الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله والجواب بلا إله إلا الله ) أي يفسدها عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف لا يكون مفسدا لأنه ثناء بصيغته فلا يتغير بعزيمته ولهما أنه أخرج الكلام مخرج الجواب وهو يحتمله فيجعل جوابا كتشميت العاطس وليس مقصود المصنف خصوص الجواب بهذه الكلمة بل كل كلمة هي ذكر أو قرآن قصد بها الجواب فهي على الخلاف كما إذا أخبر بخبر يسره فقال الحمد لله أو بأمر عجيب فقال سبحان الله ثم نص المشايخ على أشياء موجبة للفساد باتفاقهم وهو ما لو كان بين يدي المصلي كتاب موضوع وعنده رجل اسمه يحيى فقال { يا يحيى خذ الكتاب بقوة } أو رجل اسمه موسى وبيده عصا فقال له { وما تلك بيمينك يا موسى } أو كان في السفينة وابنه خارجها فقال { يا بني اركب معنا } أو طرق عليه الباب أو نودي من خارجه فقال { ومن دخله كان آمنا } وأراد بهذه الألفاظ الخطاب لأنه لا يشكل على أحد أنه متكلم لا قارئ وهي مؤيدة لما قالاه واردة على أبي يوسف ومما أورد على أبي يوسف الفتح على غير إمامه فإنه مفسد عنده وهو قرآن كذا في فتح القدير وأجاب عنه في غاية البيان بأن الفساد عنده فيه لأمر آخر وهو التعليم والإيراد مدفوع من أصله لأن أبا يوسف لا يقول بالفساد بالفتح على غير إمامه كما ذكره الزيلعي وغيره ثم اختلف المشايخ فيما إذا أخبر بخبر يسوءه فاسترجع لذلك بأن قال إنا لله وإنا إليه راجعون مريدا بذلك الجواب وصحح في الهداية والكافي الفساد عندهما خلافا لأبي يوسف وقال بعض المشايخ إنه مفسد اتفاقا ونسبه في غاية البيان إلى عامة المشايخ وقال قاضي خان إنه الظاهر ولعل الفرق على قوله أن الاسترجاع لإظهار المصيبة وما شرعت الصلاة لأجله والتحميد لإظهار الشكر والصلاة شرعت لأجله وحكم لا حول ولا قوة إلا بالله كالاسترجاع كما هو في منية المصلي

                                                                                        وقدمنا أنه لو قالها لدفع الوسوسة لأمر الدنيا تفسد ولأمر الآخرة لا تفسد ثم أطلق المصنف الجواز بلا إله إلا الله وقيده في الكافي بصورة بأن قيل بين يديه أمع الله إله آخر فقال لا إله إلا الله والظاهر عدم التقييد بهذه الصورة لما في فتاوى قاضي خان أنه لو أخبر بخبر يهوله فقال لا إله إلا الله أو الله أكبر وأراد الجواب فسدت ومما [ ص: 8 ] ألحق بالجواب ما في المجتبى لو سبح أو هلل يريد زجرا عن فعل أو أمرا به فسدت عندهما وقيد بالجواب لأنه لو أراد به إعلامه أنه في الصلاة كما إذا استأذن على المصلي إنسان فسبح وأراد به إعلامه أنه في الصلاة لم يقطع صلاته وكذا لو عرض للإمام شيء فسبح المأموم لا بأس به لأن المقصود به إصلاح الصلاة فسقط حكم الكلام عند الحاجة إلى الإصلاح ولا يسبح للإمام إذا قام إلى الأخريين لأنه لا يجوز له الرجوع إذا كان إلى القيام أقرب فلم يكن التسبيح مفيدا كذا في البدائع وينبغي فساد الصلاة به لأن القياس فسادها به عند قصد الإعلام وإنما ترك للحديث الصحيح { من نابه شيء في صلاته فليسبح } فللحاجة لم يعمل بالقياس فعند عدمها يبقى الأمر على أصل القياس ثم رأيته في المجتبى قال ولو قام إلى الثالثة في الظهر قبل أن يقعد فقال المقتدي سبحان الله قيل لا تفسد وعن الكرخي تفسد عندهما . ا هـ .

                                                                                        وقد قدمنا حكم ما إذا أجاب المؤذن أو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ولو لعن الشيطان في الصلاة عند قراءة ذكره لا تفسد وفي الخانية والظهيرية ولو قرأ الإمام آية الترغيب أو الترهيب فقال المقتدي صدق الله وبلغت رسله فقد أساء ولا تفسد صلاته ا هـ .

                                                                                        وهو مشكل لأنه جواب لإمامه ولهذا قال في المبتغى بالمعجمة ولو سمع المصلي من مصل آخر { ولا الضالين } فقال آمين لا تفسد وقيل تفسد و عليه المتأخرون وكذا بقوله عند ختم الإمام قراءته صدق الله وصدق الرسول ا هـ .

                                                                                        وفي المجتبى ولو لبى الحاج تفسد صلاته ولو قال المصلي في أيام التشريق الله أكبر لا تفسد ولو أذن في الصلاة وأراد به الأذان فسدت صلاته وقال أبو يوسف لا تفسد حتى يقول حي على الصلاة حي على الفلاح ولو جرى على لسانه نعم إن كان هذا الرجل يعتاد في كلامه نعم تفسد صلاته وإن لم يكن عادة له لا تفسد لأن هذه الكلمة في القرآن فتجعل منه ثم اعلم أنه وقع في المجتبى وقيل لا تفسد في قولهم أي لا تفسد الصلاة بشيء من الأذكار المتقدمة إذا قصد بها الجواب في قول أبي حنيفة وصاحبيه ولا يخفى أنه خلاف المشهور المنقول متونا وشروحا وفتاوى لكن ذكر في الفتاوى الظهيرية في بعض المواضع أنه لو أجاب بالقول بأن يخبر بخبر يسره فقال الحمد لله رب العالمين أو بخبر يسوءه فقال إنا لله وإنا إليه راجعون تفسد صلاته والأصح أنه لا تفسد صلاته ا هـ وهو تصحيح مخالف للمشهور

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وهي مؤيدة لما قالاه وأورده على أبي يوسف ) أقول : الظاهر أن الفساد بها عند أبي يوسف لا للتغير بعزيمة بل لما فيه من الخطاب بخلاف ما قصد به الجواب وليس فيه خطاب .

                                                                                        والحاصل أنه فرق بين قصد الجواب وقصد الخطاب بما فيه أداة نداء أو أداة خطاب لأن قصد الخطاب بما فيه ذلك من كلام الناس فليس ذكرا بصيغته وإن وافقه في اللفظ بخلاف ما قصد به الجواب ومنه ما لو استأذنه رجل من خارج الباب ليدخل عليه فقال { ومن دخله كان آمنا } فإنه بمنزلة خطابه بقوله ادخل والظاهر أن أبا حنيفة ومحمدا يقولان إن هذه الخطابات القرآنية لا تصير خطابا للحاضر المخصوص إلا بالنية والنية لا تغير الصيغة الأصلية عندهما ( قوله ولعل الفرق على قوله إلخ ) لا يخفى أن فيه اعتبار العزيمة وقد مر أن أبا يوسف لا يغير الصيغة بها تأمل [ ص: 8 ]

                                                                                        ( قوله وقيد بالجواب لأنه إلخ ) لا يخفى أن الإفساد ليس منوطا بأن يقصد بالكلام الجواب فقط ليكون من كلام الناس بل مناطه كما في الفتح كونه لفظا أفيد به معنى ليس من أعمال الصلاة ا هـ .

                                                                                        ولذا فسدت بقوله { يا يحيى خذ الكتاب } { وما تلك بيمينك يا موسى } و { يا بني اركب معنا } عند قصد الخطاب كما مر وبفتحه على غير إمامه ونحو ذلك مما ليس فيه جواب فليس ذكر المصنف الجواب بقيد احترازي بناء على ما قدمه المؤلف من أنه ليس المراد خصوص قوله لا إله إلا الله بل كل ذكر نعم لو أريد خصوص هذه الكلمة صح كونه احترازيا عما إذا قصد به الإعلام وإنما لا يفسد للحديث الآتي كما في الفتح ( قوله ثم رأيته في المجتبى قال إلخ ) قال في النهر أقول : الظاهر أن هذا الاختلاف له التفات إلى آخر هو أنه لو عاد بعد ما كان إلى القيام أقرب ففي فساد صلاته خلاف وعلى عدمه فهو مفيد ا هـ .

                                                                                        أي وعلى القول بعدم الفساد فالتسبيح مفيد وسيأتي في السهو تصحيح المؤلف القول بعدم الفساد وأنه الحق فما بحثه هنا مبني على خلاف ما سيحققه لكن قد يقال إن دعوى إفادته على القول بعدم الفساد ممنوعة لأنه على القولين ممنوع عن العود لأن من يقول بعدم الفساد لا يقول الأولى أن يعود ليكون مفيدا كيف وفيه رفض الفرض لغير جنسه بعد التلبس به تدبر ( قوله وهو مشكل لأنه جواب لإمامه ) قال بعض الفضلاء هذا يتخرج على ما قيل من أنه إذا قال العاطس أو السامع الحمد لله لا تفسد وإن عنى الجواب فلا معنى لاستشكاله ا هـ تأمل




                                                                                        الخدمات العلمية