

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية