الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                صفحة جزء
                                                                                5558 ( 14 ) حدثنا عبيد الله بن موسى قال أخبرنا موسى بن عبيدة عن عبد الله بن عبيدة أن أبا سفيان وحكيم بن حزام وصفوان بن أمية خرجوا يوم حنين ينظرون على من تكون الدبرة ، فمر بهم أعرابي فقالوا : يا عبد الله ، ما فعل الناس ؟ قال : يستقبلها محمد أبدا ، قال : وكذلك حين تفرق عنه أصحابه ، فقال بعضهم لبعض : لرب من قريش أحب إلينا من رب الأعراب ، يا فلان اذهب فأتنا بالخبر لصاحب لهم ، قال : فذهب حتى كان بين ظهراني القوم ، فسمعهم يقولون : يا للأوس يا للخزرج ، وقد علوا القوم ، وكان شعار النبي عليه الصلاة والسلام .

                                                                                ( 15 ) حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن أبي سعيد الخدري قال : لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم السبي بالجعرانة أعطى عطايا قريشا وغيرها من العرب ، ولم يكن في الأنصار منها شيء ، فكثرت القالة وفشت حتى قال قائلهم : أما رسول الله فقد لقي قومه ، قال : فأرسل إلى سعد بن عبادة فقال : ما مقالة بلغتني على قومك أكثروا فيها ، قال : فقال له سعد : فقد كان ما بلغك قال : فأين أنت من ذلك ؟ قال : ما أنا إلا رجل من قومي ، قال : فاشتد غضبه وقال : اجمع قومك ولا يكن معهم غيرهم ، قال : فجمعهم في حظيرة من حظائر النبي صلى الله عليه وسلم وقام على [ ص: 554 ] بابها وجعل لا يترك إلا من كان من قومه وقد ترك رجالا من المهاجرين ، وزاد أناسا ، قال : ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب فقال : يا معشر الأنصار ، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله ، فجعلوا يقولون : نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ، يا معشر الأنصار ، ألم أجدكم عالة فأغناكم الله ؟ فجعلوا يقولون : نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ، يا معشر الأنصار ، ألم أجدكم أعداء فألف الله بين قلوبكم ، فيقولون : نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ، فقال : ألا تجيبون ؟ قالوا : الله ورسوله آمن وأفضل ، فلما سري عنه قال : ولو شئتم لقلتم فصدقتم : ألم نجدك طريدا فآويناك ، ومكذبا فصدقناك ، وعائلا فآسيناك ، ومخذولا فنصرناك ، فجعلوا يبكون ويقولون : الله ورسوله آمن وأفضل ، قال : أوجدتم من شيء من دنيا أعطيتها قوما أتألفهم على الإسلام ووكلتكم إلى إسلامكم ، لو سلك الناس واديا أو شعبا وسلكتم واديا أو شعبا لسلكت واديكم أو شعبكم ، أنتم شعار والناس دثار ، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ثم رفع يديه حتى إني لأرى ما تحت منكبيه فقال : اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار ، أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وتذهبون برسول الله إلى بيوتكم فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم ، وانصرفوا وهم يقولون : رضينا بالله ربا وبرسوله حظا ونصيبا .

                                                                                ( 16 ) حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة قال أخبرنا يعلى بن عطاء عن أبي همام عبد الله بن يسار عن أبي عبد الرحمن الفهري قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين ، فسرنا في يوم قائظ شديد الحر ، فنزلنا تحت ظلال الشجر ، فلما زالت الشمس لبست لأمتي وركبت فرسي ، فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في فسطاطه فقلت : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله ، الرواح حان الرواح ، فقال : أجل ، فقال : يا بلال ، فثار من تحت سمرة كأن ظله ظل طائر ، فقال : لبيك وسعديك وأنا فداؤك ، فقال : أسرج لي فرسي ، فأخرج سرجا دفتاه من ليف ، ليس فيهما أشر ولا بطر ، قال : فأسرج ، قال : فركب وركبنا فصاففناهم عشيتنا وليلتنا ، فتشامت الخيلان ، فولى المسلمون مدبرين كما قال الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عباد الله : أنا عبد الله ورسوله ؛ ثم قال : يا معشر المهاجرين ، أنا عبد الله ورسوله ، ثم اقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرسه فأخذ كفا من تراب ، فأخبرني الذي كان أدنى إليه مني أنه ضرب به وجوههم ، وقال : شاهت الوجوه ، قال : فهزمهم الله ، قال يعلى بن عطاء : فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا : لم [ ص: 555 ] يبق منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه ترابا ، وسمعنا صلصلة بين السماء والأرض كإمرار الحديد على الطست الجديد

                                                                                التالي السابق


                                                                                الخدمات العلمية