الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : وتواري حشفة في قبل أو دبر عليهما ) أي وفرض الغسل عند غيبوبة ما فوق الختان ، وكذلك غيبوبة مقدار الحشفة من مقطوعها في قبل امرأة يجامع مثلها أو دبر على الفاعل والمفعول به ، وإن لم ينزل والتعبير بغيبوبة الحشفة أولى من التعبير بالتفاء الختانين لتناوله الإيلاج في الدبر ; ولأن الثابت في الفرج محاذاتهما لا التقاؤهما ; لأن ختان الرجل هو موضع القطع ، وهو ما دون مؤخرة الحشفة وختان المرأة موضع قطع جلدة منها كعرف الديك فوق الفرج وذلك ; لأن مدخل الذكر هو مخرج المني والولد والحيض وفوق مدخل الذكر مخرج البول كإحليل الرجل وبينهما جلدة رقيقة يقطع منها في الختان فحصل أن ختان المرأة متسفل تحت مخرج البول وتحت مخرج البول مدخل الذكر فإذا غابت الحشفة في الفرج فقد حاذى ختانه ختانها ولكن يقال لموضع ختان المرأة الخفاض فذكر الختانين بطريق التغليب قيد بالتواري ; لأن مجرد التلاقي لا يوجب الغسل ولكن ينقض الوضوء على الخلاف المتقدم وقيدنا بكونه في قبل امرأة ; لأن التواري في فرج البهيمة لا يوجب الغسل إلا بالإنزال وقيدنا بكونها يجامع مثلها ; لأن التواري في الميتة والصغيرة لا يوجب الغسل إلا بالإنزال وقد تقدم الدليل من السنة والإجماع على وجوب الغسل بالإيلاج وإن لم يكن معه إنزال ، وهو بعمومه يشمل الصغيرة والبهيمة ، وإليه ذهب الشافعي لكن أصحابنا رضي الله عنهم منعوه إلا أن ينزل ; لأن وصف الجنابة متوقف على خروج المني ظاهرا أو حكما عند كمال سببه مع خفاء خروجه لقلته وتكسله في المجرى لضعف الدفق بعدم بلوغ الشهوة منتهاها كما يجده المجامع في أثناء الجماع من اللذة بمقاربة المزايلة فيجب حينئذ إقامة السبب مقامه ، وهذا علة كون الإيلاج فيه الغسل فتعدى الحكم إلى الإيلاج في الدبر وعلى الملاط به إذ ربما يتلذذ فينزل ويخفى لما قلنا وأخرجوا ما ذكرنا لكنه يستلزم تخصيص النص بالمعنى ابتداء كذا في فتح القدير

                                                                                        وحاصله أن الموجب إنزال المني حقيقة أو تقديرا عند كمال سببه ، وفيما ذكرناه لم يوجد حقيقة ولا تقديرا لنقصان سببه لكن هذا يستلزم تخصيص النص بالمعنى ابتداء والعام لا يخصص بالمعنى ابتداء عندنا فيحتاج أئمتنا إلى الجواب عن هذا [ ص: 62 ] ويحتاجون أيضا إلى الجواب عما ذكره النووي في شرح المهذب بأنه ينتقض بوطء العجوز الشوهاء المتناهية في القبح العمياء البرصاء المقطعة الأطراف فإنه يوجب الغسل بالاتفاق مع أنه لا يقصد به لذة في العادة ولم أجد عن هذين الإيرادين جوابا وقد ظهر لي في الجواب عن الأول أن هذا ليس تخصيصا للنص بالمعنى ابتداء وبيانه يحتاج إلى مزيد كشف فأقول : وبالله التوفيق إنه قد ورد حديثان ظاهرهما التعارض الأول الماء من الماء ومقتضاه أن الغسل لا يجب بالتقاء الختانين من غير إنزال ، فإن الماء اسم جنس محلى فاللام الاستغراق فمعناه جميع الاغتسال من المني فيما يتعلق بعين الماء لا مطلقا لوجوبه بالحيض والنفاس .

                                                                                        والثاني : حديث { إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل ، وإن لم ينزل } ومقتضاه عموم وجوب الغسل بغيبوبة الحشفة من غير إنزال فيشمل الصغيرة والبهيمة والميتة فيعارض الأول

                                                                                        وإذا أمكن العمل بهما وجب فقال علماؤنا إن الموجب للغسل هو إنزال المني كما أفاده الحديث الأول لكن المني تارة يوجد حقيقة وتارة يوجد حكما عند كمال سببه وهو غيبوبة الحشفة في محل يشتهى عادة مع خفاء خروجه ولو كان في الدبر لكمال السببية فيه ; لأنه سبب لخروج المني غالبا كالإيلاج في القبل لاشتراكهما لينا وحرارة وشهوة حتى إن الفسقة اللواطة رجحوا قضاء الشهوة من الدبر على قضائها من القبل ومنه خبرا عن قوم لوط { لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد } وفي الصغيرة ونحوها لم يكن الإيلاج سببا كاملا لإنزال المني لعدم الداعية إليه فلم يوجد إنزال المني حقيقة ولا تقديرا فلو قلنا بالوجوب من غير إنزال لكان فيه ترك العمل بالحديث أصلا ، وهو لا يجوز فكان هذا منا قولا بموجب العلة لا تخصيصا للنص بالقياس ابتداء وكون إنزال المني هو الموجب ، وهو إما حقيقة أو تقديرا هو الذي ذكره مشايخنا في أصولهم في بحث المفاهيم قاطعين النظر عن كون الماء من الماء منسوخا كما لا يخفى وجواب آخر أنه يجوز تخصيص النص العام بالمعنى ابتداء عند جمهور الفقهاء منهم الشيخ أبو منصور ومن تابعه من مشايخ سمرقند ; لأن موجبه عندهم ليس بقطعي وأكثر أصحابنا يمنعونه لكونه عندهم قطعيا والقياس ظني أما إذا كان العام ظنيا جاز تخصيصه بالقياس ابتداء وما نحن فيه من هذا القبيل ; لأنه ظني الثبوت ، وإن كان قطعي الدلالة

                                                                                        وأما الجواب عن الثاني فلا نسلم أن المحل لا يشتهى ولئن سلم فاجتماع هذه الأوصاف الشنيعة في امرأة نادر ولا اعتبار به هذا ، وقد ذكر في المبتغى خلافا فيمن غابت الحشفة في فرجه فقال وقيل لا غسل عليه كالبهيمة والمراد بالفرج الدبر ونقله في فتح القدير ولم يتعقبه وقد يقال إنه غير صحيح فقد قال في غاية البيان واتفقوا على وجوب الغسل من الإيلاج في الدبر على الفاعل والمفعول به ا هـ .

                                                                                        وجعل الدبر كالبهيمة بعيد جدا كما لا يخفى وفي فتح القدير أن في إدخال الإصبع الدبر خلافا في إيجاب الغسل فليعلم ذلك ا هـ .

                                                                                        وقد أخذه من التجنيس ولفظه رجل أدخل إصبعه في دبره ، وهو صائم اختلفوا في وجوب الغسل والقضاء والمختار أنه لا يجب الغسل ولا القضاء ; لأن الإصبع ليس آلة للجماع فصار بمنزلة الخشبة ذكره في الصوم وقد حكى عن السراج الوهاج خلافا في وطء الصغيرة التي لا تشتهى فمنهم من قال يجب مطلقا ومنهم من قال لا يجب مطلقا

                                                                                        والصحيح أنه إذا أمكن الإيلاج في محل الجماع من الصغيرة ولم يفضها [ ص: 63 ] فهي ممن تجامع فيجب الغسل وعزاه للصيرفي في الإيضاح وقد يقال إن بقاء البكارة دليل على عدم الإيلاج فلا يجب الغسل كما اختاره في النهاية معزيا إلى المحيط ولو لف على ذكره خرقة وأولج ولم ينزل قال بعضهم يجب الغسل ; لأنه يسمى مولجا وقال بعضهم لا يجب والأصح إن كانت الخرقة رقيقة بحيث يجد حرارة الفرج واللذة وجب الغسل وإلا فلا والأحوط وجوب الغسل في الوجهين ، وإن أولج الخنثى المشكل ذكره في فرج امرأة أو دبرها فلا غسل عليهما لجواز أن يكون امرأة ، وهذا الذكر منه زائد فيصير كمن أولج إصبعه وكذا في دبر رجل أو فرج خنثى لجواز أن يكونا رجلين والفرجان زائدان منهما وكذا في فرج خنثى مثله لجواز أن يكون الخنثى المولج فيه رجلا والفرج زائد منه ، وإن أولج رجل في فرج خنثى مشكل لم يجب الغسل عليه لجواز أن يكون الخنثى رجلا والفرج منه بمنزلة الجرح ، وهذا كله إذا كان من غير إنزال أما إذا أنزل وجب الغسل بالإنزال كذا في السراج الوهاج ، وهذا لا يرد على المصنف ; لأن كلامه في حشفة وقبل محققين والله أعلم بالصواب

                                                                                        .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : ; لأن التواري في فرج البهيمة لا يوجب الغسل إلا بالإنزال ) قال الرملي أقول : عللوه بأنه ناقص في انقضاء الشهوة بمنزلة الاستمناء بالكف وقالوا الإيلاج في الميتة بمنزلة الإيلاج في البهائم ، وهذا صريح في عدم نقض الوضوء به ما لم يخرج منه شيء ، وبه صرح ابن ملك في شرح المجمع في فصل ما يجب القضاء وما لا يجب وكذلك صرح به في توفيق العناية شرح الوقاية فلله الحمد والمنة فقد وافق بحثنا المنقول ( قوله : لكن هذا يستلزم تخصيص النص بالمعنى ) أي بالقياس ابتداء إلخ ; لأن قوله عليه الصلاة والسلام { إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل } يتناول الصغيرة والبهيمة والعام قطعي فيما يتناوله حتى يجوز نسخ الخاص به عندنا ولا يجوز تخصيصه ابتداء بظني كالقياس وخبر الواحد ما لم يخصص أولا بدليل مستقل لفظي مقارن ، فإن خصص بذلك لا يبقى قطعيا على الصحيح فيخص بالقياس والآحاد على ما بسط في كتب الأصول ، وما هنا ليس من هذا القبيل ، فإنه تخصيص بالقياس ابتداء ، وهو لا يخصص القطعي بقي أن الحديث الآتي [ ص: 62 ] وهو { إذا جلس بين شعبها الأربع } إلخ لم يظهر لي كونه من العام الذي عرفوه بأنه ما يتناول أفرادا متفقة الحدود على سبيل الشمول ولعله استفيد من إضافة شعب إلى الضمير ، فإن الإضافة تأتي له الألف واللام ، وإلا فالظاهر أنه من قسم المطلق فليتأمل .

                                                                                        ( قوله : ويحتاجوا أيضا ) صوابه ويحتاجون ( قوله : أما إذا كان العام ظنيا جاز تخصيصه بالقياس ابتداء ) قال في شرحه على المنار ولا يخفى أن منعهم تخصيصه بخبر الواحد والقياس إنما هو في عام قطعي الثبوت أما ظنيه كخبر الواحد ، فإنه يجوز اتفاقا للمساواة . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : وأما الجواب عن الثاني فلا نسلم أن المحل لا يشتهى ) يدل عليه إيجاب الشافعي رحمه الله الوضوء بمس العجوز دون الصغيرة التي لا تشتهى وما نقل عنه أنه رأى شيخا يقبل عجوزا فقال لكل ساقطة لاقطة ( قوله : وقد يقال إنه غير صحيح إلخ ) قيد في النهر قول المصنف أو دبر بقوله لغيره قال إذ لو غيبها في دبر نفسه فلا غسل عليه ; لأن النص ورد في الفاعل والمفعول فيقتصر عليه كذا في الصيرفية وحكى في المبتغى في المسألة خلافا ثم قال بعد نقل كلام البحر ولا يخفى أن محل الاتفاق إنما هو في دبر الغير أما في دبر نفسه فالذي ينبغي أن يعول عليه عدم الوجوب إلا بالإنزال إذ هو أولى من الصغيرة والميتة في قصور الداعي وعرف بهذا عدم الوجوب بإيلاج الإصبع ( قوله : ، وفي فتح القدير أن في إدخال الإصبع الدبر خلافا إلخ ) ذكر العلامة الحلبي هنا تفصيلا فقال والأولى أن يجب في القبل إذا قصد الاستمتاع لغلبة الشهوة ; لأن الشهوة فيهن غالبة فيقام السبب مقام المسبب وهو الإنزال دون الدبر لعدمها وعلى هذا ذكر غير الآدمي وذكر الميت وما يصنع من خشب أو غيره [ ص: 63 ]

                                                                                        ( قوله : وقد يقال إن بقاء البكارة إلخ ) قال في النهر ليس هذا مما الكلام فيه إذ الكبيرة كذلك ; ولذا قالوا لو جومعت البكر لا غسل عليها إلا إذا حملت لإنزالها إنما الكلام في أن الغسل هل يجب بوطء الصغيرة حيث لا مانع إلا الصغر اختلفوا والصحيح أنها لو كانت بحيث تفضي بالوطء لم يجب ، وإن توارت الحشفة لقصور الداعي وإلا وجب ا هـ .

                                                                                        وحاصله تقييد قول السراج فيجب الغسل إذا لم يفضها بشرط زوال عذرتها لا مطلقا ، وهو كلام حسن سوي قوله إلا إذا حملت لما علمت مما تقدم ما فيه ( قوله : وإن أولج الخنثى المشكل ذكره في فرج امرأة إلخ ) قال الشرنبلالي في شرح نور الإيضاح الكبير قلت ويشكل عليه معاملة الخنثى بالأضر في أحواله وعليه يلزمه الغسل ا هـ .

                                                                                        أقول : معاملته بالأضر والأحوط ليس على سبيل الوجوب دائما بل قد يكون مستحبا في مواضع منها هذه ووجهه أن إشكاله أورث شبهة ، وهي لا ترفع الثابت بيقين ; لأن الطهارة كانت ثابتة يقينا فلا ترتفع بشبهة كون فرجه المولج أو المولج فيه أصليا بخلاف مسائل توريثه مثلا ، فإنه لا يستحق الميراث ما لم يتحقق السبب فيعامل بالأضر لعدم تحقق ما يثبت له إلا نفع يدل على ما قلنا ما في كتاب الخنثى من غاية البيان إذا وقف في صف النساء أحب إلي أن يعيد الصلاة كذا قال محمد في الأصل ; لأن المسقط ، وهو الأداء معلوم والمفسد وهو المحاذاة موهوم وللتوهم أحب إعادة الصلاة ، وإن قام في صف الرجال فصلاته تامة ويعيد من عن يمينه وعن يساره والذي خلفه بحذائه على طريق الاستحباب لتوهم المحاذاة ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية