الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6582 ) مسألة : قال : ( فالعمد ما ضربه بحديدة ، أو خشبة كبيرة فوق عمود الفسطاط ، أو حجر كبير الغالب أن يقتل مثله ، أو أعاد الضرب بخشبة صغيرة ، أو فعل به فعلا الغالب من ذلك الفعل أنه يتلف )

                                                                                                                                            وجملة ذلك أن العمد نوعان : أحدهما ، أن يضربه بمحدد ، وهو ما يقطع ، ويدخل في البدن ، كالسيف والسكين والسنان ، وما في معناه مما يحدد فيجرح ، من الحديد ، والنحاس ، والرصاص ، والذهب ، والفضة ، والزجاج ، والحجر ، والقصب ، والخشب ، فهذا كله إذا جرح به جرحا كبيرا ، فمات ، فهو قتل عمد ، لا خلاف فيه بين العلماء ، فيما علمناه .

                                                                                                                                            فأما إن جرحه جرحا صغيرا ، كشرطة الحجام ، أو غرزه بإبرة ، أو شوكة ، نظرت ; فإن كان في مقتل ، كالعين ، والفؤاد ، والخاصرة ، والصدغ ، وأصل الأذن ، فمات ، فهو عمد أيضا ; لأن الإصابة بذلك في المقتل ، كالجرح بالسكين في غير المقتل ، وإن كان في غير مقتل ; نظرت ، فإن كان قد بالغ في إدخالها في البدن ، فهو كالجرح الكبير ; لأن هذا يشتد ألمه ، ويفضي إلى القتل ، كالكبير ، وإن كان الغور يسيرا ، أو جرحه بالكبير جرحا لطيفا ، كشرطة الحجام فما دونها ، فقال أصحابنا : إن بقي من ذلك ضمنا حتى مات ، ففيه القود ; لأن الظاهر أنه مات منه ، وإن مات في الحال ، ففيه وجهان ; أحدهما ، لا قصاص فيه . قال ابن حامد ; لأن الظاهر أنه لم يمت منه ، ولأنه لا يقتل غالبا ، فأشبه العصا والسوط ، والتعليل الأول أجود ; لأنه لما احتمل حصول الموت بغيره ظاهرا ، كان ذلك شبهة في درء القصاص ، ولو كانت العلة كونه لا يحصل به القتل غالبا ، لم يفترق الحال بين موته في الحال ، وموته متراخيا عنه ، كسائر ما لا يجب به القصاص والثاني ، فيه القصاص ; لأن المحدد لا يعتبر فيه غلبة الظن في حصول القتل به ، بدليل ما لو قطع شحمة أذنه ، أو قطع أنملته ، ولأنه لما لم يمكن إدارة الحكم ، وضبطه بغلبة الظن ، وجب ربطه بكونه محددا ، ولا يعتبر ظهور الحكمة في آحاد صور المظنة ، بل يكفي احتمال الحكمة ، ولذلك ثبت الحكم [ ص: 209 ] به فيما إذا بقي ضمنا ، مع أن العمد لا يختلف مع اتحاد الآلة والفعل ، بسرعة الإفضاء وإبطائه ، ولأن في البدن مقاتل خفية ، وهذا له سراية ومور ، فأشبه الجرح الكبير .

                                                                                                                                            وهذا ظاهر كلام الخرقي ; فإنه لم يفرق بين الصغير والكبير . وهو مذهب أبي حنيفة ، وللشافعي ، من التفصيل نحو ما ذكرنا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية