الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الاستيعاب الحضاري للقيم الإنسانية

        الأستاذ / عبد العال بوخلخال

        الـمقـدمـة

        الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

        وبعد...

        فهذه دراسة تحاول أن تجيب عن سؤال قديم متجدد.. سؤال العلاقة مع (الآخر).

        وهو قديم؛ لأنه ظهر منذ اللحظة، التي تشكلت فيها الهوية الحضارية الخاصة بالأمة الإسلامية.

        وهو متجدد، لأننا لا نكف، ولن نكف، عن طرحه، في كل مرحلة من مراحل تاريخنا.

        وطرحه ليس عبثا، ولا ترفا فكريا... بل هو استجابة لمقتضيات (الوحي)، ومقتضيات (الواقع).

        فالوحي الخاتم يطلب من المسلم أن لا ينعزل عن (الآخر)، بل يدعوه إلى أن يتفاعل معه، في مختلف الظروف، سلما وحربا، تقاربا وتباعدا، ووضع أمامه طرقا متعددة لتحقيق ذلك...

        مرة عن طريق قاعدة التعارف وهي الأصل في العلاقات الإنسانية: ـ ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) (الحجرات:13). [ ص: 5 ]

        ومرة عن طريق التدافع ـ وهو سنة من سنن الله تعالى في الاجتماع البشري: ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين ) (البقرة:251)، ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) (الحج:40).

        ومرة عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونشر الخير: ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) (آل عمران:110) ...

        فما يكون للمسلم، وهو يسمع هذه البيانات الربانية، أن ينعزل، ليكون سلبيا، لا مباليا، لا يعنيه شأن (الآخر).

        هذا عن الوحي... أما الواقع، فهو أيضا يقتضي أن نطرح السؤال عن علاقتنا مع (الآخر)، خصوصا ونحن الآن نعيش في عصر، تلاشت فيه الحدود، وانفتح فيه الكل على الكل، وتشابكت فيه مصالح الناس ومصائرهم، بكيفيـة لـم تشهـدها البشرية في تاريخها من قبل... فلا حواجـز الآن يمكنها أن تمنع انتقال الحروب والأمراض والأخبار والأفكار والخير والشر والحق والباطل... .

        والمسلم - وإن نسي مقتضيات الوحي أو غفل عنها-، فهل تـراه ينسى، أو يغـفل عن مـقـتـضـيـات الواقـع؟... .حـتى وإن فـعـل!!!... . فهل ترى الواقع يتركه؟ [ ص: 6 ]

        وإن تركنا السؤال عن علاقتنا بالآخر، فهل يترك (الآخر) السؤال عن علاقته بنا؟

        من هنا قلنا: هو سؤال قديم متجدد.. قديم في مضمونه، وقد يتجدد في صياغته، فنسأل: (نحن والغرب؟)، (نحن والآخر؟)، (نحن والحضارة الغربية؟)، (نحن والعولمة؟)، (نحن والحداثة؟)، (نحن والديمقراطية؟)...

        قد يتسع السؤال وقد يضيق... ولكنه في النهاية سيضعنا في مواجهة (الآخر)... ولكل مرحلة من مراحل تاريخ الأمة الإسلامية (آخرها)... و (الآخر) في زماننا، هو الحضارة الغربية، بكل ما تملكه من حضور فاعل، ومنتج ومؤثر.

        ونحن في هذه الدراسة، سنطرح السؤال عن موقفنا من القيم الغربية عموما، ومن الديمقراطية، كقيمة في المجال السياسي على وجه الخصوص.

        وهو سؤال يستبطن جملة من الأسئلة الجزئية:

        - من نحن؟ ما هي قيمنا؟

        - ما هي القيم الغربية؟ طبيعتها؟ خصائصها؟ موقفنا منها؟

        - ما الديمقراطية؟

        - ما حقيقة العـلاقة بينها وبين الإسلام؟ هل بينهما تناف أم ائتلاف؟ أم شيء آخر؟

        حول هذه الأسئلة الجزئية وغيرها، أدرنا النقاش في هذه الدراسة، من خلال ثلاثة فصول وخاتمة. [ ص: 7 ]

        تحدثنا في الفصل الأول (الإسلام والاستيعاب الحضاري)، عن الإسلام باعتباره الرسالة الخاتمة، التي جاءت لتساير الإنسان في جميع أحواله، فركزنا على ارتباط خـاصيـة الاستيعـاب الحـضـاري للشـأن الإنسـاني بمـفـهـوم خـاتمية الرسالة، وشموليتها، وكونها جاءت أساسا للإنسان، إذ هو مركز الخطاب القرآني.

        وتناولنا في الفصل الثاني (نحن والقيم الغربية)، منظومة القيم الغربية، طبيعتها، ومآلاتها، وموقف المسلمين منها.

        وناقشنا في الفصل الثالث (الإسلام والديمقراطية)، مسألة الديمقراطية كحالة خاصة من حالات تفاعلنا مع القيم الغربية، فتعرضنا لمفهوم الديمقراطية، موقف المسلمين منها، وفصلنا القول في الموقف، الذي رأيناه متوافقا مع الخاصية، التي بيناها في الفصل الأول.

        ثم كانت الخاتمة ... سجلنا فيها ما توصلت إليه الدراسة من نتائج.

        هل أجبنا بهذا عن السؤال؟... ربما... ولكن يقينا سيبقى السؤال مـطـروحـا، ويبقى باب الاجتهاد في محاولة الإجابة مفتوحا...

        ما نرجوه - إن لم ننل بإجابتنا أجرين - أن لا نحرم أجرا.

        وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. [ ص: 8 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية