الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                1840 حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن زبيد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا وأمر عليهم رجلا فأوقد نارا وقال ادخلوها فأراد ناس أن يدخلوها وقال الآخرون إنا قد فررنا منها فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للذين أرادوا أن يدخلوها لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة وقال للآخرين قولا حسنا وقال لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا وأمر عليهم رجلا فأوقد نارا وقال : ادخلوها - إلى قوله - لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف ) هذا موافق للأحاديث الباقية أنه لا طاعة في معصية ، إنما هي في المعروف ، وهذا الذي فعله هذا الأمير قيل : أراد امتحانهم ، وقيل : كان مازحا ، قيل : إن هذا الرجل عبد الله بن حذافة السهمي ، وهذا ضعيف ، لأنه قال في الرواية التي بعدها : إنه رجل من الأنصار ، فدل على أنه غيره .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة هذا مما علمه صلى الله عليه وسلم بالوحي ، وهذا التقييد بيوم القيامة مبين للرواية المطلقة بأنهم لا يخرجون منها لو دخلوها .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان ) هكذا هو لمعظم الرواة وفي معظم النسخ ( بواحا ) بالواو ، وفي بعضها ( براحا ) والباء مفتوحة فيهما ، ومعناهما : كفرا ظاهرا ، والمراد بالكفر هنا المعاصي ، ومعنى عندكم من الله فيه برهان ، أي : تعلمونه من دين الله تعالى .

                                                                                                                ومعنى الحديث : لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ، ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام ، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم ، وقولوا بالحق حيث ما [ ص: 540 ] كنتم ، وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين ، وإن كانوا فسقة ظالمين .

                                                                                                                وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته ، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق ، وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل ، وحكي عن المعتزلة أيضا ، فغلط من قائله ، مخالف للإجماع .

                                                                                                                قال العلماء : وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن ، وإراقة الدماء ، وفساد ذات البين ، فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه .

                                                                                                                قال القاضي عياض : أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر ، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل ، قال : وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها ، قال : وكذلك عند جمهورهم البدعة ، قال : وقال بعض البصريين : تنعقد له ، وتستدام له ؛ لأنه متأول ، قال القاضي : فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية ، وسقطت طاعته ، ووجب على المسلمين القيام عليه ، وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك ، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر ، ولا يجب في المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه ، فإن تحققوا العجز لم يجب [ ص: 541 ] القيام ، وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها ، ويفر بدينه ، قال : ولا تنعقد لفاسق ابتداء ، فلو طرأ على الخليفة فسق قال بعضهم : يجب خلعه إلا أن تترتب عليه فتنة وحرب ، وقال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين : لا ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق ، ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه بذلك ، بل يجب وعظه وتخويفه ; للأحاديث الواردة في ذلك ، قال القاضي : وقد ادعى أبو بكر بن مجاهد في هذا الإجماع ، وقد رد عليه بعضهم هذا بقيام الحسن وابن الزبير وأهل المدينة على بني أمية ، وبقيام جماعة عظيمة من التابعين والصدر الأول على الحجاج مع ابن الأشعث ، وتأول هذا القائل قوله : ألا ننازع الأمر أهله في أئمة العدل ، وحجة الجمهور أن قيامهم على الحجاج ليس بمجرد الفسق ، بل لما غير من الشرع وظاهر من الكفر ، قال القاضي : وقيل : إن هذا الخلاف كان أولا ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( بايعنا على السمع ) المراد بالمبايعة : المعاهدة ، وهي مأخوذة من البيع ; لأن كل واحد من المتبايعين كان يمد يده إلى صاحبه ، وكذا هذه البيعة تكون بأخذ الكف ، وقيل : سميت مبايعة لما فيها من المعاوضة لما وعدهم الله تعالى عظيم الجزاء ، قال الله تعالى : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة الآية .

                                                                                                                قوله : ( وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ) معناه : نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر في كل زمان ومكان ، الكبار والصغار ، لا نداهن فيه أحدا ، ولا نخافه هو ، ولا نلتفت إلى الأئمة ، ففيه : القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

                                                                                                                وأجمع العلماء على أنه فرض كفاية فإن خاف من ذلك على نفسه أو ماله أو على غيره ، سقط الإنكار بيده ولسانه ، ووجبت كراهته بقلبه ، هذا مذهبنا ومذهب الجماهير ، وحكى القاضي هنا عن بعضهم أنه ذهب إلى الإنكار مطلقا في هذه الحالة وغيرها ، وقد سبق في باب الأمر بالمعروف في كتاب الإيمان وبسطته بسطا شافيا .




                                                                                                                الخدمات العلمية