الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وفاته :

                                                                                      سمعت أبا موسى يقول مرض أبي في ربيع الأول مرضا شديدا منعه من الكلام والقيام ، واشتد ستة عشر يوما ، وكنت أسأله كثيرا : ما يشتهي ؟ فيقول : أشتهي الجنة ، أشتهي رحمة الله ، لا يزيد على ذلك ، فجئته بماء حار فمد يده فوضأته وقت الفجر ، فقال : يا عبد الله قم صل بنا وخفف ، فصليت بالجماعة ، وصلى جالسا ، ثم جلست عند رأسه ، فقال : اقرأ يس ، فقرأتها ، وجعل يدعو وأنا أؤمن ، فقلت : هنا دواء تشربه ، قال : يا بني ما بقي إلا الموت ، فقلت : ما تشتهي شيئا ؟ قال : أشتهي النظر إلى وجه الله سبحانه ، فقلت : ما أنت عني راض؟ قال : بلى والله .

                                                                                      فقلت : ما توصي بشيء ؟ قال : ما لي على أحد شيء ، ولا لأحد علي شيء ، قلت : توصيني؟ قال : أوصيك بتقوى الله والمحافظة على طاعته ، فجاء جماعة يعودونه ، فسلموا ، فرد عليهم ، وجعلوا يتحدثون ، فقال : ما هذا ؟ اذكروا الله ، قولوا لا إله إلا الله ، فلما قاموا جعل يذكر الله بشفتيه ، ويشير بعينيه ، فقمت لأناول رجلا كتابا من جانب المسجد فرجعت وقد خرجت روحه -رحمه الله- ، وذلك يوم الاثنين الثالث والعشرين من ربيع الأول سنةستمائة [ ص: 468 ] وبقي ليلة الثلاثاء في المسجد واجتمع الخلق من الغد فدفناه بالقرافة .

                                                                                      قال الضياء : تزوج الحافظ بخالتي رابعة ابنة خاله الشيخ أحمد بن محمد بن قدامة ، فهي أم أولاده محمد وعبد الله وعبد الرحمن وفاطمة ، ثم تسرى بمصر .

                                                                                      قلت : أولاده علماء : فمحمد هو المحدث الحافظ الإمام الرحال عز الدين أبو الفتح ، مات سنة ثلاث عشرة وستمائة كهلا ، وكان كبير القدر .

                                                                                      وعبد الله هو المحدث الحافظ المصنف جمال الدين أبو موسى ، رحل وسمع من ابن كليب وخليل الراراني ، مات كهلا في شهر رمضان سنة تسع وعشرين .

                                                                                      وعبد الرحمن هو المفتي أبو سليمان بن الحافظ ، سمع من البوصيري وابن الجوزي ، عاش بضعا وخمسين سنة ، توفي في صفر سنة ثلاث وأربعين وستمائة .

                                                                                      عن المنامات : أورد له الشيخ الضياء عدة منامات منها :

                                                                                      سمعت أحمد بن يونس المقدسي الأمين يقول : رأيت كأني بمسجد الدير وفيه رجال عليهم ثياب بيض ، وقع في نفسي أنهم ملائكة ، فدخل [ ص: 469 ] الحافظ عبد الغني ، فقالوا بأجمعهم : نشهد بالله إنك من أهل اليمين مرتين أو ثلاثا .

                                                                                      سمعت الحافظ عبد الغني يقول : رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في النوم وأنا أمشي خلفه إلا أن بيني وبينه رجلا .

                                                                                      سمعت الرضي عبد الرحمن بن محمد يقول : رأيت كأن قائلا يقول : جاء الحافظ من مصر ، فمضيت أنا والشيخ أبو عمرو العز بن الحافظ إليه ، فجئنا إلى دار ففتح الباب ، فإذا الحافظ وعلى وجهه عمود من نور إلى السماء ، وإذا والدته في تلك الدار .

                                                                                      سمعت الشيخ الصالح غشيم بن ناصر المصري قال : لما مات الحافظ كنت بمكة ، فلما قدمت قلت : أين دفن ؟ قيل : شرقي قبر الشافعي ، فخرجت ، فلقيت رجلا ، فقلت : أين قبر عبد الغني ؟ قال : لا تسألني عنه ، ما أنا على مذهبه ولا أحبه ، فتركته ، ومشيت ، وأتيت قبر الحافظ ، وترددت إليه ، فأنا بعض الأيام في الطريق فإذا الرجل فسلم علي وقال : أما تعرفني ؟ أنا الذي لقيتك من مدة وقلت لك كذا وكذا ، مضيت تلك الليلة فرأيت قائلا يقول لي : يقول لك فلان وسماني : أين قبر عبد الغني ؟ فتقول ما قلت ؟ ! وكرر القول علي ، وقال : إن أراد الله بك خيرا فأنت تكون على ما هو عليه ، ثم قال : فلو كنت أعرف منزلك لأتيتك .

                                                                                      سمعت أبا موسى بن الحافظ ، حدثني صنيعة الملك هبة الله بن حيدرة قال : لما خرجت للصلاة على الحافظ لقيني هذا المغربي فقال : أنا غريب ، رأيت البارحة كأني في أرض بها قوم عليهم ثياب بيض ، فقلت ما [ ص: 470 ] هؤلاء ؟ قيل : ملائكة السماء نزلوا لموت الحافظ عبد الغني ، فقلت : وأين هو ؟ فقيل لي : اقعد عند الجامع حتى يخرج صنيعة الملك فامض معه ، قال : فلقيته واقفا عند الجامع .

                                                                                      سمعت الفقيه أحمد بن محمد بن عبد الغني سنة اثنتي عشرة يقول : رأيت البارحة أخاك الكمال عبد الرحيم -وكان توفي تلك السنة- في النوم ، فقلت : يا فلان أين أنت ؟ قال : في جنة عدن ، فقلت : أيما أفضل الحافظ أو الشيخ أبو عمر ؟ فقال : ما أدري ، وأما الحافظ فكل ليلة جمعة ينصب له كرسي تحت العرش ، ويقرأ عليه الحديث ، وينثر عليه الدر والجوهر ، وهذا نصيبي منه ، وكان في كمه شيء .

                                                                                      سمعت الشيخ عبد الله بن حسن بن محمد الكردي بحران يقول : قرأت في رمضان ثلاثين ختمة ، وجعلت ثواب عشر منها للحافظ عبد الغني ، فقلت في نفسي : ترى يصل هذا إليه ؟ فرأيت في النوم كأن عندي ثلاثة أطباق رطب ، فجاء الحافظ وأخذ واحدا منها . ورأيته مرة فقلت : أليس قد مت ؟ قال : إن الله بقي علي وردي من الصلاة ، أو نحو هذا .

                                                                                      سمعت القاضي الإمام عمر بن علي الهكاري بنابلس يقول : رأيت الحافظ كأنه قد جاء إلى بيت المقدس ، فقلت : جئت غير راكب ، فعل الله بمن جئت من عندهم ! قال : أنا حملني النبي -صلى الله عليه وسلم- .

                                                                                      أخبرنا الإمام عبد الحافظ بن بدران بنابلس ، أخبرنا الإمام الفقيه أبو محمد عبد الله بن أحمد ، أخبرنا الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد ، حدثنا أبو طاهر السلفي ، أخبرنا أبو مسعود محمد بن عبد الله السوذرجاني ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن حمدان الحبال ، أخبرنا أبو محمد [ ص: 471 ] الفابجاني حدثنا جدي عيسى بن إبراهيم ، حدثنا آدم بن أبي إياس ، حدثنا سليمان بن حيان ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : إذا قرأ ابن آدم السجود فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول : يا ويله ، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة ، وأمرت بالسجود فعصيت ، فلي النار .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية