الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( ولا يجوز بيع العين الغائبة إذا جهل جنسها أو نوعها لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن بيع الغرر } وفي بيع ما لا يعرف جنسه أو نوعه غرر كبير ، فإن علم الجنس والنوع بأن قال : بعتك الثوب المروي الذي في كمي ، أو العبد الزنجي الذي في داري ، أو الفرس الأدهم الذي في إصطبلي ففيه قولان قال في القديم والصرف : يصح ويثبت له الخيار إذا رآه ، لما روى ابن أبي مليكة " أن عثمان رضي الله عنه ابتاع من طلحة أرضا بالمدينة ناقله بأرض له بالكوفة فقال عثمان : بعتك ما لم أره ، فقال طلحة : إنما النظر لي لأني ابتعت مغيبا وأنت قد رأيت ما ابتعت فتحاكما إلى جبير بن مطعم فقضى على عثمان أن البيع جائز ، وأن النظر لطلحة لأنه ابتاع مغيبا . ولأنه عقد على عين فجاز مع الجهل بصفته كالنكاح ( وقال ) في الجديد : لا يصح لحديث أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن بيع الغرر } وفي هذا البيع غرر ولأنه نوع بيع فلم يصح مع الجهل بصفة المبيع كالسلم ( فإذا قلنا ) بقوله القديم فهل تفتقر صحة البيع إلى ذكر الصفات أم لا ؟ فيه ثلاثة أوجه ( أحدها ) أنه لا يصح حتى تذكر جميع الصفات كالمسلم فيه ( والثاني ) لا يصح ، حتى تذكر [ ص: 349 ] الصفات المقصودة ( والثالث ) أنه لا يفتقر إلى ذكر شيء من الصفات ، وهو المنصوص في الصرف لأن الاعتماد على الرؤية ، ويثبت له الخيار إذا رآه فلا يحتاج إلى ذكر الصفات فإن وصفه ثم وجده على خلاف ما وصف ثبت له الخيار ، وإن وجده على ما وصف أو أعلا ، ففيه وجهان ( أحدهما ) لا خيار له لأنه وجده على ما وصف فلم يكن له خيار كالمسلم فيه ( والثاني ) أن له الخيار ، لأنه يعرف ببيع خيار الرؤية فلا يجوز أن يخلو من الخيار .

                                      وهل يكون الخيار على الفور أم لا ؟ فيه وجهان ( قال ) ابن أبي هريرة : هو على الفور لأنه خيار تعلق بالرؤية ، فكان على الفور وخيار الرد بالعيب ( وقال ) أبو إسحاق : يتقدر الخيار بالمجلس لأن العقد إنما يتم بالرؤية فيصير كأنه عقد عند الرؤية ، فيثبت له خيار كخيار المجلس ( وأما ) إذا رأى المبيع قبل العقد ثم غاب عنه ثم اشتراه ، فإن كان مما لا يتغير كالعقار وغيره جاز بيعه ، وقال أبو القاسم الأنماطي : لا يجوز في قوله الجديد ، لأن الرؤية شرط في العقد ، فاعتبر وجودها في حال العقد كالشهادة في النكاح ، والمذهب : الأول ، لأن الرؤية تراد للعلم بالمبيع وقد حصل العلم بالرؤية المتقدمة ، فعلى هذا إذا اشتراه ثم وجده على الصفة الأولى أخذه ، وإن وجده ناقصا فله الرد ; لأنه ما التزم العقد فيه إلا على تلك الصفة ، وإن اختلفا فقال البائع لم يتغير ، وقال المشتري : تغير . فالقول قول المشتري ، لأنه يؤخذ منه الثمن فلا يجوز من غير رضاه وإن كان مما يجوز أن يتغير ويجوز أن لا يتغير أو يجوز أن يبقى ويجوز أن لا يبقى ، ففيه وجهان ( أحدهما ) أنه لا يصح ، لأنه مشكوك في بقائه على صفته ( والثاني ) يصح ، وهو المذهب ، لأن الأصل بقاؤه على صفته فصح بيعه قياسا على ما لا يتغير ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث أبي هريرة صحيح سبق بيانه أول الباب .

                                      والأثر المذكور عن عثمان وطلحة رواه البيهقي بإسناد حسن ، لكن فيه رجل مجهول مختلف في الاحتجاج به ، وقد روى مسلم له في صحيحه .

                                      ( قوله ) : " الثوب المروي " بإسكان الراء بلا خلاف ولا يجوز فتحها : منسوب إلى مرو المدينة المشهورة بخراسان ، والزنجي - بفتح الزاي وكسرها - [ ص: 350 ] والإصطبل بهمزة قطع ( قوله ) : قال في القديم والصرف أي في بيان الصرف من الكتب الجديدة ، وهو أحد كتب الأم وابن أبي مليكة اسمه عبد الله بن عبد الله بن أبي مليكة اسم أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان - بضم الجيم وإسكان الدال المهملة - ابن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمي المكي ، كنيته أبو بكر ، كان قاضي مكة لعبد الله بن الزبير ومؤذنا له ، توفي سنة سبع عشرة ( وقوله ) " ناقله بأرض له بالكوفة " هو - بالنون والقاف - أي بادله بها ، ونقل كل واحد ملكه إلى موضع الآخر ( وقوله ) ابتعت مغيبا هو - بضم الميم وفتح الغين المعجمة وفتح الياء المشددة - ( وقوله : ) عقد على عين هو احتراز من السلم ( وقوله ) نوع بيع ، احتراز من الوصية والنكاح ( وقوله : ) خيار تعلق بالرؤية احتراز من اختيار الفسخ كالإعسار بالنفقة . ( أما الأحكام ) فقد سبق أنه يشترط العلم بقدر المبيع وعينه وصفته وهذا الفصل مع الفصول التي بعده متعلقة بصفة المبيع ، وفي الفصل مسائل : ( إحداها ) في بيع الأعيان الحاضرة التي لم تر قولان مشهوران ( قال ) في القديم والإملاء والصرف من الجديد : يصح ( وقال ) في الأم والبويطي وعامة الكتب الجديدة : لا يصح . قال الماوردي في الحاوي : نص الشافعي في ستة كتب على صحته في القديم والإملاء والصلح والصداق والصرف والمزارعة ، ونص في ستة كتب أنه لا يصح في الرسالة والسير والإجارة والغصب والاستبراء والتصرف في العروض . واختلف الأصحاب في الأصح من القولين فصحح البغوي والروياني صحته ، وصحح الأكثرون بطلانه ، ممن صححه المزني والبويطي والربيع ، وحكاه عنهم الماوردي ، وصححه أيضا الماوردي والمصنف في التنبيه والرافعي في المحرر ، وهو الأصح ، وعليه فتوى الجمهور من الأصحاب ، [ ص: 351 ] وعليه يفرعون فيما عدا هذا الموضع ، ويتعين هذا القول لأنه الآخر من نص الشافعي فهو ناسخ لما قبله . قال البيهقي في كتابه معرفة السنن والآثار في أول كتاب البيوع : جوز الشافعي بيع الغائب في القديم وكتاب الصلح والصرف وغيرهما ، ثم رجع فقال : لا يجوز لما فيه من الغرر ، والله أعلم .

                                      وفي محل القولين ثلاث طرق ( أصحها ) طردهما فيما لم يره المتعاقدان أو أحدهما ، ولا فرق بينهما ( والثاني ) أنهما فيما رآه البائع دون المشتري ، فإن لم يره البائع فباطل قطعا ، لأنه يقتضي الخيار ، والخيار في جانب البائع تعبد ( والثالث ) إن رآه المشتري صح قطعا ، سواء رآه البائع أم لا فإن لم يره ففيه القولان ، لأن المشتري محصل ، والبائع معرض ، والاحتياط للمحصل أولى ، وهذا الطريق هو اختيار العراقيين ، قال أصحابنا ويجري القولان في بيع الغائب وشرائه في إجارته وكونه رأس مال سلم إذا سلمه في المجلس ، وفي المصالحة عليه ، وفي وقفه ( وأما ) إذا أصدقها عينا غائبة ، أو خالعها عليها أو عفى عن القصاص ، صح النكاح ، وحصلت البينونة في الخلع ، وسقط القصاص ، ولا خلاف في هذه الثلاثة . وفي صحة المسمى فيها القولان ، فإن لم نصحح وجب مهر المثل لها في مسألة الصداق وله في مسألة الخلع . ووجبت الدية على المعفو عنه وفي رهن الغائب وهبته القولان ، وقيل : هما أولى بالصحة لعدم الغرر ، ولهذا إذا صححناهما فلا خيار عند الرؤية ( الثانية ) إذا لم نجوز بيع الغائب وشراءه فعليه فروع ( أحدها ) استقصاء الأوصاف على الحد المعتبر في السلم ، هل يقوم مقام الرؤية ؟ وكذا سماع وصفه بطريق التواتر ، فيه وجهان ( أصحهما ) لا يقوم ، وبه قطع العراقيون ( الثاني ) إذا كان الشيء مما لا يستدل برؤية بعضه على الباقي فإن كان المرئي صوانا له - بكسر الصاد وضمها - كقشر الرمان والبيض والقشر الأسفل [ ص: 352 ] من الجوز واللوز وقشر البندق ونحوه كالخشكنان كفى رؤيته ، وصح البيع بلا خلاف ، ولا يصح بيع لب الجوز واللوز ونحوهما بانفراده ما دام في قشره بلا خلاف ، لأن تسليمه لا يمكن إلا بتغيير عين المبيع .

                                      ( أما ) إذا رأى المبيع من وراء قارورة هو فيها ، لم يكف بل هو بيع غائب ، لأن المعرفة التامة لا تحصل به ، وليس فيه صلاح له ، بخلاف السمك يراه في الماء الصافي مع سهولة أخذه ، فإنه يصح بيعه كما سبق ، وكذا الأرض يعلوها ماء صاف ، لأن الماء من صلاحها ( وأما ) إذا لم يكن كذلك فلا يكفي رؤية البعض على قولنا ببطلان بيع الغائب ( وأما ) التفريع على القول الآخر فسيأتي إن شاء الله تعالى ( الثالث ) قال أصحابنا : الرؤية في كل شيء بحسب ما يليق به ، ففي شراء الدار يشترط رؤية البيوت والسقوف والسطوح والجدران داخلا وخارجا ، والمستحم والبالوعة ، وفي البستان يشترط رؤية الجدران والأشجار والأرض ومسايل الماء ، ولا يشترط رؤية أساس البنيان والبستان والدار ، ولا عروق الأشجار ونحو ذلك . وفي اشتراط رؤية طريق الدار والماء الذي يدور به الرحى وجهان ( أصحهما ) الاشتراط لاختلاف الغرض به ، قال أصحابنا : ويشترط في العبد رؤية الوجه والأطراف ولا تجوز رؤية العورة ، وفي باقي البدن وجهان ( أصحهما ) الاشتراط ، وبه قطع البغوي وأبو الحسن العبادي في كتاب الرقم وفي الجارية أوجه ( أصحها ) كالعبد ( والثاني ) يشترط رؤية ما يبدو عند الخدمة والتصرف ( والثالث ) يكفي رؤية الوجه والكفين وفي الأسنان واللسان وجهان ( الأصح ) لا يشترط ، وفي رؤية الشعر وجهان ( أصحهما ) الاشتراط . ويشترط في الدواب رؤية مقدمها ومؤخرها وقوائمها ورفع السرج أو الإكاف والجل ، وهل يشترط أن تجري الفرس بين يديه ليعرف سيرها ؟ فيه وجهان حكاهما الروياني [ ص: 353 ] والرافعي ( الأصح ) لا يشترط ويشترط في الثوب المطوي نشره ، هكذا أطلقه الأصحاب وقطعوا به .

                                      ( قال ) إمام الحرمين : يحتمل عندي أن لا يشترط النشر في بيع الثوب التي لا تنشر أصلا عند العقد ، لما في نشرها من النقص والضرر . ثم إذا نشرت الثياب فما كان منها صفيقا كالديباج المنقوش اشترط رؤية وجهيه ، وكذا رؤية وجهي البسط والزلالي . وأما ما كان رفيعا كالكرباس فيكفي رؤية أحد وجهيه على أصح الوجهين ( قال ) أصحابنا : ولا يصح بيع الثياب التوزية في المنسوج على هذا القول ، وهي التوزية - بتاء مثناة فوق مفتوحة ثم واو مفتوحة مشددة ثم زاي - ويشترط في شراء المصحف وكتب الحديث والفقه وغيرها تقليب الأوراق ، ورؤية جميعها ، وفي الورق البياض يشترط رؤية جميع الطاقات ، وممن صرح به القاضي والرافعي والبغوي وغيرهم .

                                      ( فرع ) أما القفاع فقال أبو الحسن العبادي : يفتح رأسه فينظر فيه بقدر الإمكان ليصح بيعه . وأطلق الغزالي في الإحياء أنه يصح بيعه من غير اشتراط رؤية ، وهذا هو الأصح لأن بقاءه في الكوز من مصالحه ، ولأنه تشق رؤيته ، ولأنه قدر يسير يتسامح به في العادة ، وليس فيه غرر يفوت به مقصود معتبر .

                                      ( المسألة الثالثة ) إذا جوزنا بيع الغائب فعليه فروع ( أحدها ) إذا لم تشترط الرؤية اشترط ذكر الجنس والنوع ، فيقول : بعتك عبدي التركي ، وفرسي العربي ، أو الأدهم أو ثوبي المروي ، أو الحنطة الجبلية ، أو السهلية ونحو ذلك ، فلو أخل بالجنس والنوع فقال : بعتك ما في كفي [ ص: 354 ] أو كمي أوخزانتي أو ميراثي من فلان ، ولم يكن المشتري والبائع يعرف ذلك لم يصح البيع ، هذا هو المذهب ، وبه قطع المصنف والجمهور . وفيه وجه أنهما لا يشترطان ، فيصح بيع ما في الكم ونحوه ، ووجه ثالث أنه يشترط ذكر الجنس دون النوع ، فيقول : عبدي ، وهذان الوجهان حكاهما الخراسانيون وهما شاذان ضعيفان . وإذا ذكر الجنس والنوع ففي افتقاره مع ذلك إلى ذكر الصفات ثلاثة أوجه مشهورة ، ذكرها المصنف بأدلتها ( أصحها ) عند الأصحاب : لا يفتقر ، وهو المنصوص في القديم والإملاء والصرف ( والثاني ) : يفتقر إلى ذكر معظم الصفات ، وضبط الأصحاب ذلك بما يصف به المدعي عند القاضي ( والثالث ) : يفتقر إلى ذكر صفات السلم ، وهذان الوجهان ضعيفان ، والثالث أضعف من الثاني والثاني قول القاضي أبي حامد المروزي والثالث قول أبي علي الطبري فعلى المنصوص لو كان له عبدان من نوع فباع أحدهما اشترط تمييزه بسن أو غيره - قال الماوردي : واتفق أصحابنا على أنه لا يشترط ذكر جميع الصفات ، فإن وصفها بجميعها فوجهان ( أحدهما ) وهو قول أصحابنا البغداديين : يصح لأنه أبلغ في نفي الغرر ( والثاني ) وهو قول البصريين : لا يصح لأنه يصير في السلم ، والسلم في الأعيان لا يجوز ، وهذا شاذ ضعيف .

                                      ( فرع ) قال الماوردي : إن كان المبيع مما لا ينقل كالدار والأرض اشترط ذكر البلد الذي هو فيه ، فيقول بعتك دارا ببغداد ، وفي اشتراط ذكر البقعة من البلد وجهان ، وإن كان مما ينقل كالعبد والثوب اشترط ذكر البلد الذي هو فيه ، لأن القبض يتعجل إن كان قريبا أو يؤجل إن كان بعيدا أو لا يشترط ذكر البقعة من البلد ، وإذا ذكر البلد الذي فيه المبيع لزمه تسليمه فيه لا في غيره فإن شرط المشتري على البائع أن يسلمه في بلد البيع وكان المبيع في غيره فالبيع باطل بخلاف السلم ، لأنه في الذمة هذا كلام الماوردي ، وحكاه الرافعي عن بعض الأصحاب وسكت عليه . [ ص: 355 ] الثاني ) إذا شرطنا الوصف فوصفه ، فإن وجده دون ما وصف ، فللمشتري الخيار بلا خلاف ، وإن وجده كما وصف فطريقان ( أحدهما ) القطع بثبوت الخيار وبه قطع المصنف في التنبيه وجماعة وهو المنصوص ( وأشهرهما ) أنه على وجهين ذكرهما المصنف بدليلهما هنا ( أصحهما ) ثبوته ( أما ) إذا قلنا : لا يشترط فللمشتري الخيار عند الرؤية ، سواء كان شرط الخيار أم لا ، هذا هو المذهب ، وفيه وجه أنه لا يثبت إلا أن يكون شرطه والصحيح : الأول ، وهل له الخيار قبل الرؤية حتى ينفذ فسخه وإجازته ؟ فيه ثلاثة أوجه ( أحدها ) ينفذان ( والثاني ) لا ينفذ واحد منهما ( والثالث ) وهو الصحيح ينفذ فسخه قبل الرؤية دون إجازته .

                                      هذا كله في المشتري ( وأما ) البائع ففيه ثلاثة أوجه ( أصحهما ) لا خيار له سواء كان رأى المبيع أم لا ، لأن الخيار في جانبه تعبد ( والثاني ) له الخيار في الحالين كالمشتري ( والثالث ) له الخيار إن لم يكن رآه وبه قطع الشيخ أبو حامد ومتابعوه ، وحيث قلنا : يثبت خيار الرؤية هل يكون على الفور ؟ فيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما ( أصحهما ) يمتد ما دام مجلس الرؤية ، وهو قول أبي إسحاق المروزي ( والثاني ) أنه على الفور ، وبه قال أبو علي بن أبي هريرة قال الشيخ أبو محمد الجويني في كتابه السلسلة : هذان الوجهان مبنيان على وجهين في ثبوت خيار المجلس في بيع الغائب ( أحدهما ) يثبت كما يثبت في بيع العين الحاضرة ( والثاني ) لا يثبت للاستغناء عنه بخيار الرؤية ، فعلى الأول خيار الرؤية على الفور ، لئلا يثبت خيار مجلسين في وقت واحد ، وعلى الثاني يمتد إلى انقضاء المجلس ، قال : والفرع مبني على أصل آخر ، وهو أنه إذا مات أحد العاقدين في المجلس وقلنا بالمذهب والمنصوص أنه ينتقل الخيار إلى الوارث فإلى متى يمتد ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) على الفور ( والثاني ) ما دام الوارث في مجلس خبر الموت ، وقد سبقت المسألة واضحة . [ ص: 356 ] الثالث ) هل يجوز أن يوكل في الرؤية من يفعل ما يستصوبه من فسخ أو إجازة ؟ فيه وجهان مشهوران للخراسانيين ( أصحهما ) يجوز كما يجوز التوكيل في خيار الخلف والرد بالعيب ( والثاني ) لا ، لأنه خيار شهوة ، ولا يتوقف على نقص ولا غرض ، فلا يجوز التوكيل فيه ، كمن أسلم على أكثر من أربع نسوة فإنه لا يصح توكيله في الاختيار .

                                      ( الرابع ) إذا لم نشترط الرؤية فاختلفا فقال البائع للمشتري : أنت رأيت المبيع فلا خيار لك ، فأنكر المشتري ، فوجهان ( أصحهما ) يصدق المشتري بيمينه ( والثاني ) البائع ، فإن شرطنا الرؤية فاختلفا فقال الغزالي في الفتاوى القول قول البائع ، لأن إقدام المشتري على العقد اعتراف بصحته ، قال الرافعي : فلا ينفك هذا عن خلاف ، قلت : هذه المسألة هي مسألة اختلاف المتبايعين في شرط يفسد العقد ، وفيها القولان المشهوران ، الأصح قول مدعي الصحة ( والثاني ) قول مدعي الفساد ، فيتعين جريان القولين في مسألتنا ولعل الغزالي فرعها على الأصح .

                                      ( فرع ) لو رأى ثوبين فسرق أحدهما فاشترى الثاني ولا يعلم أيهما المسروق قال الغزالي في الوسيط : إن تساوت قيمتهما وصفتهما وقدرهما كنصفي كرباس واحد صح البيع بلا خلاف ، وإن اختلفا في شيء من ذلك ففيه القولان في بيع الغائب ، وهذا الذي قاله حسن ، ولا يقال : هذا بيع ثوب من ثوبين ، لأن المبيع هنا واحد بعينه ، ولكن ليس مرئيا حالة العقد ، وقد سبقت رؤيته فاكتفي بها . واعلم أن الشيخ أبا عمرو بن الصلاح - رحمه الله تعالى - اعترض على الغزالي في هذا الفرع فقال : جزم بالصحة فيما إذا تساوت صفتهما وقدرهما وقيمتهما مع إجرائه الخلاف في الصورة الثانية قال : والتحقيق يوجب إجراء الخلاف السابق في استقصاء الأوصاف في صورة التساوي كما أجراه في مسألة الأنموذج التي سنذكرها إن شاء الله تعالى لأنه اعتمد مساواة غير المبيع للمبيع في [ ص: 357 ] الصفة المعلق به بالمشاهدة فهو كالأنموذج الذي ليس بمبيع ، المساوي في الصفة للمبيع ولا فرق ، فإن ذكره التساوي في القيمة اعتبار للقيمة مع الوصف ولا وجود لمثاله في هذا الباب هذا كلام أبي عمرو ، وهذان الاعتراضان اللذان ذكرهما فاسدان ( أما الأول ) فليس هذا كمسألة الأنموذج ، لأن المبيع غير الأنموذج ليس مرئيا ولا سبقت رؤيته ، وهنا سبقت رؤية الثوبين ( وأما ) قوله : يجب إجراء الخلاف المذكور في الثانية في الأولى فالفرق أن الثوبين في الثانية مختلفان ، فيحصل الغرر بخلاف الأولى ( وأما ) الاعتراض الثاني فجوابه أنه قد تختلف القيمة مع اتحاد القدر والصفة في نحو العبيد والجواري فيحصل الغرر ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                      ( فرع ) هل يشترط الذوق في الخل ونحوه على قولنا باشتراط الرؤية ؟ وكذلك الشم في المسك ونحوه واللبس في الثياب ونحوها ؟ فيه طريقان ( أصحهما ) وبه قطع الأكثرون واقتضاه كلام الجمهور أنه لا يشترط ، قال الرافعي : هو الصحيح المعروف ( والثاني ) حكاه المتولي فيه وجهان ( أصحهما ) هذا ، لأن معظم المقصود يتعلق بالرؤية فلا يشترط غيرها ( والثاني ) يشترط لأنه يقع في هذا النوع اختلاف .



                                      ( فرع ) لو تلف المبيع في يد المشتري قبل الرؤية على قولنا بجواز بيع الغائب ففي انفساخ البيع وجهان كنظيره في خيار الشرط وقد سبقت المسألة بفروعها في مسائل خيار الشرط . ولو باعه قبل الرؤية لم يصح بلا خلاف ، بخلاف ما لو باعه في زمن خيار الشرط فإنه يصح على أصح الوجهين كما سبق في موضعه ، لأنه يصير مجيزا للعقد ، وهنا لا تصح ، الإجازة قبل الرؤية على الصحيح كما سبق ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                      ( فرع ) لو رأى بعض الثوب ، وبعضه الآخر في صندوق ، فطريقان ( المذهب ) وبه قطع الجمهور أنه على القولين في بيع الغائب ( والثاني ) [ ص: 358 ] باطل قطعا ، لأن ما رآه لا خيار فيه ، وما لم يره فيه الخيار ، والجمع بين الخيار وعدمه في عين واحدة ممتنع ، والطريق الأول قول أبي إسحاق والثاني حكاه الماوردي عن كثير من البصريين وغيرهم . ولو كان المبيع شيئين رأى أحدهما فقط ، فإن أبطلنا بيع الغائب ففي صحة العقد فيهما القولان فيمن جمع في صفقة واحدة مختلفي الحكم ، كالبيع والإجارة ، لأن ما رآه لا خيار فيه وما لم يره فيه الخيار ( فإن صححناه ) وهو الأصح فله الرد فيما لم يره وإمساك ما رآه .

                                      ( المسألة الرابعة ) إذا لم نجوز بيع الغائب فاشترى ما رآه قبل العقد ولم يره حال العقد فله ثلاثة أحوال : ( أحدها ) أن يكون مما لا يتغير غالبا كالأرض والأواني والحديد والنحاس ونحوها ، أو كان لا يتغير في المدة المتخللة بين العقد والرؤية ، صح البيع على المذهب ، ولا يجيء فيه الخلاف في بيع الغائب هكذا قطع جماهير الأصحاب ، وشذ الأنماطي فأبطل البيع ، وهذا فاسد ، ودليل الجميع في الكتاب ، قال الروياني في البحر : وقد ذكر أبو بكر البيهقي عن عبد العزيز بن مقلاص من تلامذة الشافعي أنه نقل عن الشافعي مثل قول الأنماطي ( فإذا قلنا ) بالمذهب فوجده كما رآه أولا فلا خيار له بلا خلاف ; لأنه ليس ببيع غائب ، وإن وجده متغيرا فالمذهب الذي قطع به الأصحاب أن البيع صحيح ، وله الخيار ، وحكى الغزالي في الوسيط أنه يتبين بطلان البيع لتبين ابتداء المعرفة حالة العقد والصواب : الأول . قال إمام الحرمين : وليس المراد بتغييره حدوث عيب ، فإن خيار العيب لا يختص بهذه الصورة ، بل الرؤية بمنزلة الشرط في الصفات الكائنة عن الرؤية فكل ما فات منها فهو كتبين الخلف في الشرط فيثبت الخيار ( الحال الثاني ) أن يكون المبيع مما يتغير في ذلك المدة غالبا فإن رأى ما يسرع فساده من الأطعمة ثم اشتراه بعد مدة يتغير فيها في العادة ، [ ص: 359 ] فالبيع باطل لأنه بيع مجهول ( الثالث ) أن يمضي على المبيع بعد الرؤية ما يحتمل أن يبقى فيه ، ويحتمل أن لا يبقى ، ويحتمل أن يتغير فيه ، ويحتمل أن لا يتغير أو كان حيوانا فوجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما ( أصحهما ) عنده وعند الأصحاب صحة العقد ، فعلى هذا إن وجده متغيرا فله الخيار ، وإلا فلا ( والثاني ) لا يصح قال المتولي : هو قول المزني وأبي علي بن أبي هريرة ، وذكر الماوردي هذا الخلاف قولين ، قال : الأول نصه في كتاب البيوع ، وبه قال أكثر الأصحاب والثاني أشار إليه في كتاب الغصب ، واختاره المزني ، والله سبحانه أعلم .

                                      ( فرع ) إذا اختلفا في هذه الأحوال في التغير فادعاه المشتري ، وأنكره البائع ، فوجهان ( الصحيح ) المنصوص ، وبه قطع المصنف وكثيرون أن القول قول المشتري بيمينه ، لأن البائع يدعي عليه علمه بهذه الصفة ، فلم يقبل كادعائه اطلاعه على العيب ( والثاني ) حكاه الخراسانيون عن صاحب التقريب القول قول البائع بيمينه ، لأن الأصل عدم التغير ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                      ( فرع ) قد ذكرنا أنه إذا سبقت رؤيته فله ثلاثة أحوال قال الماوردي : صورة المسألة أن يكون حال البيع متذكرا للأوصاف ، فإن نسيها لطول المدة ونحوها فهو بيع غائب ، وهذا الذي قاله غريب ، ولم يتعرض له الجمهور .

                                      ( فرع ) لو رأى بعض المبيع دون البعض وهو مما يستدل برؤية بعضه على الباقي صح البيع بلا خلاف ، قال أصحابنا : وذلك كصبرة الحنطة تكفي رؤية ظاهرها ، ولا خيار له إذا رأى بعد ذلك باطنها ، إلا إذا خالف ظاهرها ، قال المتولي : وحكى أبو سهل الصعلوكي قولا شاذا أنه لا يكفي رؤية ظاهر الصبرة بل يشترط أن يقبلها ليعرف باطنها ، والمذهب الأول ، وبه قطع الأصحاب وتظاهرت عليه نصوص الشافعي . قال [ ص: 360 ] أصحابنا : وفي معنى الحنطة والشعير صبرة الجوز واللوز والدقيق ونحوها ، فلو رأى شيئا منها في وعائه فرأى أعلاه أو رأى أعلى السمن والزيت والخل وسائر المائعات في ظروفها ، كفى ذلك وصح البيع ، ولا يكون بيع غائب ، ولو كانت الحنطة في بيت مملوء منها فرأى بعضها من الكوة أو الباب كفى إن عرف سعة البيت وعمقه ، وإلا فلا ، وكذا حكم الحمد في المحمدة إن رأى أعلاه وعرف سعتها وعمقها صح البيع وإلا فلا . قال أصحابنا : ولا يكفي رؤية صبرة السفرجل والرمان والبطيخ ونحو ذلك ، بل يشترط رؤية كل واحد منها ، قالوا : لا يكفي في سلة العنب والتين والخوخ ونحو ذلك رؤية أعلاه لكثرة الاختلاف فيها بخلاف الحبوب ( أما ) الثمر فإن لم يلتزق بعض حباته ببعض فصبرته كصبرة اللوز والجوز فيصح بيعها ، وإن التزقت كقوصرة التمر فوجهان حكاهما المتولي وآخرون ( الصحيح ) الاكتفاء برؤية أعلاها ( والثاني ) لا يكفي بل يكون بيع غائب وذكر الماوردي فيه طريقين من غير تفصيل اللازق وغيره ( أحدهما ) على قول بيع الغائب ( أصحهما ) وهو قول جمهور الأصحاب - يصح قولا واحدا ( وأما ) القطن في الأعدال فهل يكفي رؤية أعلاه ؟ فيه خلاف حكاه الصيمري ، قال : والأشبه عندي أنه كقوصرة التمر ، وهذا هو الصحيح



                                      ( فرع ) إذا رأى أنموذجا من المبيع منفصلا عنه ، وبنى أمر المبيع عليه - نظر إن قال : بعتك من هذا النوع كذا وكذا - فالمبيع باطل . لأنه لم يعين مالا - ولم يراع شروط السلم ، ولا يقوم ذلك مقام الوصف في السلم على الصحيح من الوجهين ، لأن الوصف يرجع إليه عند النزاع بخلاف هذا وإن قال : بعتك الحنطة التي في هذا البيت ، وهذا الأنموذج [ ص: 361 ] منها ، فإن لم يدخل الأنموذج في البيع فوجهان ( أصحهما ) لا يصح البيع ، لأن البيع غير مرئي وإن أدخله صح على أصح الوجهين ، كما لو رآه متصلا بالباقي . وإن شئت جمعت الصورتين فقلت : فيه ثلاثة أوجه ( أحدها ) الصحة ( والثاني ) البطلان ( وأصحها ) إن أدخل الأنموذج في البيع صح ، وإلا فلا ، ثم صورة المسألة مفروضة في المتماثلات ، والله سبحانه وتعالى أعلم .



                                      ( فرع ) إن اشترى الثوب المطوي وصححناه ، فنشره واختار الفسخ ، ولم يحسن طيه وكان لطيه مؤنة ، قال القفال في شرح التلخيص : وجبت مؤنة طيه على المشتري كما لو اشترى شيئا ونقله إلى بيته فوجد به عيبا ، فإن مؤنة رده على المشتري .



                                      ( فرع ) قال أصحابنا : لا يصح بيع الشاة المذبوحة قبل السلخ بلا خلاف سواء جوزنا بيع الغائب أم لا ، سواء باع الجلد واللحم معا أو أحدهما ، ولا يجوز بيع الأكارع والرءوس قبل الإبانة ، وفي الأكارع وجه شاذ أنه يصح بيعها ويجوز بيعهما بعد الإبانة نيئة ومشوية ، وكذا المبسوط نيئا ومشويا وفي النيء احتمال لإمام الحرمين من حيث إنه مستور بالجلد ، والمذهب الصحة لأنه جلد مأكول فأشبه المشوي .

                                      ( فرع ) إذا رأى فصا لم يعلم أنه جوهر أو زجاج فاشتراه ، فوجهان حكاهما المتولي ( أحدهما ) لا يصح البيع ، لأن مقصود الرؤية انتفاء الغرر ولم يحصل ( وأصحهما ) يصح لوجود العلم بعينه .

                                      ( فرع ) قال الروياني : لو رأى أرضا وآجرا وطينا ثم بنى حماما في تلك الأرض بذلك الآجر والطين ، فاشترى الحمام ولم يره وهو حمام، فيحتمل أن يصح البيع ، لأن أكثر ما تغير الصفات ، وذلك لا يبطل البيع ، ويحتمل أن لا يصح ، لأن الرؤية لم تحصل على العادة ، قال : وهذا [ ص: 362 ] أصح ، قال : وعلى هذا لو رأى رطبا ثم اشتراه تمرا لم يصح ، قلت : هذا الاحتمال الثاني هو الصواب ، لأن هذا غرر كبير تختلف به الأغراض ، هذا إذا لم يصح بيع الغائب .



                                      ( فرع ) قال الروياني : قال القفال : يصح لو رأى سخلة فصارت شاة أو صبيا فصار رجلا ولم يره بغير الرؤية الأولى ثم اشتراه ، ففيه قولا بيع الغائب ، وقال أبو حنيفة : يصح ولا خيار ( فرع ) قال الماوردي : إذا جوزنا بيع الغائب فتبايعاه بشرطه ، فهل العقد تام قبل الرؤية ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) قاله أبو إسحاق المروزي : ليس تاما ، لأن تمامه بالرضا به ، وقبل الرؤية لا يحصل الرضا ، فعلى هذا إن مات أحدهما بطل العقد ولم يقم وارثه مقامه ، لأن العقد الذي ليس بلازم يبطل بالموت وكذا لو جن أحدهما أو حجر عليه بسفه بطل العقد ، ولكل واحد منهما الفسخ قبل الرؤية ( والثاني ) وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أن العقد تام ، ولهما خيار المجلس ما لم يتفرقا ، فإن مات أحدهما لم يبطل العقد ، بل يقوم وارثه مقامه ، وإن جن أو حجر عليه قام وليه مقامه وليس لأحدهما الفسخ قبل الرؤية ، قال الماوردي : وثبوت الخيار عند الرؤية ينبني على هذا الخلاف فعند أبي إسحاق أن خيار المجلس عند الرؤية ، ويدوم ما لم يفارق المجلس ، قال وله أن يشترط في المجلس خيار الثلاث ، وتأجيل الثمن والزيادة فيه والنقصان منه ، وعند أبي علي لا خيار له إلا بعيب وليس له شرط خيار الثلاث ولا تأجيل الثمن ولا الزيادة فيه ولا النقص منه .



                                      ( فرع ) قال الماوردي : بيع العين الغائبة بشرط نفي خيار الرؤية باطل بلا خلاف ( قال : ) فأما بيع الحاضر بشرط خيار الرؤية كثوب في سفط أو مطوي ، ففيه وجهان ( أحدهما ) أنه على القولين في بيع الغائب ، لأنه أبعد من الغرر ( والثاني ) لا يصح قولا واحدا قال : وهو [ ص: 363 ] قول أكثر أصحابنا وإليه أشار أبو إسحاق وأبو علي بن أبي هريرة ، لأن الحاضر تمكن رؤيته ، فلا ضرورة إلى بيعه بشرط خيار الرؤية بخلاف الغائب ، هذا كلام الماوردي وذكر الروياني مثله بحروفه إلا أنه ذكر في بيع الغائب بشرط نفي خيار الرؤية وجها شاذا أنه يصح البيع ، ويلغو الشرط تخريجا من الخلاف في البيع بشرط البراءة من العيوب .



                                      ( فرع ) قال الماوردي : بيع الجزر والسلجم - وهو الذي يقال له في دمشق اللفت - والبصل ونحوها في الأرض قبل قلعها بشرط خيار الرؤية فيه طريقان : ( أحدهما ) على القولين في بيع الغائب ( والثاني ) لا يصح قولا واحدا ، قال : وهو قول سائر أصحابنا ، والفرق بينه وبين بيع الغائب من وجهين ( أحدهما ) أن الغائب يمكن وصفه بخلاف هذا ( والثاني ) أن الغائب إذا فسخ العقد فيه يرده المشتري كما كان بخلاف هذا .

                                      ( فرع ) إذا جوزنا بيع الغائب فاشترى ثوبا غائبا فحضر ونشر بعضه ونظر إليه ، قال الروياني : لا يبطل خياره حتى يرى جمعيه .

                                      ( فرع ) قال الروياني : لو كان المبيع مضبوطا بخبر ففي بيعه طريقان ( أحدهما ) يصح ( والثاني ) فيه القولان في بيع الغائب .



                                      ( فرع ) قال أصحابنا : الاعتبار في رؤية المبيع وعدمها بالعاقد ، فإذا وكل من يشتري له عينا ، فإن رآها الوكيل حال العقد أو قبله ، واكتفينا بالرؤية السابقة ، صح البيع قولا واحدا ، سواء كان الموكل رآها أم لا ، ولا خيار إذا رآها بعد العقد ، وإن لم يرها الوكيل ، ولكن رآها الموكل ، فهو بيع غائب ففيه القولان .

                                      [ ص: 364 ] فرع ) قال أصحابنا : لو كان الثوب على منسج قد نسج بعضه ، فباعه على أن ينسج البائع باقيه ، لم يصح البيع بلا خلاف ، ونص عليه الشافعي في كتاب الصرف لعلتين .

                                      ( فرع ) إذا اشترى جبة محشوة ، ورأى الجبة دون الحشو ، صح البيع ، كما يصح بيع الدار وإن لم ير أساسها ، وقد نقل المازري المالكي وغيره الإجماع على صحة بيع الجبة ، وقد ذكرناه في أول هذا الباب .



                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في بيع العين الغائبة . قد ذكرنا أن أصح القولين في مذهبنا بطلانه ، وبه قال الحكم وحماد ، وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد وابن المنذر وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم : يصح ، نقله البغوي وغيره عن أكثر العلماء ، قال ابن المنذر : فيه ثلاثة مذاهب ( مذهب ) الشافعي أنه لا يصح ( والثاني ) يصح البيع إذا وصفه ، وللمشتري الخيار ، إذا رآه ، سواء كان على تلك الصفة أم لا ، وهو قول الشعبي والحسن والنخعي والثوري وأبي حنيفة وغيره من أهل الرأي ( والثالث ) يصح البيع ، وللمشتري الخيار ، إن كان على غير ما وصف ، وإلا فلا خيار ، قاله ابن سيرين وأيوب السختياني ومالك وعبيد الله بن الحسن وأحمد وأبو ثور وابن نصر ، قال ابن المنذر : وبه أقول . واحتج لمن صححه بقوله تعالى : { وأحل الله البيع } وهذا على عمومه إلا بيعا منعه كتاب أو سنة أو إجماع وبحديث أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه إن شاء أخذه وإن شاء تركه } وبحديث عمر بن إبراهيم بن خالد عن وهب البكري [ ص: 365 ] عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه } وبحديث عثمان وطلحة المذكور في الكتاب وقد سبق بيانه .

                                      قالوا : وقياسا على النكاح فإنه لا يشترط رؤية الزوجين بالإجماع وقياسا على بيع الرمان والجوز واللوز في قشرة الأسفل ، وقياسا على ما لو رآه قبل العقد ، واحتج الأصحاب بحديث أبي هريرة وابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن بيع الغرر } رواهما مسلم ، وهذا غرر ظاهر فأشبه بيع المعدوم الموصوف ، كحبل الحبلة وغيره ، وبحديث : { لا تبع ما ليس عندك } وسبق بيانه ، وقياسا على من باع النوى في التمر .

                                      ( وأما ) الجواب عن احتجاجهم بالآية الكريمة فهي عامة مخصوصة بحديث النهي عن بيع الغرر ( والجواب ) عن حديث مكحول فهو أنه حديث ضعيف باتفاق المحدثين وضعفه من وجهين ( أحدهما ) أنه مرسل لأن مكحولا تابعي ( والثاني ) أن أحد رواته ضعيف ، فإن أبا بكر بن أبي مريم المذكور ضعيف باتفاق المحدثين ، وكذا الجواب عن حديث أبي هريرة فإنه أيضا ضعيف باتفاقهم وعمر بن إبراهيم بن خالد مشهور بالضعف ووضع الحديث . وممن روى هذين الحديثين وضعفهما الدارقطني والبيهقي ، قال الدارقطني : أبو بكر بن أبي مريم ضعيف ، وعمر بن إبراهيم يضع الحديث قال : وهذا حديث باطل لم يروه غيره ، وإنما يروى هذا عن ابن سيرين من قوله . ( والجواب ) عن قصة عثمان وطلحة وجبير بن مطعم أنه لم ينتشر ذلك في الصحابة رضي الله عنهم ( والصحيح ) عندنا أن قول الصحابة ليس بحجة إلا أن ينتشر من غير مخالفة ( والجواب ) عن قياسهم على النكاح أن المعقود عليه هناك استباحة الاستمتاع ولا يمكن رؤيتها ، ولأن الحاجة تدعو إلى ترك الرؤية هناك لمشقتها غالبا . [ ص: 366 ] والجواب ) عن قياسهم على الرمان والجوز أن ظاهرهما يقوم مقام باطنهما في الرؤية ، كصبرة الحنطة ، ولأن في استتار باطنها مصلحة لها كأساس الدار بخلاف بيع الغائب .

                                      ( والجواب ) عن قياسهم على ما لو رآه قبل العقد أن المبيع هناك يكون معلوما للمشتري حال العقد ، وبخلاف مسألتنا والله سبحانه وتعالى أعلم .




                                      الخدمات العلمية