الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( وإن ) ( سب ) مكلف ( نبيا أو ملكا ) مجمعا على نبوته أو ملكيته ( أو عرض ) بواحد منهما بأن قال عند ذكره إما أنا أو فلان فلست بزان أو ساحر ( أو لعنه أو عابه ) أي نسبه لعيب ( أو قذفه أو استخف بحقه ) كأن قال : لا أبالي بأمره ولا نهيه أو ولو جاءني ما قبلته ( أو غير ) صفته كأسود أو قصير ( أو ألحق به نقصا ، وإن في بدنه ) كأعور أو أعرج ( أو خصلته ) بفتح الخاء المعجمة أي شيمته وطبيعته كبخيل ( أو غض ) أي نقص ( من مرتبته ) العلية ( أو ) من ( وفور علمه أو زهده أو أضاف له ما لا يجوز عليه ) كعدم التبليغ ( أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم ) بخلاف تربى يتيما للإشارة إلى أنه كالدرة اليتيمة المنفردة عن أجناسها أو رعى الغنم ليعلمه الله كيف يسوس الناس ( أو ) ( قيل له بحق رسول الله ) لا تفعل كذا أو افعله ( فلعن وقال أردت ) بلعني ( العقرب ) لأنها مرسلة لمن تلدغه فلا يقبل قوله : ( قتل ولم يستتب ) أي بلا طلب أو بلا قبول توبة منه ( حدا ) إن تاب وإلا قتل كفرا ولا يخفى أن ما قدمه المصنف يغني بعضه عن بعض ولكن مراده التنصيص على أعيان المسائل التي نصوا عليها ( إلا أن يسلم الكافر ) فلا يقتل أي أن الساب يقتل [ ص: 310 ] مطلقا ما لم يكن كافرا فيسلم ; لأن الإسلام يجب ما قبله وبالغ على قتل الساب مسلما أو كافرا بقوله ( وإن ظهر أنه لم يرد ذمه لجهل أو مكر أو تهور ) في الكلام وهو كثرته من غير ضبط إذ لا يعذر أحد في الكفر بالجهل أو السكر أو التهور ولا بدعوى زلل اللسان ( وفي من ) ( قال ) حين غضبه ( لا صلى الله على من ) أي على شخص ( صلى عليه ) أي على النبي ( جوابا لصل ) على النبي قولان بالقتل وعدمه ووجه الأول أن فيه سبا للملائكة والأنبياء الذين يصلون على النبي ووجه الثاني أنه حين غضبه لم يكن قاصدا إلا نفسه ولكنه يؤدب ويطال سجنه ( أو ) ( قال ) مخاطبا لغيره ( الأنبياء يتهمون جوابا لتتهمني ) أي لقوله له أتتهمني فحذف همزة الاستفهام فيه قولان هل يقتل بلا قبول توبة لبشاعة اللفظ ، وإن لم يكن على طريق الذم أولا ; لأن قصده الإخبار عما وقع من الكفار لكنه يعاقب ( أو ) قال ( جميع البشر يلحقهم النقص حتى النبي صلى الله عليه وسلم ) هل يقتل بلا قبول توبة نظرا لظاهر اللفظ أولا لاحتماله أنه إخبار عما قاله الكفار ولكنه ينكل ويطال سجنه ( قولان ) في كل من الفروع الثلاثة .

التالي السابق


( قوله : وإن سب إلخ ) السب هو الشتم وهو كل كلام قبيح وحينئذ فالقذف والاستخفاف بحقه وإلحاق النقص به كل ذلك داخل في السب ومكرر معه قاله شيخنا العدوي وقوله : مكلف أي سواء كان مسلما أو كافرا واحترز بالمكلف عن المجنون وعن الصغير الغير المميز فلا يقتلان بسبب السب وكذا إن كان الصغير مميزا حيث تاب بعد بلوغه .

( قوله : أو عرض ) أي قال قولا وهو يريد خلافه اعتمادا على قرائن الأحوال من غير واسطة في الانتقال للمراد ( قوله : بأن قال عند ذكره إلخ ) أي كما لو قال له شخص النبي أمر بكذا فقال دعني ما أنا بساحر ولا كاذب ( قوله : أي نسبه لعيب ) العيب خلاف المستحسن شرعا أو عرفا أو عقلا ، وقوله : أي نسبه لعيب أي سواء كان في خلقه بأن قال إنه أسود أو أعور أو في خلقه بأن قال إنه أحمق أو جبان أو بخيل أو في دينه بأن قال إنه قليل الدين تارك الصلاة مانع الزكاة ( قوله : أو قذفه ) أي نسبه للزنا أو نفاه عن أبيه بأن قال إنه زان أو ابن زنا . ( قوله : كأن قال ) أي لمن قال له النبي أمرك بكذا أو نهاك عن كذا .

( قوله : أو غير صفته ) الضمير لمن ذكر من نبي أو ملك . ( قوله : كأسود إلخ ) أي كأن يقول النبي فلان كان أسود أو كان قصيرا جدا أو جبريل كان ينزل على المصطفى في صفة عبد أسود أو في صفة شخص قصير جدا ( قوله : أو ألحق به نقصا ) أي هذا إذا كان النقص الذي ألحق به في دينه كتارك الصلاة بل وإن كان في بدنه ( قوله : أو غض من مرتبته ) أي بأن قال تربى يتيما أو مسكينا أو كان خادما عند الناس .

( قوله : أو من وفور علمه ) أي بأن قال لم يكن على غاية من العلم أو الزهد ( قوله : أو أضاف له ) أي نسب له ما لا يجوز عليه وعبر أولا بأضاف وثانيا بنسب تفننا ولو حذف قوله أو نسب إليه وقال أو أضاف إليه ما لا يجوز أو ما لا يليق بمنصبه أي كالطمع في الدنيا وعدم الزهد فيها والطفالة وشراهة النفس كان أخصر ( قوله : على طريق الذم ) رجعه بعض الشراح للمسائل الثلاثة وهي أو غض من مرتبته أو أضاف له ما لا يجوز أو نسب له ما لا يليق ولا مفهوم لقوله على طريق الذم بل وكذا إن لم يكن على طريق الذم بأن صدر منه ذلك لجهل أو سكر أو تهور في الكلام ; لأن المصنف لم يعتبر مفهوم غير الشرط ويدل له ما يأتي في قوله ، وإن لم يرد ذمه .

( قوله : بخلاف تربى إلخ ) أي بخلاف قوله تربى يتيما للإشارة إلخ ، وأما لو قال تربى يتيما فقط فهذا يقتل ولا يقبل قوله : أردت بقولي تربى يتيما الإشارة إلى أنه كالدرة اليتيمة ، فقد صرح شيخنا العلامة السيد محمد البليدي في حاشيته على عبق أنه لا يقبل منه في مسكين إرادة المعنى المراد في حديث : { اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين } . والمراد بالمساكين في الحديث المتواضعون فتأمل .

( قوله : فلا يقبل قوله : ) راجع لقوله أردت العقرب وإنما لم يقبل منه ذلك لظهور لحوق السب بذلك .

( قوله : أو بلا قبول توبة ) أي إذا حصلت من غير طلب بأن جاء تائبا قبل الاطلاع عليه .

( قوله : وإن تاب ) أي وأنكر ما شهدت به عليه البينة .

( قوله : إلا أن يسلم الكافر فلا يقتل ) [ ص: 310 ] أي ولو كان إسلامه لأجل أن لا يقتل .

( قوله : مطلقا ) أي سواء كان مسلما أو كافرا وإنما لم يجعل سبه من جملة كفره بحيث أنه لا يقتل بذلك السب إذا لم يتب ; لأنا لم نعطهم العهد على ذلك ولا على قتل أحد منا فلو قتل أحدا منا أو سب نبيا قتلناه به ، وإن كان في دينه استحلال ذلك ( قوله : وإن ظهر أنه لم يرد ذمه ) ما ذكره المصنف هنا من المبالغة هو المعول عليه دون قوله قبل على طريق الذم فإن مفهومه غير معول عليه ا هـ عبق ( قوله : أو سكر ) أي أدخله على نفسه ولا يرد قول حمزة للنبي صلى الله عليه وسلم هل أنتم إلا عبيد أبي كما في البخاري ; لأنه كان قبل تحريم الخمرة كما في الشفاء والسكران إذ ذاك يحكم عليه بحكم المجنون .

( قوله : وفي من قال لا صلى الله على من صلى عليه إلخ ) أي وأما لو قال لا صلى الله عليه فإنه يقتل قولا واحدا بلا استتابة كما أنه يقتل قولا واحدا إذا قال وهو غير غضبان لا صلى الله على من صلى عليه .

( قوله : لم يكن قاصدا ، إلا نفسه ) أي الدعاء على نفسه بعدم صلاة الله عليه نفسه إن صلى على النبي ( قوله : لبشاعة اللفظ ) أي من حيث نسبة النقص للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقوله : وإن لم يكن على طريق الذم أي قصدا أي بأن لم يكن قاصدا ذمهم .

( قوله : أو لا ) أي أو لا يقتل ( قوله : لأن قصده إلخ ) الأولى لاحتمال أن يكون قصده الإخبار عما وقع من اتهام الكفار لهم وهو لا يعتقد ذلك كما هو ظاهر من حال المسلم ( قوله : لكنه يعاقب ) أي بالضرب وطول السجن .

( قوله : نظرا لظاهر اللفظ ) أي لأن ظاهره لحوق النقص للأنبياء عموما والنبي خصوصا بالإغياء .

( قوله : لاحتمال إلخ ) قال الشيخ أحمد بابا في هذا التعليل بعد ولذا قال الشارح بهرام الأظهر من القولين في الفرع الأخير القتل .

( قوله : لكنه ينكل ) أي بالضرب ويطال سجنه بعده .

( قوله : قولان في كل من الفروع الثلاثة ) أي والظاهر من القولين في الفروع الثلاثة القتل بلا استتابة كما في المج




الخدمات العلمية