الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            وله أربعة أركان : موص ووصي وموصى فيه وصيغة ( وشرط الوصي ) تعيين و ( تكليف ) أي بلوغ وعقل ; لأن غيره لا يلي أمر نفسه فغيره أولى ، وسيأتي أنه لو أوصى لفلان إلى بلوغ ابنه أو قدوم زيد فإذا بلغ أو قدم فهو الوصي جاز ، ولا يرد على هذا ; لأنه في الإيصاء المنجز وذاك في الإيصاء المعلق ( وحرية ) كاملة [ ص: 101 ] ولو مآلا كمدبرة ومستولدة فلا يصح لمن فيه رق للموصي أو لغيره وإن أذن سيده ; لأن الوصاية تستدعي فراغا وهو ليس من أهله ، وما أخذه ابن الرفعة منه من منع الإيصاء لمن أجر نفسه لعمل مدة لا يمكنه التصرف فيها بالوصاية فلا يصح الإيصاء له مردود لبقاء أهليته وتمكنه من استنابة ثقة يعمل عنه تلك المدة ( وعدالة ) ولو ظاهرة فلا يصح لفاسق لعدم أهليته للولاية ، ولو وقع نزاع في عدالته فلا بد من ثبوت العدالة المذكورة كما هو ظاهر ( وهداية إلى التصرف الموصى به ) فلا تجوز لمن لا يهتدي إليه لسفه أو هرم أو تغفل إذ لا مصلحة فيه ، ولو فرق فاسق مثلا [ ص: 102 ] ما فوض له تفرقته غرمه ، وله استرداد بدل ما دفعه ممن عرفه لتبين أنه لم يقع الموقع فإن بقيت عين المدفوع استرده الحاكم وأسقط عنه من الغرم بقدره كما لا يخفى ومر أن للمستحق لعين الاستقلال بأخذها وأن للأجنبي أخذها ودفعها إليه فما هنا في غير ذلك ( وإسلام ) فلا تصح من مسلم لكافر لتهمته ، وما بحثه الإسنوي من أنه لو كان المسلم وصي ذمي فوض له وصاية على أولاده الذميين جاز له إيصاء ذمي مردود كما قالهابن العماد وغيره بأن الوصي يلزمه النظر بالمصلحة الراجحة والتفويض لمسلم أرجح في نظر الشرع منه لذمي ، فالوجه تعين المسلم هنا أيضا ، وأخذ من التعليل المذكور أنه لو كان لمسلم ولد بالغ ذمي سفيه لم يجز أن يوصي عليه ذميا وهو كذلك خلافا لبعض المتأخرين والتنظير فيه بظهور الفرق بين الأب والوصي مردود بجامع أن كلا منهما يلزمه رعاية المصلحة الراجحة في نظر الشرع ، وذكر الإسلام بعد العدالة ; لأن الكافر قد يكون عدلا في دينه وبفرض علمه من العدالة يكون توطئة لقوله ( لكن الأصح جواز وصية ذمي ) أو نحوه ولو حربيا كما هو واضح ( إلى ) كافر معصوم ( ذمي ) أو معاهد أو مؤمن فيما يتعلق بأولاده الكفار بشرط كون الوصي عدلا في دينه ، كما يجوز أن يكون وليا لأولاده وتعرف عدالته بتواترها من العارفين بدينه أو بإسلام عارفين وشهادتهما بها .

                                                                                                                            والثاني المنع كشهادته ، ولا بد أيضا أن لا يكون عدوا للطفل كما حكاه الرافعي عن الروياني وآخرين : أي عداوة دنيوية ، فأخذ الإسنوي منه عدم وصاية نصراني ليهودي وعكسه مردود ، ويتصور وقوع العداوة بينه وبين الطفل والمجنون لكون الموصي عدوا للوصي أو للعلم بكراهته لهما من غير سبب ، والعبرة في هذه الشروط بحالة الموت ; لأنه زمن التسلط على القبول فلا يضر فقدها قبله ولو عند الوصية ( ولا يضر العمى في الأصح ) ; لأن الأعمى كامل ويمكنه التوكيل فيما لا يمكنه .

                                                                                                                            والثاني يضر لعدم صحة بيعه وشرائه بنفسه ، وما بحثه الأذرعي من امتناع الوصية بالأخرس وإن كان له إشارة مفهمة غير واضح ، والأقرب الصحة فيمن له إشارة مفهمة وتوفرت فيه بقية الشروط ( ولا يشترط الذكورة ) إجماعا ( وأم الأطفال ) المستجمعة للشروط حال الوصية لا حال الموت وإن جرى عليه جمع ; لأن [ ص: 103 ] الأولوية إنما يخاطب بها الموصي وهو لا علم له بما يكون حال الموت ، فتعين أن يكون المراد به أنها إن جمعت الشروط فيها حال الوصية فالأولى أن يوصى إليها وإلا فلا ، ودعوى أنه لا فائدة لذلك ; لأنها قد تصلح عند الوصية لا الموت مردودة بأن الأصل بقاء ما هي عليه ( أولى ) بإسناد الوصية إليها ( من غيرها ) ; لأنها أشفق عليه وإنما يظهر كونها أولى كما بحثه الأذرعي إن ساوت الرجل في الاسترباح ونحوه من المصالح التامة ، وللحاكم تفويض أمر الأطفال إلى امرأة حيث لا وصي فتكون قيمة ولو كانت أم الأطفال فهي أولى كما قاله الغزالي في بسيطه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ولا يرد على هذا ) يتأمل وجه الورود حتى يحتاج إلى الجواب [ ص: 101 ] عنه فإن ما هنا شروط في الوصي وما يأتي متعلق بالصيغة مع أن الوصي فيها مكلف ، اللهم إلا أن يقال : وجه الإيراد أنه لما قال أوصيت لزيد إلى بلوغ ابني فإذا بلغ فهو الوصي كان الابن الذي أوصى إليه صبيا وقتها ( قوله : مردود ) جرى على ما قاله ابن الرفعة حج حيث نقله وأقره ( قوله وعدالة ) قضية الاكتفاء بالعدالة أنه لا يشترط فيه سلامته من خارم المروءة والظاهر خلافه وأن المراد بالعدل في عبارتهم من تقبل شهادته فليراجع ( قوله : ولو ظاهرة ) وفي نسخة بدل ولو ظاهرة ولو باطنة ، وعبارة شيخنا الزيادي قوله ولو ظاهرة تبع فيه الهروي ، والمعتمد أنه لا بد من العدالة الباطنة مطلقا كما هو مذكور قبيل كتاب الصلح ا هـ .

                                                                                                                            وقول الزيادي لا بد من العدالة الباطنة : أي وهي التي تثبت عند القاضي بقول المزكين ، وقوله أيضا مطلقا : أي وقع نزاع في عدالته أو لا ، وفي نسخة أيضا : وعدالة باطنة ، وهي الموافقة لما في الزيادي ( قوله : فلا تصح لفاسق ) قال حج : وهل يحرم الإيصاء لنحو فاسق عندها ; لأن الظاهر استمرار فسقه إلى الموت فيكون متعاطيا لعقد فاسد باعتبار المآل ظاهرا ، ولا يحرم ; لأنه لم يتحقق فساده لاحتمال عدالته عند الموت ولا إثم مع الشك ، كل محتمل ، ومما يرجح الثاني أن الموصي قد يترجى صلاحه لوثوقه به ، فكأنه قال جعلته وصيا إن كان عدلا عند الموت ، وواضح أنه لو قال ذلك لا إثم عليه ، فكذا هنا ; لأن هذا مراد وإن لم يذكر هنا ، ويأتي ذلك في نصب غير الجد مع وجوده بصفة الولاية لاحتمال تغيرها عند الموت فيكون لمن عينه الأب لوثوقه به ا هـ .

                                                                                                                            أقول : وقد يقال فرق بين ما لو قال أوصيت له إذا صار عدلا وبين ما إذا أسقطه واقتصر على قوله أوصيت لزيد بأنه إذا صرح بقوله إن كان عدلا وقت الموت أشعر ذلك بتردده في حاله فيحمل القاضي على البحث في حاله وقت الموت ، بخلاف ما لو سكت فإنه يظن من إيصائه له حسن حاله ، وربما خفيت حاله عند الموت على القاضي فيغتر بتفويض الموصى له فيسلمه المال على أن في إثبات الوصية له قبل الموت حملا له على المنازعة بعد الموت فربما أدى إلى إفساد التركة ( قوله : ولو فرق فاسق ) أي فيما لو كان الموصى به غير معين والموصي كذلك فلا ينافي ما مر في قوله وإنما صحت إلخ من أن الأجنبي إذا دفع للمعين وقع الموقع كما نبه عليه في قوله ومر إلخ والكلام في الوصية ، أما لو دفع شخص في حياته شيئا لفاسق علم فسقه وأذن له في تفريقه [ ص: 102 ] ففرقه على الوجه المأذون له فيه فلا يظهر إلا الاعتداد به ويصدق في ذلك ( قوله : بدل ما دفعه ) قضيته أنه ليس له استرداد العين ما دامت باقية وأنه يستقل باسترداد البدل ، وعليه فيمكن الفرق بأن البدل ليس من مال الموصي وهو مخاطب ببدله للقاضي فجاز له استيفاؤه ، بخلاف عين المال فإنها من مال الموصي وهو ممنوع من وضع يده عليها فكان قبضها للقاضي دونه .

                                                                                                                            ( قوله : فإن بقيت عين المدفوع ) أي في يد من أخذ ممن فرق ( قوله : وأسقط عنه ) أي الفاسق ( قوله : خلافا لبعض المتأخرين ) أي حج ( قوله : إلى كافر معصوم ) قال سم على حج : قوله معصوم قضيته امتناع إيصاء الحربي إلى حربي وهو ظاهر ; لأن الحربي لا بقاء له ( قوله : كشهادته ) أي الذمي على مثله ( قوله : أن لا يكون ) أي الوصي ( قوله بحال الموت ) أقول : هل يعتبر في الفاسق إذا تاب مضي مدة الاستبراء قبل الموت أو يكفي كونه عدلا عنده وإن لم تمض المدة المذكورة ؟ فيه نظر ، والثاني هو الأقرب قياسا على عدم اشتراط ذلك في حق الولي إذا أراد أن يزوج بعد التوبة ( قوله : فيمن له إشارة مفهمة ) ظاهره وإن اختص بفهمهما الفطنون وينبغي تخصيصها بما إذا فهمها كل أحد لتكون صريحة ( قوله : وأم الأطفال ) وهل الجدة كذلك ولو من جهة الأب ؟ فيه نظر ، والظاهر أنها كذلك ; لأنها أشفق من الأجانب ، وظاهره كلام الروضة يشملها في باب الفرائض .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله ولا يرد على هذا ) لا يخفى أن الوارد إنما [ ص: 101 ] هو الشق الأول : أي لا يرد على اشتراط التكليف ، ووجه وروده ظاهر خلافا لما في حاشية الشيخ ، وهو أنه جعل ابنه وصيا قبل التكليف . نعم إنما يظهر الورود لو كان العبرة بالتكليف عند الوصية ، لكن سيأتي أن الشروط إنما تعتبر عند الموت ، وحينئذ فالورود فيه خفاء ; لأن الموصي لا يعلم وقت موته ولعل ابنه عنده يكون مكلفا فتأمل ( قوله : ولو مآلا ) أي لكن بحيث يكون عند دخول وقت القبول وهو الموت حرا كما يؤخذ من تمثيله ، وليس المراد مطلق المالية الصادقة بغير ما ذكر ( قوله : فلا يصح لمن فيه رق ) أي رق لا يزول بموت الموصي كما يعلم مما قبله [ ص: 102 ] قوله فما هنا ) أي من الغرم والاسترداد ( قوله : وأخذ من التعليل المذكور ) يعني قوله بأن الوصي يلزمه إلخ ( قوله : بظهور الفرق بين الأب ) أي في هذا المأخوذ ، وقوله والوصي : أي في مسألة الإسنوي المعللة بما ذكر .




                                                                                                                            الخدمات العلمية