الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 669 ) فصل : واختلفت الرواية عن أحمد ; هل هي آية من الفاتحة يجب قراءتها في الصلاة ، أو لا ؟ فعنه أنها من الفاتحة . وذهب إليه أبو عبد الله ابن بطة ، وأبو حفص . وهو قول ابن المبارك ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبي عبيد . قال ابن المبارك : من ترك ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقد ترك مائة وثلاث عشرة آية .

                                                                                                                                            وكذلك قال الشافعي : هي آية من كل سورة ; لحديث أم سلمة . وروى أبو هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا قرأتم : الحمد لله رب العالمين ، فاقرءوا : بسم الله الرحمن الرحيم . فإنها أم الكتاب ، وإنها السبع المثاني ، و [ ص: 286 ] بسم الله الرحمن الرحيم آية منها } . ولأن الصحابة رضي الله عنهم ، أثبتوها في المصاحف بخطها ، ولم يثبتوا بين الدفتين سوى القرآن . وروي عن أحمد ، أنها ليست من الفاتحة ، ولا آية من غيرها ، ولا يجب قراءتها في الصلاة . وهي المنصورة عند أصحابه ، وقول أبي حنيفة ، ومالك ، والأوزاعي ، وعبد الله بن معبد الزماني .

                                                                                                                                            واختلف عن أحمد فيها ، فقيل عنه : هي آية مفردة كانت تنزل بين سورتين ، فصلا بين السور . وعنه : إنما هي بعض آية من سورة النمل . كذلك قال عبد الله بن معبد ، والأوزاعي : ما أنزل الله " بسم الله الرحمن الرحيم " إلا في سورة { إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم } .

                                                                                                                                            والدليل على أنها ليست من الفاتحة ، ما روى أبو هريرة ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول { : قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : العبد : الحمد لله رب العالمين . قال الله تعالى : حمدني عبدي . فإذا قال : الرحمن الرحيم . قال الله : أثنى علي عبدي . فإذا قال : مالك يوم الدين . قال الله : مجدني عبدي . فإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين . قال الله : هذا بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل . فإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين . قال : هذا لعبدي ، ولعبدي ما سأل } . أخرجه مسلم .

                                                                                                                                            فلو كانت ( بسم الله الرحمن الرحيم ) آية لعدها ، وبدأ بها ، ولم يتحقق التنصيف ، لأن آيات الثناء تكون أربعا ونصفا ، وآيات الدعاء اثنتين ونصفا . وعلى ما ذكرناه يتحقق التنصيف . فإن قيل : فقد روى عبد الله بن زياد بن سمعان : { يقول عبدي إذا افتتح الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم . فيذكرني عبدي } . قلنا : ابن سمعان متروك الحديث ، لا يحتج به . قاله الدارقطني . واتفاق الرواة على خلاف روايته أولى بالصواب .

                                                                                                                                            وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { سورة هي ثلاثون آية شفعت لقارئها ، ألا وهي تبارك الذي بيده الملك } . وهي ثلاثون آية سوى " بسم الله الرحمن الرحيم " ، وأجمع الناس على أن سورة الكوثر ثلاث آيات ، بدون ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ولو كانت منها لكانت أربعا ، ولأن مواضع الآي تجري مجرى الآي أنفسها ، في أنها لا تثبت إلا بالتواتر ، ولم ينقل في ذلك تواتر .

                                                                                                                                            فأما قول أم سلمة فمن رأيها ، ولا ينكر الاختلاف في ذلك . على أننا نقول : هي آية مفردة للفصل بين السور . وحديث أبي هريرة موقوف عليه ، فإنه من رواية أبي بكر الحنفي عن عبد الحميد بن جعفر ، عن نوح بن أبي بلال ، قال قال أبو بكر : راجعت فيه نوحا فوقفه . وهذا يدل على أن رفعه كان وهما من عبد الحميد . وأما إثباتها بين السور في المصحف ، فللفصل بينها ، ولذلك أفردت سطرا على حدتها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية