الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1823 ( حديث أول لابن شهاب ، عن ابن محيصة )

مالك ، عن ابن شهاب ، عن ابن محيصة الأنصاري أحد بني حارثة : أنه استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إجارة الحجام ، فنهاه عنها ، فلم يزل يسأله ويستأذنه حتى قال له : اعلفه نضاحك يعني رقيقك .

التالي السابق


هكذا قال يحيى في هذا الحديث : يعني عن ابن محيصة : أنه استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتابعه ابن القاسم ، وذلك من الغلط الذي لا إشكال فيه على أحد من أهل العلم ، وليس لسعد بن محيصة صحبة ، فكيف لابنه حرام ، ولا يختلفون أن الذي روى عنه الزهري هذا الحديث ، وحديث ناقة البراء هو حرام بن سعد بن محيصة ، وقال ابن وهب ، ومطرف ، وابن بكير [ ص: 78 ] وابن نافع ، والقعنبي ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن ابن محيصة ، عن أبيه ، والحديث مع هذا كله مرسل قال يحيى : نضاحك : يعني رقيقك ، وقال القعنبي : ناضحك رقيقك ، وهو معنى حديث يحيى سواء ، وقال ابن بكير : نضاحك ورقيقك ، وقال ابن القاسم : النضاح الرقيق ، ويكون في الإبل .

قال أبو عمر :

أما الخليل فقال : الناضح الجمل يسقى عليه ، وأما أصحاب ابن شهاب فاتفق معمر ومالك في رواية أكثر أصحابه عنه ، وابن أبي ذئب ، وابن عيينة ، ويونس بن يزيد على أن قالوا فيه عن أبيه لم يزيدوا ، وقال الليث ، عن ابن شهاب ، عن ابن محيصة : أن أباه استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في خراج الحجام فأبى أن يأذن له ، فلم يزل به حتى قال له : أطعمه رقيقك ، واعلفه ناضحك .

( هكذا رواه الليث ، عن ابن شهاب ، وقد رواه الليث ، عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر ، عن ابن شهاب ، عن حرام بن سعد بن محيصة ، عن محيصة رجل من بني حارثة ، كان له غلام حجام : فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كسبه فنهاه أن يأكل كسبه ثم عاد فنهاه ثم عاد فنهاه فلم يزل [ ص: 79 ] يراجعه حتى قال له : اعلف كسبه ناضحك ، وأطعمه رقيقك ) .

وقال ابن عيينة فيه ، عن ابن شهاب ، عن حرام بن سعد بن محيصة ، عن أبيه أن محيصة سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث ، وجود إسناده .

وقال فيه ابن إسحاق ، عن ابن شهاب ، عن حرام بن سعد بن محيصة ، عن أبيه ، عن جده محيصة أنه كان له غلام حجام يقال له : أبو ظبية لم يسمه من أصحاب الزهري غيره .

ولا يتصل هذا الحديث ، عن ابن شهاب إلا من رواية ابن إسحاق هذه ، ورواية ابن عيينة مثلها ، وسائرها مرسلات .

وقد روي من غير حديث ابن شهاب متصلا مسندا ، حدثني عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني الليث قال : حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي عمير الأنصاري ، عن محمد بن سهل بن أبي حثمة ، عن محيصة بن مسعود الأنصاري : أنه كان له غلام حجام يقال له : نافع أبو ظبية ، فانطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأله عن خراجه فقال : لا تقربه فردد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : اعلف به الناضح ، اجعله في كرشه .

[ ص: 80 ] عند الليث في هذا الحديث ثلاثة أسانيد ) قد مضى القول في أجرة الحجام مستوعبا في باب حميد الطويل من كتابنا هذا فأغنى عن إعادته هاهنا .

ومعنى حديث محيصة هذا التنزه لا التحريم ، وذلك - والله أعلم - لأنه عمل على ثواب غير معلوم قبل العمل ، فأشبه الإجارة المجهولة من ناحية لما عسى أن لا تطيب به نفس أحدهما من العوض ، ومن هاهنا كان جماعة من العلماء الصالحين يرضون الحجامين بأكثر من المتعارف عندهم - والله أعلم - .

وقد بينا ذلك في باب حميد بما فيه كفاية ، حدثني عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا محمد بن شاذان قال : حدثنا هوذة بن خليفة قال : حدثنا عوف ، عن محمد : أن ابن عباس سئل عن الحجام فقال : لقد احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعطاه أجره ، ولو كان حراما لم يعطه .

حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا حماد ، عن أيوب ، عن محمد ، عن ابن عباس أنه سئل عن الحجام فقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم ، وأعطى الحجام أجره ، ولو كان حراما لم يعطه ، وذكر ابن وهب ، عن موسى بن علي بن رباح ، عن أبيه قال : كنت عند ابن عباس فأتته امرأة فقالت : إن لي غلاما حجاما ، وإن أهل العراق يزعمون أني آكل ثمن الدم فقال ابن عباس : كذبوا إنما تأكلين خراج غلامك

[ ص: 81 ] وقال الليث بن سعد ، عن ربيعة قال : كان للحجامين سوق على عهد عمر بن الخطاب قال الليث : قال لي يحيى بن سعيد : لم يزل المسلمون يقرون بأجرة الحجام ، ولا ينكرونها ) .




الخدمات العلمية