الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( و ) يكره ( النوم قبلها ) أي صلاة العشاء لما فيه من خوف استمراره إلى خروج الوقت ولأنه عليه الصلاة والسلام كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها ، ولهذا قال ابن الصلاح : إن هذه الكراهة تعم سائر الصلوات ، وسياق كلامهم يشعر بتصوير المسألة بما بعد دخول الوقت ، قال الإسنوي : وينبغي أن يكره أيضا [ ص: 373 ] قبله وإن كان بعد فعل المغرب للمعنى السابق ( والحديث بعدها ) مكروها كان أو مباحا للحديث المار ولكن المكروه أشد كراهة هنا ، وعلل ذلك بأن نومه قد يتأخر فيخاف فوت الصبح عن وقتها أو عن أوله أو يفوته صلاة الليل إن اعتادها ولتقع الصلاة التي هي أفضل الأعمال خاتمة عمله ، والنوم أخو الموت ، وربما مات في نومه وبأن الله جعله سكنا وهذا يخرجه عن ذلك .

                                                                                                                            قال ابن العماد ، وأظهر المعاني الأول ، وشمل إطلاقه ما لو جمع العشاء مع المغرب تقديما ، والمتجه كما قاله الإسنوي خلافه ، ومحل كراهة النوم قبلها إذا ظن تيقظه في الوقت وإلا حرم كما قاله ابن الصلاح وغيره ، فإن نام قبل دخول الوقت لم يحرم وإن غلب على ظنه عدم تيقظه فيه لأنه لم يخاطب بها ، ولو غلب عليه النوم بعد دخول الوقت وعزمه على الفعل وأزال تمييزه فلا حرمة فيه مطلقا ولا كراهة ، وأفهم كلام المصنف عدم كراهة الحديث قبلها ، لكن قضية التعليل بخوف الفوت عدم الفرق .

                                                                                                                            قال الإسنوي : وقد يجاب بأن إباحة الكلام قبل الصلاة تنتهي بالأمر بإيقاع الصلاة في وقت الاختيار ، وأما بعد الصلاة فلا ضابط له فخوف الصلاة فيه أكثر ا هـ ( إلا في خير ، والله أعلم ) كقراءة قرآن وحديث ومذاكرة فقه وإيناس ضيف وتكلم بما دعت إليه حاجة كحساب فلا كراهة فيه ، لأن ذلك خير ناجز فلا يترك لمفسدة متوهمة لما روي { عن عمران بن حصين قال : كان صلى الله عليه وسلم يحدثنا عامة ليله عن بني إسرائيل ، } واستثنى بعضهم من ذلك المسافر .

                                                                                                                            ومن كراهته قبلها إن قلنا بها المنتظر جماعة بعد مضي وقت الاختيار لحديث [ ص: 374 ] { لا سمر بعد العشاء إلا لمصل أو مسافر } رواهما أحمد في مسنده .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : قال الإسنوي ) معتمد ( قوله : وينبغي أن يكره ) عبارة شيخنا الزيادي في أثناء كلامه : بل ولا يكره النوم قبل دخول الوقت رملي وهو شامل للعشاء فلا يكره النوم قبل دخول وقتها وشامل للجمعة أيضا فلا يكره النوم قبله وإن خاف فوت الجمعة لأنه ليس مخاطبا بها قبل دخول الوقت ، وإن قلنا بوجوب السعي على بعيد الدار ، والفرق أنه لما كان بعيد الدار لا يمكنه الذهاب إلى الجمعة إلا بالسعي قبلها نزل ما يمكنه فيه السعي منزلة وقت الجمعة ، لأنه لو لم يعتبر لأدى إلى عدم طلبها منه ، والنوم لما لم يكن مستلزما لتفويت الجمعة اعتبر لحرمته خطابه بالجمعة وهو لا يخاطب قبل دخول الوقت ، لكن في سم على حج أن حرمة النوم قبل الجمعة هو قياس وجوب السعي على بعيد الدار .

                                                                                                                            قال : وظاهر أنه لو كان بعيد الدار وجب عليه السعي [ ص: 373 ] قبل الوقت وحرم النوم المفوت لذلك السعي الواجب ( قوله : قبله ) قد يشكل عليه عدم تحريم النوم قبل الوقت وإن علم أنه لا يستيقظ فيه لأنه لم يخاطب بالصلاة قبل دخول وقتها .

                                                                                                                            ويمكن الجواب بأن الكراهة لخفة أمرها توسعوا فيها فأثبتوها لمجرد الاحتياط ولا كذلك التحريم ( قوله : والحديث بعدها ) أي بعد فعلها .

                                                                                                                            قال في شرح العباب : والمراد الحديث المباح في غير هذا الوقت .

                                                                                                                            أما المكروه فهو هنا أشد كراهة وكذا المحرم .

                                                                                                                            قال ابن العماد : كسيرة البطال وغيره والأخبار الكاذبة فإنه لا يحل سماعها لعدم صحتها كما في المجموع في الاعتكاف ، وعدم صحتها لا يكفي في التعليل إلا إن أريد به تحقق كذبها كما هو الواقع في سيرة البطال وغيره ا هـ . وألحق بالحديث نحو الخياطة قاله في شرح الإرشاد وغيره ا هـ سم على حج ( قوله : كما قاله الإسنوي ) أي فلا يكره .

                                                                                                                            قال ع بعد هذا قال : أي الإسنوي : فإن قلنا بعدم الكراهة فهل يكون بدخول الوقت أو بمضي قدر زمن الفعل ؟ محل نظر ، والأقرب الثاني .

                                                                                                                            ونقله سم عن حج في شرح الإرشاد لكن جزم في حاشيته على المنهج بالأول حيث قال : إلا إذا جمعها تقديما مع المغرب فلا يكره بعدها قبل دخول وقتها ا هـ .

                                                                                                                            ومفهومه أنه بمجرد الدخول يكره وإن لم يمض زمن يسع فعلها ( قوله : وإلا حرم ) مثله ما لو وهم عدم استيقاظه قبل خروج الوقت ( قوله وإيناس ضيف ) أي ما لم يكن فاسقا وإلا حرم إلا لعذر كخوف منه على نفس أو مال ، وهذا إذا كان إيناسه له لكونه فاسقا .

                                                                                                                            أما لو كان من حيث كونه شيخه أو معلمه فإنه يجوز ، فإن لم يلاحظ في إيناسه له شيء من ذلك فيظهر إلحاقه بالأول فيحرم ( قوله : بما دعت إليه حاجة ) ومنها محادثة الزوجة ( قوله : عامة ليله ) أي أكثره ( قوله : المسافر ) أي فلا يكره في حقه الحديث بعدها مطلقا : أي سواء كان السفر طويلا أو لا ، وسواء كان في خير أو حاجة السفر ( قوله : إن قلنا بها ) أي الذي هو مقتضى التعليل ( قوله : مضى وقت الاختيار ) أي فلا يكره ، ومعلوم من هذه العبارة أنه لا يكره قبل وقت الاختيار بالطريق الأولى ، ولعله إنما قيد به لأن فرق الإسنوي بين الحديث قبلها وبعدها يقتضي كراهته قبلها بعد وقت الاختيار .

                                                                                                                            هذا ، وفي حج ما نصه : وأما قبلها فإن فوت الاختيار كره : أي كان خلاف الأولى ، وتسمى كراهة خفيفة وإلا فلا إلا لمنتظر الجماعة ليعيدها معهم ولو بعيد وقت الاختيار وللمسافر ثم قال : وإلا لعذر أو في خير . [ ص: 374 ] كعلم شرعي ا هـ .

                                                                                                                            ومراده الشرعي الذي له تعلق بالشرع لا خصوص الشرعي بالمعنى المصطلح عليه وهو الفقه والحديث والتفسير ومنه النحو والصرف وغيرهما وهو ظاهر ، أو صريح في أن الحديث بعدها لانتظار جماعة يعيدها معهم غيره مكروه ، وهو خلاف ما فرض الشارح الكلام فيه من أن انتظار الجماعة قبلها لا يكره فيصير الحاصل منهما أنه لا يكره الحديث لانتظار الجماعة لا قبل فعلها ولا بعده ( قوله : لا سمر ) أي لا حديث ( قوله : أو مسافر ) نازع فيه في شرح العباب بعد نقله عن ابن العماد بأن مقتضى إطلاقهم أنه لا فرق بين المسافر وغيره ، ثم حمل الحديث على ما حاصله أن يحتاج إليه المسافر لإعانته على الستر المحتاج إليه سم على حج .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            قوله : ( وسياق كلامهم يشعر بتصوير المسألة بما بعد دخول الوقت ) أي : فالكراهة خاصة به فما نقله بعد عن بحث الإسنوي مخالف له ومن ثم اعتمد الزيادي خلافه ، وسيأتي أن محل الكراهة إذا ظن يقظته في الوقت وإلا حرم




                                                                                                                            الخدمات العلمية