الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        6109 - حدثنا بحر ، قال : ثنا عبد الله بن وهب ، قال : حدثني عمرو بن محمد ومالك بن أنس ويحيى بن أيوب عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

                                                        قال أبو جعفر : فذهب قوم إلى القضاء باليمين مع الشاهد الواحد في خاص من الأشياء في الأموال خاصة ، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار .

                                                        وخالفهم في ذلك آخرون ؛ فقالوا : لا يجب أن يقضى في شيء من الأشياء إلا برجلين أو رجل وامرأتين ، ولا يقضى بشاهد ويمين في شيء من الأشياء ، قالوا : أما ما رويتموه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ذكر فيه أنه قضى باليمين مع الشاهد ؛ فقد دخله الضعف الذي لا يقوم به معه حجة .

                                                        وأما حديث ربيعة عن سهيل فقد سأل الدراوردي سهيلا عنه فلم يعرفه ، ولو كان ذلك من السنن المشهورة والأمور المعروفة إذا لما ذهب علمه ، وأنتم قد تضعفون من الأحاديث ما هو أقوى من هذا الحديث بأقل من هذا .

                                                        وأما حديث عثمان بن الحكم عن زهير بن محمد عن سهيل عن أبيه عن زيد بن ثابت فمنكر أيضا ؛ لأن أبا صالح لا تعرف له رواية عن زيد .

                                                        ولو كان عند سهيل من ذلك شيء ما أنكر على الدراوردي ما ذكرتم عن ربيعة ، ويقول له : لم يحدثني به أبي عن أبي هريرة ، ولكن حدثني به عن زيد بن ثابت ، مع أن عثمان بن الحكم ليس بالذي يثبت مثل هذا بروايته .

                                                        وأما حديث ابن عباس فمنكر ؛ لأن قيس بن سعد لا نعلمه يحدث عن عمرو بن دينار بشيء ، فكيف يحتجون به في مثل هذا ؟

                                                        وأما حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر فإن عبد الوهاب رواه كما ذكرتم .

                                                        وأما الحفاظ مالك ، وسفيان الثوري ، وأمثالهما ، فرووه عن جعفر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يذكروا فيه جابرا ، وأنتم لا تحتجون بعبد الوهاب فيما يخالف فيه الثوري ، ومالكا .

                                                        ثم لو لم ينازع في طريق هذا الحديث ، وسلمت على هذه الألفاظ التي قد رويت عليها لكانت محتملة للتأويل الذي لا يقوم لكم بمثلها معه الحجة .

                                                        وذلكم أنكم إنما رويتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد الواحد .

                                                        ولم يبين في الحديث كيف كان ذلك السبب ، ولا المستحلف مع من هو ؟ فقد يجوز أن يكون ذلك على ما ذكرتم ، ويجوز أن يكون أريد به يمين المدعى عليه .

                                                        [ ص: 146 ] وإذا ادعى المدعي ، ولم يقم على دعواه إلا شاهدا واحدا فاستحلف له النبي صلى الله عليه وسلم المدعى عليه ، فروى ذلك ليعلم الناس أن المدعي يجب له اليمين على المدعى عليه لا بحجة أخرى غير الدعوى - لا يجب له اليمين إلا بها .

                                                        كما قال قوم : إن المدعي لا يجب له اليمين فيما ادعى إلا أن يقيم البينة أنه قد كانت بينه وبين المدعى عليه خلطة ولبس ، فإن أقام على ذلك بينة استحلف له ، وإلا لم يستحلف .

                                                        فأراد الذي روى هذا الحديث أن ينفي هذا القول ، ويثبت اليمين بالدعوى ، وإن لم يكن مع الدعوى غيرها فهذا وجه .

                                                        وقد يجوز أن يكون أريد به يمين المدعي مع شاهده الواحد ؛ لأن شاهده الواحد كان ممن يحكم بشهادته وحده ، وهو خزيمة بن ثابت ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان عدل شهادته بشهادة رجلين .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية