الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب في تسوية القبر

                                                                      3218 حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل عن أبي هياج الأسدي قال بعثني علي قال لي أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته ولا تمثالا إلا طمسته [ ص: 28 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 28 ] " 4040 " ( عن أبي هياج الأسدي ) : هو بفتح الهاء وتشديد الياء واسمه : حيان بن حصين قاله النووي ( على ما بعثني عليه ) : أي أرسلني إلى تغييره ، ولذا عدي بعلى ، أو أرسلك للأمر الذي أرسلني له ( أن لا أدع ) : " أن " مصدرية و " لا " نافية خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو أن لا أدع ، وقيل " أن " تفسيرية و " لا " ناهية أي لا أدع ( قبرا مشرفا ) : هو الذي بني عليه حتى ارتفع دون الذي أعلم عليه بالرمل والحصباء أو محسومة بالحجارة ليعرف ولا يوطأ . قاله القاري ( إلا سويته ) : قال النووي : فيه أن السنة أن القبر لا يرفع على الأرض رفعا كثيرا ولا يسنم بل يرفع نحو شبر ويسطح ، وهذا مذهب الشافعي ومن وافقه . ونقل القاضي عياض [ ص: 29 ] عن أكثر العلماء أن الأفضل عندهم تسنيمها وهو مذهب مالك انتهى .

                                                                      قلت : وقوله لا يسنم فيه نظر . وفي النيل : والحديث فيه دلالة على أن السنة أن القبر لا يرفع رفعا كثيرا من غير فرق بين من كان فاضلا ومن كان غير فاضل ، والظاهر أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم ، وقد صرح بذلك أصحاب أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي ومالك .

                                                                      والقول بأنه غير محظور لوقوعه من السلف والخلف بلا نكير لا يصح وهو من اتخاذ القبور مساجد ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعل ذلك ، وكم قد سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام ، منها : اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر فجعلوها مقصدا لطلب قضاء الحوائج ، وملجأ لنجاح المطالب ، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم ، وشدوا إليها الرحال ، وتمسحوا بها واستغاثوا ، وبالجملة إنهم لم يدعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف ، لا عالما ولا متعلما ولا أميرا ولا وزيرا ولا ملكا ، وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا شك معه أن كثيرا من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجرا ، فإذا قيل له بعد ذلك احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق ، وهذا من بين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة . فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين أي رزء للإسلام أشد من الكفر ، وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة ، وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجبا .

                                                                      لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي ولو نارا نفخت بها أضاءت
                                                                      ولكن أنت تنفخ في رماد

                                                                      [ ص: 30 ] انتهى وكلامه هذا حسن جدا لا مزية على حسنه جزاه الله خيرا .

                                                                      وقال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد " قدوم وفود العرب " : وهذا حال المشاهد المبنية على القبور التي تعبد من دون الله ويشرك بأربابها مع الله لا يحل إبقاؤها في الإسلام ويجب هدمها ، ولا يصح وقفها ولا الوقف عليها ، وللإمام أن يقطعها وأوقافها لجند الإسلام ويستعين بها على مصالح المسلمين وكذلك ما فيها من الآلات والمتاع والنذور التي تساق إليها يضاهى بها الهدايا التي تساق إلى البيت ؛ للإمام أخذها كلها وصرفها في مصالح المسلمين كما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم أموال بيوت هذه الطواغيت وصرفها في مصالح الإسلام ، وكان يفعل عندها ما يفعل عند هذه المشاهد سواء من النذور لها والتبرك بها وتقبيلها واستلامها ، هذا كان شرك القوم بها ولم يكونوا يعتقدون أنها خلقت السموات والأرض ، بل كان شركهم بها كشرك أهل الشرك من أرباب المشاهد بعينه انتهى . ( ولا تمثالا ) : أي صورة ذي روح ( إلا طمسته ) : أي محوته وأبطلته . فيه الأمر بتغيير صور ذوات الأرواح .

                                                                      قال المنذري : والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي .




                                                                      الخدمات العلمية