الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب القيام بالشهادة والعدل

قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ومعناه : كونوا قوامين لله بالحق في كل ما يلزمكم القيام به من الأمر بالمعروف والعمل به والنهي عن المنكر واجتنابه ، فهذا هو القيام لله بالحق .

وقوله : شهداء بالقسط يعني بالعدل ؛ قد قيل في الشهادة إنها الشهادات في حقوق الناس ، روي ذلك عن الحسن ؛ وهو مثل قوله : كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم وقيل : إنه أراد الشهادة على الناس بمعاصيهم ، كقوله تعالى : لتكونوا شهداء على الناس فكان معناه : أن كونوا من أهل العدالة الذين حكم الله بأن مثلهم يكونون شهداء على الناس يوم القيامة .

وقيل : أراد به الشهادة لأمر الله بأنه الحق . وجائز أن تكون هذه المعاني كلها مرادة لاحتمال اللفظ لها قوله تعالى : ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا روي أنها نزلت في شأن اليهود حين ذهب إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ليستعينهم في دية ، فهموا أن يقتلوه . وقال الحسن : " نزلت في قريش لما صدوا المسلمين عن المسجد الحرام " . قال أبو بكر : قد ذكر الله تعالى هذا المعنى في هذه السورة في قوله : ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا فحمله الحسن على معنى الآية الأولى ، والأولى أن تكون نزلت في غيرهم وأن لا تكون تكرارا .

وقد تضمن ذلك الأمر بالعدل على المحق والمبطل ، وحكم بأن كفر الكافرين وظلمهم لا يمنع من العدل عليهم ، وأن لا يتجاوز في قتالهم وقتلهم ما يستحقون ، وأن يقتصر بهم على [ ص: 40 ] المستحق من القتال والأسر والاسترقاق دون المثلة بهم وتعذيبهم وقتل أولادهم ونسائهم قصدا لإيصال الغم والألم إليهم .

وكذلك قال عبد الله بن رواحة حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر خارصا ، فجمعوا له شيئا من حليهم وأرادوا دفعه إليه ليخفف في الخرص : إن هذا سحت وإنكم لأبغض إلي من عدتكم قردة وخنازير ، وما يمنعني ذلك من أن أعدل عليكم فقالوا : بهذا قامت السموات والأرض .

فإن قيل : لما قال : هو أقرب للتقوى ومعلوم أن العدل نفسه هو التقوى ، فكيف يكون الشيء هو أقرب إلى نفسه ؟ قيل : معناه : هو أقرب إلى أن تكونوا متقين باجتناب جميع السيئات ، فيكون العدل فيما ذكر داعيا إلى العدل في جميع الأشياء واجتناب جميع المعاصي ؛ ويحتمل : هو أقرب لاتقاء النار . وقوله : هو أقرب للتقوى فقوله : " هو " راجع إلى المصدر الذي دل عليه الفعل ، كأنه قال : العدل أقرب للتقوى ، كقول القائل : من كذب كان شرا له ؛ يعني كان الكذب شرا له .

التالي السابق


الخدمات العلمية