الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 690 ) مسألة : قال : ( ويرفع يديه كرفعه الأول ) يعني يرفعهما إلى حذو منكبيه ، أو إلى فروع أذنيه ، كفعله عند تكبيرة الإحرام ، ويكون ابتداء رفعه عند ابتداء تكبيره ، وانتهاؤه عند انتهائه . وبهذا قال ابن عمر ، وابن عباس ، وجابر ، وأبو هريرة ، وابن الزبير ، وأنس ، والحسن وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، وسالم ، وسعيد بن جبير ، وغيرهم من التابعين ، وهو مذهب ابن المبارك ، والشافعي ، وإسحاق ، ومالك في إحدى الروايتين عنه . وقال الثوري ، وأبو حنيفة : لا يرفع يديه إلا في الافتتاح . وهو قول إبراهيم النخعي ; لما روي عن { عبد الله بن مسعود ، أنه قال : ألا أصلي لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فصلى ، فلم يرفع يديه إلا في أول مرة } . قال الترمذي : حديث ابن مسعود حسن روى يزيد بن زياد ، عن ابن أبي ليلى ، عن البراء بن عازب ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ، ثم لا يعود } . قالوا والعمل بهذين الحديثين أولى لأن ابن مسعود كان فقيها ، ملازما لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، عالما بأحواله ، وباطن أمره وظاهره ، فتقدم روايته على رواية من لم يكن حاله كحاله .

                                                                                                                                            قال إبراهيم النخعي لرجل روى حديث وائل بن حجر : لعل وائلا لم يصل مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا تلك الصلاة . فترى أن نترك رواية عبد الله ، الذي لعله لم يفته مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة ، ونأخذ برواية هذا . أو كما قال . [ ص: 295 ] ولنا ، ما روى الزهري عن سالم عن أبيه ، قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ، وإذا أراد أن يركع وبعدما يرفع رأسه من الركوع ، ولا يفعل ذلك في السجود } . قال البخاري : قال علي بن المديني - وكان أعلم أهل زمانه - : حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم لهذا الحديث . وحديث أبي حميد ، الذي ذكرنا في أول الباب وقد رواه ، في عشرة من الصحابة ، منهم أبو قتادة ، فصدقوه ، وقالوا : هكذا كان يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم . ورواه سوى هذين عمر ، وعلي ، ووائل بن حجر ، ومالك بن الحويرث ، وأنس ، وأبو هريرة ، وأبو أسيد ، وسهل بن سعد ، ومحمد بن مسلمة ، وأبو موسى ، وجابر بن عمير الليثي ، فصار كالمتواتر الذي لا يتطرق إليه شك مع كثرة رواته ، وصحة سنده ، وعمل به الصحابة والتابعون ، وأنكروا على من لم يعمل به . قال الحسن : رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرفعون أيديهم إذا كبروا ، وإذا ركعوا ، وإذا رفعوا رءوسهم كأنها المراوح . قال أحمد ، وقد سئل عن الرفع فقال : إي لعمري . ومن يشك في هذا ، كان ابن عمر إذا رأى من لا يرفع ، حصبه وأمره أن يرفع . فأما حديثاهم فضعيفان . فأما حديث ابن مسعود ، فقال ابن المبارك : لم يثبت . وحديث البراء ، قال ابن عيينة : حدثنا يزيد بن أبي زياد ، عن ابن أبي ليلى ، ولم يقل : ثم لا يعود . فلما قدمت الكوفة سمعته يحدث به ، فيقول : لا يعود . فظننت أنهم لقنوه . وقال الحميدي ، وغيره : يزيد بن أبي زياد ساء حفظه في آخر عمره ، وخلط . ثم لو صحا كان الترجيح لأحاديثنا أولى لخمسة أوجه : أحدها : أنها أصح إسنادا ، وأعدل رواة ، فالحق إلى قولهم أقرب . الثاني : أنها أكثر رواة ، فظن الصدق في قولهم أقوى ، والغلط منهم أبعد . الثالث : أنهم مثبتون ، والمثبت يخبر عن شيء شاهده ورواه . فقوله يجب تقديمه لزيادة علمه . والنافي لم ير شيئا ، فلا يؤخذ بقوله ، ولذلك قدمنا قول الجارح على المعدل . الرابع : أنهم فصلوا في روايتهم ، ونصوا على الرفع في الحالتين المختلف فيهما ، ، والمخالف لهم عمم بروايته المختلف فيه وغيره ، فيجب تقديم أحاديثنا لنصها وخصوصها ، على أحاديثهم العامة ، التي لا نص فيها كما يقدم الخاص على العام ، والنص على الظاهر المحتمل . الخامس : أن أحاديثنا عمل بها السلف من الصحابة والتابعين ، فيدل ذلك على قوتها . وقولهم : إن ابن مسعود إمام . قلنا : لا ننكر فضله ، لكن بحيث يقدم على أميري المؤمنين عمر وعلي وسائر من معهم ، كلا ، ولا يساوي واحدا منهم ، فكيف يرجح على جميعهم ؟ مع أن ابن مسعود قد ترك قوله في الصلاة في أشياء ، منها أنه كان يطبق في الركوع ، يضع يديه بين ركبتيه ، فلم يؤخذ بفعله ، وأخذ برواية غيره في وضع اليدين على الركبتين ، وتركت قراءته وأخذ بقراءة زيد بن ثابت ، وكان لا يرى التيمم للجنب ، فترك ذلك برواية من هو أقل من رواة أحاديثنا وأدنى منهم فضلا ، فهاهنا أولى .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية