الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                وأما المطلقة قبل الدخول فقد قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا } ثم قال : { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } أي في ذلك التربص . ثم قال : { الطلاق مرتان } فبين أن الطلاق الذي ذكره هو الطلاق الرجعي الذي يكون فيه أحق بردها : هو ( مرتان مرة بعد مرة كما إذا قيل للرجل : سبح مرتين . أو سبح ثلاث مرات . أو مائة مرة . فلا بد أن يقول : سبحان الله . سبحان الله . حتى يستوفي العدد . فلو أراد أن يجمل [ ص: 12 ] ذلك فيقول : سبحان الله مرتين أو مائة مرة . لم يكن قد سبح إلا مرة واحدة والله تعالى لم يقل : الطلاق طلقتان . بل قال : ( مرتان فإذا قال لامرأته : أنت طالق اثنتين أو ثلاثا أو عشرا أو ألفا . لم يكن قد طلقها إلا مرة واحدة {

                وقول النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين جويرية : لقد قلت بعدك أربع كلمات لو وزنت بما قلته منذ اليوم لوزنتهن : سبحان الله عدد خلقه . سبحان الله زنة عرشه . سبحان الله رضا نفسه . سبحان الله مداد كلماته
                } أخرجه مسلم في صحيحه فمعناه أنه سبحانه يستحق التسبيح بعدد ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم { ربنا ولك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد } ليس المراد أنه سبح تسبيحا بقدر ذلك . فالمقدار تارة يكون وصفا لفعل العبد وفعله محصور . وتارة يكون لما يستحقه الرب فذاك الذي يعظم قدره ; وإلا فلو قال المصلي في صلاته : سبحان الله عدد خلقه . لم يكن قد سبح إلا مرة واحدة . ولما شرع النبي صلى الله عليه وسلم أن يسبح دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ويحمد ثلاثا وثلاثين ويكبر ثلاثا وثلاثين . فلو قال : سبحان الله والحمد لله والله أكبر عدد خلقه . لم يكن قد سبح إلا مرة واحدة .

                ولا نعرف أن أحدا طلق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم امرأته ثلاثا بكلمة واحدة فألزمه النبي صلى الله عليه وسلم بالثلاث ولا روي في ذلك حديث صحيح ولا حسن ولا نقل أهل الكتب المعتد عليها في ذلك شيئا ; [ ص: 13 ] بل رويت في ذلك أحاديث كلها ضعيفة باتفاق علماء الحديث بل موضوعة ; بل الذي في صحيح مسلم وغيره من السنن والمسانيد عن طاووس عن ابن عباس أنه قال : كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر : طلاق الثلاث واحدة . فقال عمر : إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم .

                وفي رواية لمسلم وغيره عن طاووس أن أبا الصهباء قال لابن عباس : أتعلم إنما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وثلاثا من إمارة عمر ؟ فقال ابن عباس : نعم : وفي رواية : أن أبا الصهباء قال لابن عباس : هات من هناتك ألم يكن الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر واحدة ؟ قال : قد كان ذلك فلما كان في زمن عمر تتابع الناس في الطلاق فأجازه عليهم وروى الإمام أحمد في مسنده حدثنا سعيد بن إبراهيم حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق حدثني داود بن الحصين عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس أنه قال . { طلق ركانة بن عبد يزيد أخو بني المطلب امرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا ; قال : فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف طلقتها ؟ قال : طلقتها ثلاثا . قال ; فقال : في مجلس واحد ؟ قال : نعم . قال : فإنما تلك وحدة فأرجعها إن شئت قال : فرجعها } .

                فكان ابن عباس يرى أن الطلاق عند كل طهر ; وقد أخرجه أبو عبد الله المقدسي في كتابه " المختارة " الذي هو أصح من " صحيح الحاكم " . وهكذا روى أبو داود وغيره من حديث [ ص: 14 ] وقول النبي صلى الله عليه وسلم { في مجلس واحد } مفهومه أنه لو لم يكن في مجلس واحد لم يكن الأمر كذلك ; وذلك لأنها لو كانت في مجالس لأمكن في العادة أن يكون قد ارتجعها ; فإنها عنده والطلاق بعد الرجعة يقع . والمفهوم لا عموم له في جانب المسكوت عنه ; بل قد يكون فيه تفصيل كقوله : { إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث أو لم ينجسه شيء } وهو إذا بلغ قلتين فقد يحمل الخبث وقد لا يحمله . وقوله { في الإبل السائمة الزكاة } وهي إذا لم تكن سائمة قد يكون فيها الزكاة - زكاة التجارة - وقد لا يكون فيها وكذلك قوله : { من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه } ومن لم يقمها فقد يغفر له بسبب آخر .

                وكقوله : { من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه } وقوله تعالى تعالى : { إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله } ومن لم يكن كذلك فقد يعمل عملا آخر يرجو به رحمة الله مع الإيمان وقد لا يكون كذلك . فلو كان في مجالس فقد يكون له فيها رجعة وقد لا يكون : بخلاف المجلس الواحد الذي جرت عادة صاحبه بأنه لا يراجعها فيه ; فإن له فيه الرجعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : { ارجعها إن شئت } ولم يقل كما قال في حديث ابن عمر : { مره فليراجعها } فأمره بالرجعة والرجعة يستقل بها الزوج ; بخلاف المراجعة .

                وقد روى أبو داود وغيره { أن ركانة طلق امرأته ألبتة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم الله ما أردت إلا واحدة ؟ فقال : ما أردت بها إلا واحدة . [ ص: 15 ] فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم } وأبو داود لما لم يرو في سننه الحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده فقال : حديث " ألبتة " أصح من حديث ابن جريج { أن ركانة طلق امرأته ثلاثا } لأن أهل بيته أعلم ; لكن الأئمة الأكابر العارفون بعلل الحديث والفقه فيه : كالإمام أحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما وأبي عبيد وأبي محمد بن حزم وغيره : ضعفوا حديث ألبتة وبينوا أن رواته قوم مجاهيل ; لم تعرف عدالتهم وضبطهم وأحمد أثبت حديث الثلاث وبين أنه الصواب مثل قوله : حديث ركانة لا يثبت أنه طلق امرأته ألبتة . وقال أيضا : حديث ركانة في ألبتة ليس بشيء لأن ابن إسحاق يرويه عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس { أن ركانة طلق امرأته ثلاثا } وأهل المدينة يسمون من طلق ثلاثا طلق ألبتة .

                وأحمد
                إنما عدل عن حديث ابن عباس ; لأنه كان يرى أن الثلاث جائزة موافقة للشافعي . فأمكن أن يقال : حديث ركانة منسوخ . ثم لما رجع عن ذلك وتبين أنه ليس في القرآن والسنة طلاق مباح إلا الرجعي عدل : عن حديث ابن عباس لأنه أفتى بخلافه وهذا علة عنده في إحدى الروايتين عنه ; لكن الرواية الأخرى التي عليها أصحابه أنه ليس بعلة فيلزم أن يكون مذهبه العمل بحديث ابن عباس . وقد بين في غير هذا الموضع أعذار الأئمة المجتهدين - رضي الله عنهم - الذين ألزموا من أوقع جملة الثلاث بها مثل عمر رضي الله عنه فإنه لما رأى الناس قد أكثروا مما حرمه الله عليهم من جمع الثلاث ولا ينتهون عن ذلك إلا بعقوبة : [ ص: 16 ] رأى عقوبتهم بإلزامها ; لئلا يفعلوها . إما من نوع التعزير العارض الذي يفعل عند الحاجة كما كان يضرب في الخمر ثمانين ويحلق الرأس وينفي وكما منع النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين تخلفوا عن الاجتماع بنسائهم . وإما ظنا أن جعلها واحدة كان مشروطا بشرط وقد زال كما ذهب إلى مثل ذلك في متعة الحج : إما مطلقا وإما متعة الفسخ .

                والإلزام بالفرقة لمن لم يقم بالواجب : مما يسوغ فيه الاجتهاد ; لكن تارة يكون حقا للمرأة . كما في العنين والمولى عند جمهور العلماء والعاجز عن النفقة عند من يقول به . وتارة يقال : إنه حق لله كما في تفريق الحكمين بين الزوجين عند الأكثرين إذا لم يجعلا وكيلين وكما في وقوع الطلاق بالمولى عند من يقول بذلك من السلف والخلف إذا لم يف في مدة التربص وكما قال من الفقهاء من أصحاب أحمد وغيره : إنهما إذا تطاوعا في الإتيان في الدبر فرق بينهما والأب الصالح إذا أمر ابنه بالطلاق لما رآه من مصلحة الولد فعليه أن يطيعه كما قال أحمد وغيره كما { أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر أن يطيع أباه لما أمره أبوه بطلاق امرأته } .

                فالإلزام إما من الشارع . وإما من الإمام . بالفرقة إذا لم يقم الزوج بالواجب : هو من موارد الاجتهاد . فلما كان الناس إذا لم يلزموا بالثلاث يفعلون المحرم رأى عمر إلزامهم بذلك لأنهم لم يلزموا طاعة الله ورسوله مع بقاء النكاح ; ولكن كثير من الصحابة [ ص: 17 ] والتابعين نازعوا من قال ذلك ; إما لأنهم لم يروا التعزيز بمثل ذلك . وإما لأن الشارع لم يعاقب بمثل ذلك .

                وهذا فيمن يستحق العقوبة . وأما من لا يستحقها بجهل أو تأويل فلا وجه لإلزامه بالثلاث . وهذا شرع شرعه النبي صلى الله عليه وسلم كما شرع نظائره لم يخصه : ولهذا قال من قال من السلف والخلف : إن ما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم في فسخ الحج إلى العمرة - التمتع كما أمر به أصحابه في حجة الوداع - هو شرع مطلق كما أخبر به { لما سئل أعمرتنا هذه لعامنا هذا ؟ أم للأبد ؟ فقال : لا ; بل لأبد الأبد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة } . وإن قول من قال : إنما شرع للشيوخ لمعنى يختص بهم مثل بيان جواز العمرة في أشهر الحج : قول فاسد ; لوجوه مبسوطة في غير هذا الموضع . وقد قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } فأمر المؤمنين عند تنازعهم برد ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول . فما تنازع فيه السلف والخلف وجب رده إلى الكتاب والسنة .

                وليس في الكتاب والسنة ما يوجب الإلزام بالثلاث بمن أوقعها جملة بكلمة أو كلمات بدون رجعة أو عقدة ; بل إنما في الكتاب والسنة الإلزام بذلك من طلق الطلاق الذي أباحه الله ورسوله ; وعلى هذا [ ص: 18 ] يدل القياس والاعتبار بسائر أصول الشرع ; فإن كل عقد يباح تارة ويحرم تارة - كالبيع والنكاح - إذا فعل على الوجه المحرم لم يكن لازما نافذا كما يلزم الحلال الذي أباحه الله ورسوله ولهذا اتفق المسلمون على أن ما حرمه الله من نكاح المحارم ومن النكاح . في العدة ونحو ذلك يقع باطلا غير لازم وكذلك ما حرمه الله من بيع المحرمات : كالخمر والخنزير ; والميتة .

                وهذا بخلاف ما كان محرم الجنس كالظهار والقذف والكذب وشهادة الزور ونحو ذلك فإن هذا يستحق من فعله العقوبة بما شرعه الله من الأحكام ; فإنه لا يكون تارة حلالا وتارة حراما حتى يكون تارة صحيحا وتارة فاسدا . وما كان محرما من أحد الجانبين مباحا من الجانب الآخر - كافتداء الأسير واشتراء المجحود عتقه ورشوة الظالم لدفع ظلمة أو لبذل الحق الواجب وكاشتراء الإنسان المصراة وما دلس عيبه وإعطاء المؤلفة قلوبهم ليفعل الواجب أو ليترك المحرم وكبيع الجالب لمن تلقى منه ونحو ذلك فإن - المظلوم يباح له فعله وله أن يفسخ العقد وله أن يمضيه ; بخلاف الظالم فإن ما فعله ليس بلازم .

                والطلاق هو مما أباحه الله تارة وحرمه أخرى . فإذا فعل على الوجه الذي حرمه الله ورسوله لم يكن لازما نافذا كما يلزم ما أحله الله ورسوله كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه [ ص: 19 ] قال : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } وقد قال تعالى : { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } فبين أن الطلاق الذي شرعه الله للمدخول بها - وهو الطلاق الرجعي - ( مرتان وبعد المرتين : إما { فإمساك بمعروف } بأن يراجعها فتبقى زوجته وتبقى معه على طلقة واحدة .

                وإما { تسريح بإحسان } بأن يرسلها إذا انقضت العدة كما قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا } ثم قال بعد ذلك : { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } وهذا هو الخلع سماه " افتداء " لأن المرأة تفتدي نفسها من أسر زوجها كما يفتدي الأسير والعبد نفسه من سيده بما يبذله .

                قال تعالى : { فإن طلقها } يعني الطلقة الثالثة { فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } . { فإن طلقها } يعني هذا الزوج الثاني { فلا جناح عليهما } يعني عليها وعلى الزوج الأول { أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله } وكذلك قال الله تعالى : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } { فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا } { ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا } .

                وفي الصحيح والسنن والمسانيد عن { عبد الله بن عمر : أنه طلق امرأته وهي حائض . فذكر عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فتغيظ عليه النبي صلى الله عليه وسلم . وقال . مره فليراجعها حتى تحيض ثم تطهر ثم إن شاء بعد أمسكها . وإن شاء طلقها قبل أن يجامعها . فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء } وفي رواية في الصحيح : { أنه أمره أن يطلقها طاهرا أو حاملا } وفي رواية في الصحيح " قرأ النبي صلى الله عليه وسلم { إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } . وعن ابن عباس وغيره من الصحابة : الطلاق على " أربعة أوجه " : وجهان حلال . ووجهان حرام . فأما اللذان هما حلال فأن يطلق امرأته طاهرا في غير جماع . أو يطلقها حاملا قد استبان حملها .

                وأما اللذان هما حرام فأن يطلقها حائضا . أو يطلقها بعد الجماع لا يدري اشتمل الرحم على ولد أم لا رواه الدارقطني وغيره . وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يحل له أن يطلقها إلا إذا طهرت من الحيض قبل أن يجامعها ; وهذا هو الطلاق للعدة . أي لاستقبال العدة فإن ذلك الطهر أو العدة . فإن طلقها قبل العدة يكون قد طلقها قبل الوقت الذي أذن الله فيه ويكون قد طول عليها التربص وطلقها من غير حاجة به إلى [ ص: 21 ] طلاقها .

                والطلاق في الأصل مما يبغضه الله وهو أبغض الحلال إلى الله وإنما أباح منه ما يحتاج إليه الناس كما تباح المحرمات للحاجة ; فلهذا حرمها بعد الطلقة الثالثة حتى تنكح زوجا غيره عقوبة له لينتهي الإنسان عن إكثار الطلاق . فإذا طلقها لم تزل في العدة متربصة ثلاثة قروء وهو مالك لها يرثها وترثه وليس له فائدة في تعجيل الطلاق قبل وقته ; كما لا فائدة في مسابقة الإمام ; ولهذا لا يعتد له بما فعله قبل الإمام ; بل تبطل صلاته إذا تعمد ذلك في أحد قولي العلماء وهو لا يزال معه في الصلاة حتى يسلم .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية