الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب الطعام عند القدوم وكان ابن عمر يفطر لمن يغشاه

                                                                                                                                                                                                        2923 حدثني محمد أخبرنا وكيع عن شعبة عن محارب بن دثار عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة نحر جزورا أو بقرة زاد معاذ عن شعبة عن محارب سمع جابر بن عبد الله اشترى مني النبي صلى الله عليه وسلم بعيرا بوقيتين ودرهم أو درهمين فلما قدم صرارا أمر ببقرة فذبحت فأكلوا منها فلما قدم المدينة أمرني أن آتي المسجد فأصلي ركعتين ووزن لي ثمن البعير

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله ( باب الطعام عند القدوم ) أي : من السفر ، وهذا الطعام يقال له النقيعة بالنون والقاف . قيل اشتق من النقع وهو الغبار لأن المسافر يأتي وعليه غبار السفر ، وقيل النقيعة من اللبن إذا برد ، وقيل غير ذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وكان ابن عمر يفطر لمن يغشاه ) أي لأجل من يغشاه ، والأصل فيه أن ابن عمر كان لا يصوم في السفر لا فرضا ولا تطوعا وكان يكثر من صوم التطوع في الحضر ، وكان إذا سافر أفطر وإذا قدم صام إما قضاء إن كان سافر في رمضان ، وإما تطوعا إن كان في غيره ، لكنه يفطر أول قدومه لأجل الذين يغشونه للسلام عليه ، والتهنئة بالقدوم ثم يصوم . ووقع في رواية الكشميهني " يصنع " بدل يفطر والمعنى صحيح لكن الأول أصوب ، فقد وصله إسماعيل القاضي في " كتاب أحكام القرآن " من طريق أيوب عن نافع قال " كان ابن عمر إذا كان مقيما لم يفطر ، وإذا كان مسافرا لم يصم ، فإذا قدم أفطر أياما لغاشيته ثم يصوم " قال ابن بطال : فيه إطعام الإمام والرئيس أصحابه عند القدوم من السفر ، وهو مستحب عند السلف ، ويسمى النقيعة بنون ، وقاف وزن عظيمة . ونقل عن المهلب أن ابن عمر كان إذا قدم من سفر أطعم من يأتيه ويفطر معهم ويترك قضاء رمضان لأنه كان لا يصوم في السفر فإذا انتهى الطعام ابتدأ قضاء رمضان . قال وقد جاء هذا مفسرا في " كتاب الأحكام " لإسماعيل القاضي ، وتعقبه ابن بطال بأن الأثر الذي أخرجه إسماعيل ليس فيه [ ص: 225 ] ما ادعاه المهلب ، يعني من التقييد برمضان ، وإن كان يتناوله بعمومه ، وإنما حمل المهلب على ذلك ما جاء عن ابن عمر أنه كان يقول فيمن نوى الصوم ثم أفطر : إنه متلاعب وأنه دعي إلى وليمة فحضر ولم يأكل واعتذر بأنه نوى الصوم ، فاحتاج أن يقيده بقضاء رمضان ، والحق أنه لا يحتاج إلى ذلك إذا حمل على الصورة التي ابتدأت بها وهو أنه لا ينوي الصوم حينئذ بل يقصد الفطر لأجل ما ذكر ، ثم يستأنف الصوم تطوعا كان أو قضاء والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        ثم ذكر المصنف حديث جابر في قصة بيع جمله من طريق محارب عنه باختصار ، والغرض منه قوله " فلما قدم صرارا أمر ببقرة فذبحت فأكلوا منها " الحديث ، وصرار بكسر المهملة والتخفيف ووهم من ذكره بمعجمة أوله ، وهو موضع بظاهر المدينة على ثلاثة أميال منها من جهة المشرق ، وقوله في أول السند " حدثنا محمد " هو ابن سلام ، وقد حدث به عن وكيع ، وممن يسمى محمدا من شيوخ البخاري محمد بن المثنى ، ومحمد بن العلاء ، وغيرهما ، ولكن تقرر أن البخاري حيث يطلق محمدا لا يريد إلا الذهلي ، أو ابن سلام ، ويعرف تعيين أحدهما من معرفة من يروي عنه والله أعلم . وقوله " زاد معاذ " أي : ابن معاذ العنبري وهو موصول عند مسلم ، وأراد البخاري بإيراد طريق أبي الوليد الإشارة إلى أن القدر الذي ذكره طرف من الحديث ، وبهذا يندفع اعتراض من قال إن حديث أبي الوليد لا يطابق الترجمة ، وأن اللائق به الباب الذي قبله . والحاصل أن الحديث عند شعبة عن محارب ، فروى وكيع طرفا منه وهو ذبح البقرة عند قدوم المدينة ، وروى أبو الوليد وسليمان بن حرب عنه طرفا منه وهو أمره جابرا بصلاة ركعتين عند القدوم ، وروى عنه معاذ جميعه وفيه قصة البعير وذكر ثمنه لكن باختصار ، وقد تابع كلا من هؤلاء عن شعبة في سياقه جماعة .

                                                                                                                                                                                                        ( خاتمة

                                                                                                                                                                                                        اشتمل كتاب الجهاد من أوله إلى هنا من الأحاديث المرفوعة على ثلاثمائة وستة وسبعين حديثا ، المعلق منها أربعون طريقا والبقية موصولة ، المكرر منها فيه وفيما مضى مائتان وستة وستون ، والخالص مائة وعشرة أحاديث وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي هريرة الجنة مائة درجة وحديثه " لولا أن رجالا " ، وحديث جابر " اصطبح ناس الخمر " وحديث المغيرة " بلغنا نبينا " وحديث سهل بن حنيف في قول عمر ، وحديث السائب بن يزيد عن طلحة ، وحديث أنس عن أبي طلحة ، وحديثه في قصة ثابت بن قيس ، وحديث سهل في أسماء الخيل وحديث أنس في : العضباء لا تسبق ، وحديث سعد إنما تنصرون بضعفائكم وحديث سلمة ارموا وأنا مع ابن الأدرع وحديث أبي أسيد ، " إذا أكثبوكم " وحديث أبي أمامة في حلية السيوف ، وحديث ابن عمر بعثت بين يدي الساعة وحديث ابن عباس في الدعاء ببدر لكن أخرجه من طريق أخرى عن ابن عباس عن عمر ، وحديث عمرو بن تغلب في قتال الترك ، وحديث أبي هريرة في التحريق ، وحديث ابن مسعود فيما غبر من الدنيا ، وحديث قيس بن سعد في الترجيل ، وحديث العباس في الراية ، وحديث جابر في التسبيح ، وحديث أبي موسى " إذا مرض العبد " وحديث ابن عمر في السير وحده ، وحديث أبي هريرة في الأسارى ، وحديث ابن عباس مع علي ، وحديث أبي هريرة في قصة قتل خبيب ، وفيه حديث بنت عياض وحديث سلمة في عين المشركين ، وحديث عمر في هني ، وحديث عبد الله بن عمرو في قصة الغال ، وحديث السائب بن يزيد في الملاقاة . وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم سبعة وعشرون أثرا . والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية