الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو كان قال في كل قرء واحدة فإن كانت طاهرا حبلى وقعت الأولى ولم تقع الثنتان إن كانت تحيض على الحبل أو لا تحيض حتى تلد ثم تطهر فإن لم يحدث لها رجعة حتى تلد بانت بانقضاء العدة ولم يقع عليها غير الأولى " . [ ص: 133 ] قال الماوردي : وصورتها في رجل قال لامرأته : أنت طالق ثلاثا في كل قرء واحدة فقد صرح بتفريق الثلاث في ثلاثة أقراء ، فلا يقعن إلا هكذا ، فإذا كان كذلك فلا يخلو حال المرأة من أحد أمرين . إما أن تكون من أهل السنة والبدعة ، أو لا تكون منهن . فإن كانت من أهل السنة والبدعة فلا يخلو حالها من أن تكون حائضا أو طاهرا ، فإن كانت حائضا لم تطلق في حال حيضها حتى إذا طهرت طلقت في أول طهرها : لأنه أول زمان السنة . فإذا حاضت الحيضة الثانية ودخلت في أول الطهر الثاني طلقت طلقة ثانية ، سواء راجع بعد الأولى أو لم يراجع . فإذا حاضت الحيضة الثالثة ودخلت في أول الطهر الثالث ، طلقت طلقة ثالثة ، سواء راجع بعد الثانية أو لم يراجع .

                                                                                                                                            فأما العدة فإن لم يكن قد راجعها بنت على عدة الطلقة الأولى ، فإذا انقضى الطهر الثالث بدخول الحيضة الرابعة فقد انقضت عدتها وحلت للأزواج ، وإن راجعها لم يخل حاله بعد الرجعة من أن يطأها فإن وطئها استأنفت العدة بعد الطلقة الثالثة التي بعد رجعته ووطئه ويكون ذلك الطهر الذي وقعت فيه الطلقة الثالثة قرءا واحدا فتأتي بعده بقرئين ، وإن لم يطأها بعد رجعته ، فهل تبني على العدة أو تستأنفها على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها تبني على عدة الطلقة الأولى ، لأن الرجعة قد بطلت بما تعقبها من الطلاق .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنها تستأنف العدة من الطلقة الثالثة ؛ لأن الرجعة قد أبطلت ما تقدمها من الطلاق .

                                                                                                                                            فأما إذا كانت عند الطلاق طاهرا طلقت في الحال واحدة ، لأن بقية هذا الطهر قرء . وسواء كان قد وطئها في هذا الطهر أم لا ، لأن طهر الجماع قرء يقع به الاعتداد كما تعتد بطهر ليس فيه جماع . إلا أن الطلقة في طهر الجماع تكون بدعية .

                                                                                                                                            وفي طهر غير الجماع تكون سنية ، وهو إنما علق الطلاق بالقرء لا بالسنة فلذلك روعي ما يكون قرءا وإن لم يكن الطلاق فيه للسنة ، فإذا وقعت الطلقة الأولى في الطهر الأول لم يحل له جماعها إن لم يراجعها وإن راجعها فيه حل له جماعها في بقية طهرها فإذا حاضت حرم عليه جماعها في الحيض ، فإذا دخلت في أول الطهر الثاني طلقة ثانية وحرم عليه جماعها فيه إن لم يراجعها ، وإن راجعها فيه حل له جماعها في بقيته فإذا حاضت الحيضة الثانية ، حرم عليه جماعها في حيضها ، فإذا دخلت في الطهر الثاني طلقت ثالثة وحرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره . [ ص: 134 ] فأما العدة فعلى ما ذكرنا . فإن لم تراجع بنت على عدة الطلقة الأولى وانقضت عدتها بانقضاء الطهر الثالث . وإن راجعها فإن جامعها بعد الرجعة استأنف العدة من وقت الطلقة الثالثة ، وإن لم يجامعها فعلى ما مضى من القولين :

                                                                                                                                            أحدهما : يبني على عدة الطلقة الأولى والقول الثاني يستأنف العدة من وقت الطلقة الثالثة . فلو قال لها في آخر طهرها : أنت طالق في كل قرء واحدة ثم حاضت قبل تمام كلامه أو مع تمامه من غير أن يتصور فيهما طهر منفصل .

                                                                                                                                            قال أبو العباس بن سريج : تطلق فيه وتعتد به قرءا لوجود الطلاق فيه ، وهذا خطأ ، بل لا يقع فيه طلاق ولا يقع به اعتداد : لأن وقوع الطلاق بالكلام إنما يكون بعد تمام الكلام لا بأوله ألا تراه لو قيده بقية كلامه بشرط كان الطلاق محمولا على ذلك الشرط ولو وقع بأوله ما حمل على شرط آخره ، ولم يجد بعد تمام كلامه طهرا يكون قرءا ، فيكون شرطا لوقوع الطلاق ولذلك لم تطلق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية