الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              3277 [ ص: 618 ] 51 - [باب] حديث أبرص وأعمى وأقرع [في بني إسرائيل]

                                                                                                                                                                                                                              3464 - حدثني أحمد بن إسحاق، حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا همام، حدثنا إسحاق بن عبد الله قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة، أن أبا هريرة حدثه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم -. وحدثني محمد، حدثنا عبد الله بن رجاء، أخبرنا همام، عن إسحاق بن عبد الله قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي عمرة، أن أبا هريرة - رضي الله عنه - حدثه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن ثلاثة في بني إسرائيل: أبرص وأقرع وأعمى بدا لله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكا، فأتى الأبرص. فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، قد قذرني الناس. -قال: - فمسحه، فذهب عنه، فأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا. فقال: أي المال أحب إليك؟ قال: الإبل -أو قال: البقر. هو شك في ذلك، إن الأبرص والأقرع، قال أحدهما: الإبل، وقال الآخر: البقر -فأعطي ناقة عشراء. فقال: يبارك لك فيها. وأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عني هذا، قد قذرني الناس. -قال: - فمسحه فذهب، وأعطي شعرا حسنا. قال: فأي المال أحب إليك؟ -قال: البقر. قال: - فأعطاه بقرة حاملا، وقال: يبارك لك فيها. وأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال يرد الله إلي بصري، فأبصر به الناس -قال: - فمسحه، فرد الله إليه بصره. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم. فأعطاه شاة والدا، فأنتج هذان، وولد هذا، فكان لهذا واد من إبل، ولهذا واد من بقر، ولهذا واد من الغنم. ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين، تقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرا أتبلغ عليه في سفري. فقال له: إن الحقوق كثيرة. فقال له: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيرا فأعطاك الله؟ فقال: لقد ورثت [ ص: 619 ] لكابر عن كابر. فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت، وأتى الأقرع في صورته وهيئته، فقال له: مثل ما قال لهذا، فرد عليه مثل ما رد عليه هذا، فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت. وأتى الأعمى في صورته، فقال: رجل مسكين وابن سبيل وتقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ اليوم إلا بالله، ثم بك أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فرد الله بصري، وفقيرا فقد أغناني، فخذ ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله. فقال: أمسك مالك، فإنما ابتليتم، فقد - رضي الله عنك - وسخط على صاحبيك ". 6653 - مسلم: 2964 - فتح: 6 \ 500]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكره من طريقين إلى عبد الرحمن بن أبي عمرة أن أبا هريرة - رضي الله عنه - حدثه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن ثلاثة في بني إسرائيل: أقرع وأبرص وأعمى بدا لله أن يبتليهم.. " فساق الحديث بطوله.

                                                                                                                                                                                                                              ورواه في أحد طريقيه عن محمد. قال الجياني: لعله الذهلي. وكذا ساقه أبو نعيم من حديث محمد بن يحيى، وعلقه البخاري في الأيمان والنذور فقال: وقال عمرو بن عاصم: ثنا همام به.

                                                                                                                                                                                                                              وأبو عمرة بشير بن عمرو بن محصن بن عتيك بن عمرو بن مبذول بن مالك بن النجار، له صحبة، قتل بصفين مع علي كما سبق.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى "بدا لله": سبق في علم الله، فأراد فعله وإظهاره في الخارج. وقيل: معناه: قضى الله أن يبتليهم. وفي مسلم: "أراد الله". وقيل: [ ص: 620 ] صوابه بدأ الله. قال الخطابي: ومن قال فيه: (بدا لله) غلط; لأن البداء على الله غير جائز; لأنه لغة موضوع تغير الأمر عما كان عليه، تقول: بدا لي في هذا الأمر، أي: تغير رأيي عما كان عليه، فليس هو على ظاهره، بل المراد أظهر الله ذلك وأوقعه ولم يزل ذلك في مكنون غيبه مرادا.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("يبتليهم") وروي أيضا "يبليهم" بإسقاط التاء المثناة فوق يريد الاختبار

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("قذرني الناس") هو بكسر الذال المعجمة أي: كرهوني، والأقرع: الذي ذهب شعر رأسه. والناقة العشراء: هي التي أتى على حملها تمام عشرة أشهر من يوم أرسل عليها الفحل وزال عنها اسم المخاض، وقيل: إلى أن تلد وبعدما تضع، وهي من أنفس الإبل.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("أعطاه شاة والدا") أي: ذات ولد.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("فأنتج هذان") كذا وقع وهي لغة قليلة، والفصيح عند أهل اللغة: نتجت الناقة -بضم النون- ونتجها أهلها والمعنى أصغر ما تلد عند ولادته، وقال بعضهم: أنتجت الفرس: حملت، فهي نتوج، ولا يقال: منتج.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("تقطعت بي الحبال") هو بالحاء المهملة. أي: العهود والوسائل فكأنه قال: تقطعت بي الأسباب التي كنت أرجو التوصل بها، ويروى بالجيم، ويروى الحيل جمع حيلة وهو صحيح. وقال ابن [ ص: 621 ] التين: أراد أنك كنت كذا، كقوله: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة الآية، وهذا من المعاريض التي فيها مندوحة عن الكذب وضرب الأمثال للمخاطب ليتعظ.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("فلا بلاغ") أي: لا وصول إلى ما أريد.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("لقد ورثت كابرا عن كابر") وفي رواية "لكابر" أي: كبيرا عن كبير في الشرف والعز، حمله بخله على نسيان نعمة الله عليه وعلى الكذب.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("فوالله لا أحمدك اليوم بشيء أخذته لله") أي: لا أحمدك اليوم على ترك شيء أو إبقائه لطيب نفسي بما تأخذه.

                                                                                                                                                                                                                              وفي مسلم: "لا أجهدك" أي: لا أشق عليك بالرد والمنة، يقال: جهدته وأجهدته أي: بلغت مشقته، وقد يكون هنا من الجهد الذي يعيش به المقل، أي: أقلل لك فيما تأخذه، من قوله تعالى: والذين لا يجدون إلا جهدهم كذا رواه الجمهور بجيم وهاء، وعند ابن ماهان بالحاء والميم، ووقع في البخاري بالوجهين، لكن الذي في الأصول ما قدمته، والمشهور في مسلم بالجيم، وهنا بالحاء، وكأن لفظة الترك محذوفة مرادة كما أسلفناه. وفي الحديث ذكر الرجل بما فيه من العيوب وأنه ليس غيبة، وأن النعم إنما تثبت بالشكر وردها إلى المنعم.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أن الصدقة تطفئ غضب الرب -جل وعلا- وفيه: إكرام الضعفاء والحث على ذلك، والحذر من كسر قلوبهم واحتقارهم.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 622 ]



                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية