الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          وقد روى ابن جرير عن أبي نجيح عن مجاهد أنها نزلت هي وآيات بعدها في اليهود ، وروي عن ابن عباس في ذلك أنه قال في قوله تعالى : وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال ، نهى الله تبارك وتعالى هذه الأمة أن يصنعوا صنيعهم ، اهـ ، أي : أن يكونوا مثل اليهود في ذلك ، وإذا صح هذا فالمراد به - والله أعلم - الاعتبار بما جاء في سورة البقرة من قوله : ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل ، إلى قوله فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم ( 2 : 246 ) .

                          والظاهر أن الآية في جماعة المسلمين وفيهم المنافقون والضعفاء ، ولا شك أن الإسلام كلفهم مخالفة عادتهم في الغزو والقتال لأجل الثأر ، ولأجل الحمية والكسب ، وأمرهم بكف أيديهم عن الاعتداء ، وأمرهم بالصلاة والزكاة ، وناهيك بما فيهما من الرحمة والعطف ، حتى خمدت من نفوس أكثرهم تلك الحمية الجاهلية ، وحل محلها أشرف العواطف الإنسانية ، وكان منهم من يتمنى لو يفرض عليهم القتال ، ولا يبعد أن يكون عبد الرحمن بن عوف وبعض السابقين رأوا تركه ذلا وطلبوا الإذن به ، ولا يلزم من ذلك أن يكونوا هم الذين أنكروه بعد ذلك خشية من الناس بل ذلك فريق آخر من غير الصادقين ، على أنه لما فرض عليهم القتال - لما تقدم ذكره من الحكم والأسباب - كان كرها لجمهور المسلمين كما سبق بيان ذلك في تفسير كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ( 2 : 216 ) ، ولكن أهل العزم واليقين أطاعوا وباعوا أنفسهم لله - عز وجل - ، فكان الفرق بين قتالهم في الجاهلية وقتالهم في الإسلام عظيما ، وأما المنافقون ومرضى القلوب فكانوا قد أنسوا وسكنوا إلى ما جاء به الإسلام من ترك القتال وكف الأيدي فنال منهم الجبن ، وأحبوا الحياة الدنيا ، وكرهوا الموت لأجلها ، وليس هذا من شأن الإيمان الراسخ ، فظهر عليهم أثر الخشية والخوف من الأعداء حتى رجحوه على الخشية من الله - عز وجل - وسهل عليهم مخالفته بالقعود عن القتال وهو يقول : فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ( 3 : 175 ) ، واستنكروا فرض القتال وأحبوا لو تأخر إلى أجل وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب ، أي هلا أخرتنا إلى أن نموت حتف أنوفنا بأجلنا القريب ، هكذا فسره ابن جريج ، وقال غيره : المراد بالأجل القريب الزمن الذي يقوون فيه ويستعدون للقتال بمثل ما عند أعدائهم ، ويحتمل ألا يكونوا قصدوا أجلا معينا معلوما ، وإنما ذكروا ذلك لمحض الهرب والتفصي من القتال ، كما تقول لمن يرهقك عسرا في أمر : أمهلني قليلا أنظرني إلى أجل قريب ، وقد أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يرد عليهم بقوله :

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية