الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            النوع الثاني ، القتل بغير المحدد ، مما يغلب على الظن حصول الزهوق به عند استعماله

                                                                                                                                            فهذا عمد موجب للقصاص أيضا . وبه قال النخعي ، والزهري ، وابن سيرين ، وحماد ، وعمرو بن دينار ، وابن أبي ليلى ، ومالك ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبو يوسف ، ومحمد . وقال الحسن : لا قود في ذلك . وروي ذلك عن الشعبي . وقال ابن المسيب ، وعطاء ، وطاوس : العمد ما كان بالسلاح .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا قود في ذلك ، إلا أن يكون قتله بالنار . وعنه في مثقل الحديد روايتان . واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم : { ألا إن في قتيل عمد الخطإ ، قتيل السوط والعصا والحجر ، مائة من الإبل } . فسماه عمد الخطإ ، وأوجب فيه الدية دون القصاص ; ولأن العمد لا يمكن اعتباره بنفسه ، فيجب ضبطه بمظنته ، ولا يمكن ضبطه بما يقتل غالبا ، لحصول العمد بدونه في الجرح الصغير ، فوجب ضبطه بالجرح . ولنا ، قول الله تعالى : { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا } . وهذا مقتول ظلما ، وقال الله تعالى : { كتب عليكم القصاص في القتلى } . وروى أنس { ، أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها بحجر ، فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حجرين } . متفق عليه .

                                                                                                                                            وروى أبو هريرة ، قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : { ومن قتل له قتيل ، فهو بخير النظرين ; إما يودي ، وإما يقاد } . متفق عليه . ولأنه يقتل غالبا ، فأشبه المحدد . وأما الحديث ، فمحمول على المثقل الصغير ; لأنه ذكر العصا والسوط ، وقرن به الحجر . فدل على أنه أراد ما يشبههما . وقولهم : لا يمكن ضبطه . ممنوع ; فإننا نوجب القصاص بما نتيقن حصول الغلبة به ، وإذا شككنا ، لم نوجبه مع الشك ، وصغير الجرح قد سبق القول فيه ، ولأنه لا يصح ضبطه بالجرح ، بدليل ما لو قتله بالنار ، أو بمثقل الحديد . إذا ثبت هذا ، فإن هذا النوع يتنوع أنواعا ; أحدها ، أن يضربه بمثقل كبير ، يقتل مثله غالبا ، سواء كان من حديد ، كاللت ، والسندان ، والمطرقة ، أو حجر ثقيل ، أو خشبة كبيرة ، وحد الخرقي الخشبة الكبيرة ، بما فوق عمود الفسطاط ، يعني العمد التي تتخذها الأعراب لبيوتها ، وفيها دقة ، فأما عمد الخيام فكبيرة ، تقتل غالبا ، فلم يردها الخرقي وإنما حد الموجب للقصاص بما فوق عمود الفسطاط { ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن المرأة التي ضربت جاريتها بعمود فسطاط فقتلتها وجنينها ، قضى النبي صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة ، وقضى بالدية على عاقلتها } . والعاقلة لا تحمل العمد ، فدل على أن القتل بعمود الفسطاط ليس بعمد .

                                                                                                                                            وإن كان أعظم منه ، فهو عمد ; لأنه يقتل غالبا ، ومن هذا النوع أن يلقي عليه حائطا ، أو صخرة ، أو خشبة عظيمة ، أو ما أشبه مما [ ص: 210 ] يهلكه غالبا ، فيهلكه ، ففيه القود ; لأنه يقتل غالبا

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية